جريدة الجرائد

فليتفضل علينا جوزف عون ببرنامجه للرئاسة

المطلوب أن يقدّم عون رؤية متكاملة لدوره في الحكم (أ ف ب)
قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

صار معلوماً أن الولايات المتحدة أقنعت العواصم الإقليمية برغبتها في رؤية مجلس النواب اللبناني وهو ينتخب قائد الجيش جوزف عون رئيساً للجمهورية، في الجلسة المقررة في التاسع من الشهر المقبل. وقائد الجيش معروف باستقامته وحسن سيرته وسلوكه، لكن هذا لا يكفي. المطلوب أن يقدّم عون رؤية متكاملة لدوره ورؤيته في الحكم.

وحتى لا نظلم المرشح الرئاسي العتيد، ونطلب منه ما هو خارج سلطته ودوره في السلطة التنفيذية، لا بدّ من إعادة تذكير اللبنانيين أن رئيس الجمهورية الثالثة، المعدّلة بالطائف، أقل صلاحية بكثير من رئيس الجمهورية الثانية. الدستور المعدّل في الطائف نقل صلاحيات الحكم من رئيس الجمهورية منفرداً إلى مجلس الوزراء مجتمعاً. مع ذلك، ما زال الرئيس في لبنان يتمتع بصلاحيات دستورية ومعنوية واسعة أساسها حماية الدستور وانتظام عمل المؤسسات، خصوصاً في وجه الهرطقات التي فرضتها على لبنان الوصاية السورية حتى العام 2005، و"سلاح المقاومة" بعد ذلك.

المهمة الأولى لعون، في حال انتخابه رئيساً للجمهورية، هي حماية الدستور. والدستور يسمو على البيان الوزاري للحكومة كما يسمو القانون على المرسوم. وفي الدستور، كل الميليشيات التي قامت في زمن الحرب الأهلية تسلّم سلاحها وتتحول إلى أحزاب سياسية حصراً، ويصبح الجيش اللبناني والقوى الأمنية، التي تأتمر بأوامر الحكومة، القوى الوحيدة المخولة باستخدام العنف لتطبيق القوانين المرعية الإجراء.

كما نصّ الدستور، معدلاً بالطائف، أن استعادة الأراضي التي كانت تحتلها إسرائيل يتم حصراً عبر الديبلوماسية وتطبيق القرار 425، الذي قدّم الأمين العام السابق للأمم المتحدة كوفي أنان تقريراً لمجلس الأمن أفاد فيه أن إسرائيل قامت بتطبيق القرار فعلياً في العام 2000. لم ينص الدستور على "مقاومة" ولا سلاح خارج أيدي القوات اللبنانية المسلحة، لكن الوصاية السورية أرادت تبرير بقاء قواتها في لبنان، وهو ما تطلب إبقاء الاحتلال الإسرائيلي، وحتى يتم ذلك، حافظت دمشق على السبب الموجب لبقاء الإسرائيليين، أي سلاح ميليشيوي موجه ضدهم. ثم انتهت الوصاية، فابتكر "حزب الله" هرطقة البيان الوزراي مع عبارة "شعب جيش مقاومة" لتبرير بقاء السلاح، أحياناً للدفاع، وأحياناً لحقول الغاز البحرية، أو لمزارع شبعا.

اليوم، صار معروفاً أن "سلاح المقاومة" ليس قادراً على حماية نفسه، وأن حقول الغاز في المياه الإقليمية اللبنانية لا غاز فيها. حتى مياه البقاع الجوفية جفّت، ومعها الليطاني.

ثم خرج زعيم الدروز وليد جنبلاط من لقائه حاكم سوريا الجديد ليقول إن مزارع شبعا سورية، وهو ما يعني انفراجة حتمية في النقاط الاثنتي عشرة المتبقية، باستثناء "B1"، التي ستكون أصعبها، وإن غير مستعصية.

مهمة الرئيس جوزف عون، في حال انتخابه حامياً للدستور وقائداً أعلى للقوات المسلحة، حماية الدستور فعلياً من كل التذاكي الماضي، إن ببيان وزاري أو التظاهر أن الميليشيا هي من "الأهالي" في القرى والبلدات الجنوبية. مهمة عون الأولى هي ضمان نهاية "سلاح المقاومة" لتأكيد احترام الدستور، وعلى السيد عون إصدار وعد بهذا الشأن علني قبل انتخابه.

كذلك تحت خانة حماية الدستور تندرج حماية حرية الرأي والنقاش. لا قانون في لبنان يحظر النقاش حول السلام مع إسرائيل. هناك قانون مقاطعة إسرائيل الصادر عن جامعة الدول العربية، والذي يتبناه لبنان، وهو غالباً قانون مقاطعة اقتصادي، يتم تأويله ليتضمن ما لا يقوله، فيصبح قانوناً يحظر حتى الحوار المباشر وجهاً لوجه مع أي مواطن إسرائيلي، وهذا من باب السخافات المضحكة، فيدخل وفد عسكري لبناني ليفاوض نظيره الإسرائيلي، ويرفض التوجه إليه، بل ينظر إلى مدير الجلسة المخصص من الأمم المتحدة.

هذه التفاهات الموروثة من تراثنا القبلي هي التي تفرض غياب النقاش اللبناني حول سياسة واضحة تجاه إسرائيل، سلماً أو حرباً. أساس النقاش حول علاقة لبنان مع إسرائيل يفترض المصلحة اللبنانية الخالصة، وإن توفّرت، يمكن وقتذاك إعلان التضامن مع الفلسطينيين حتى ينالوا ما يطلبونه. لكن أن تكون سياسة لبنان تجاه إسرائيل مبنية على "كيف سنجيب رب العالمين يوم القيامة عندما يسألنا عمّا فعلناه من أجل غزة"، على ما دأب الراحل حسن نصرالله على ترداده، فهذا يضفي على سياسة لبنان القبلية البائدة تجاه إسرائيل ماورائيات وأساطير لا تصلح أن تكون سياسات مصممة في خدمة المصلحة القومية للوطن اللبناني.

على المرشح عون أن يعدنا أن حرية النقاش مكفولة حول السلام مع إسرائيل والمكاسب الاقتصادية الممكنة منه.

وعلى المرشح عون أن يعدنا أنه في حال أقر "مجلس النوّاب" اللبناني اتفاقية سلام مع إسرائيل، فهو سيوقعها حتى تصبح قانوناً ناجزاً، حتى لو لم تحز إجماعاً، فالديموقراطية هي حكم الغالبية البسيطة، وفي حالات التعديلات الدستورية، أو إقرار اتفاقيات دولية، تتطلب غالبية الثلثين. أما "الديموقراطية التوافقية"، فهرطقة فرضها أهل السلاح في السنوات التي خسروا فيها الانتخابات، ولم يلتفتوا إليها في السنوات التي فازوا فيها انتخابياً.

إن انتخاب قادة لبنانيين وطنيين من نظاف الأكف والسمعة الطيبة أمر جيد، ولكنه غير كاف بدون المواقف الجلية الواضحة، التي تصب في مصلحة لبنان أولاً وأخيراً. أما الأوادم والخبراء من المحاكم والمصارف الدولية من أصحاب المواقف الرمادية وممن يسعون للمناصب للوجاهة والفذلكة الكلامية والتوازنات، فهؤلاء مكانهم في مناصبهم الحالية في المحافل الدولية، ولا مكان لهم في مواقع القرار اللبناني.

ختاماً، كل التوفيق للمرشح عون، على أمل أن يقدم نهجاً وأسلوباً وثقافة ورؤية مختلفة في المنصب والحكم، وأن يتفادى الشعبوية الفارغة التي تتضمن نثر الورد والأرز على رأسه أثناء زيارته القرى والمناطق، مع بعض المفرقعات والدبكة ونحر الخراف.

في سني شبابي في لبنان، كنت أمر يومياً تحت يافطات مديح وإشادة برؤساء لبنان المتعاقبين بتوقيع "شباب الحمراء" و"شباب عين المريسة"، وهو ما أثار حيرتي، وأنا ابن رأس بيروت، حول هوية هؤلاء "الشباب المحليين"، إلى أن لمحت يوماً زوار الليل بثياب مدنية يعلقون اليافطات، ومن فوق العمود يقول أحدهم لصاحبه في الأسفل "أمرك سيدنا".

إذا كانت رئاسة عون ستكون كرئاسة أسلافه من قادة الجيش، فبلا رئاسة، وبلا وطن، وليبقَ لبنان قبائل متعايشة حيناً ومتخاصمة أحياناً.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف