جريدة الجرائد

«الشرق الأوسط».. صراعات الإقليم والتنافس الدولي

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
محمد خلفان الصوافي

ضاعفت الصراعات الجيوسياسية بين القوى الإقليمية من تشويه استقرار منطقة الشرق الأوسط، خصوصاً بعد أحداث السابع من أكتوبر عام 2023، بعدما كان الاعتقاد أن التوجه الأكبر لدول هذه المنطقة هو نحو تحقيق الاستقرار والتنمية، كحال باقي أقاليم العالم التي تعمل دولها على التعاون من أجل الحفاظ على سيادتها واستقرارها. والحال ينطبق على الدول المجاورة لكوريا الشمالية أو ما يعرف جيوسياسياً بدول إقليم «البحر الأصفر».

والحال كذلك على قارة أمريكا الجنوبية، ما يعطي انطباعاً أن ما يحدث في الشرق الأوسط ليس ناتجاً من داخله بل هو انعكاس لحالة التنافس الدولي على النفوذ في هذه المنطقة، إذ إن هذه هي «الظاهرة السياسية» المستمرة في النظام الدولي منذ معاهدة وستفاليا عام 1648، التي أقرت النظام الدولي الذي يؤكد على القوة كأساس للتعامل بين الدول.

دائماً ما تجد منطقة الشرق الأوسط نفسها في انتقال من صراع لتوسعة نفوذ قوى إقليمية على حساب أخرى، مستخدمة الجغرافيا العربية ساحة لذلك التنافس، من دون حراك عربي جماعي لتحديد المشروع العربي الخاص في ظل هذا التنافس المستمر. فمرة ينطلق التنافس من إيران ومرة من تركيا وفي أكثر المرات إسرائيل التي استمرأت استغلال الأزمات في المنطقة لتحقيق أهدافها الاستراتيجية، خصوصاً في ضم المزيد من الأرض العربية، حيث تقدمت مسافة تقدر بأربعة عشر كيلومتراً في الأراضي السورية من الجهة الشمالية بعد سقوط نظام بشار الأسد.

هذا التنافس المستمر دليل عملي على أن الشرق الأوسط يحتل موقعاً جيوسياسياً بالغ الأهمية في الاستراتيجية العالمية، فمن يريد السيطرة على العالم عليه أن يسيطر على الشرق الأوسط.

كانت الولايات المتحدة الأمريكية شريكاً استراتيجياً منذ الحرب العالمية الثانية، ويرجع ذلك إلى حد كبير في الرغبة بين تحقيق الأمن والاستقرار في المنطقة وأمن الطاقة الشريان الرئيسي للتنمية ورفاهية الإنسان في العالم، إلى أن تغيرت الاستراتيجية الأمريكية من خلال تبني استراتيجية «الفوضى الخلاقة» للمنطقة التي وضعتها وزيرة الخارجية الأمريكية في عهد بوش الابن «كونداليزا رايس»، وما تبع ذلك من نسخ لهذه الاستراتيجية متمثلة في غزو العراق في 2003 ثم ما كان يسمى بـ «الربيع العربي» في 2011 والآن نشهد مرحلة جديدة لتلك النسخ من خلال التداعيات الكارثية الناتجة من السابع من أكتوبر عام 2023 التي ما زالت مستمرة، والتي وسعت نطاق استراتيجية «الفوضى الخلاقة» بشكل أكبر من خلال المزيد من حالة «التشويه» للمنطقة بحيث لم يعد واضحاً مستقبل هذه المنطقة إلى أين يسير.

تدرك واشنطن أن منطقة الشرق الأوسط هي حجر الزاوية لسيطرتها على العالم واستمرار نفوذها كقطب أوحد، فوجودها في هذه المنطقة يتيح لها الحد من تدخل القوى المنافسة لها مثل الصين وروسيا، وإذا كانت قد انسحبت من المنطقة في عام 2018 وفق استراتيجية الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما فإن الكثير من المحللين يتوقعون عودة تلك الاستراتيجية مع عودة الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب خلال هذا الشهر، وقد أكدت العديد من المؤشرات على تلك العودة وأبرزها خروج القواعد العسكرية الروسية من سوريا وبروز تركيا العضو في حلف الناتو لاعباً إقليمياً من جديد.

لقد حول ذلك التنافس العالمي منطقة الشرق الأوسط وخصوصاً الجزء العربي فيه إلى ساحة معركة جيوسياسية في وقت تجد الدول العربية نفسها في موقف يتطلب منها الموازنة بين الحفاظ على سيادتها ومواجهة التحديات التنموية الداخلية.

بعيداً عن التنافس الإقليمي والدولي، تعمل دول مجلس التعاون الخليجي على اتباع دبلوماسية التهدئة بين المتنافسين لتخفيف حدة التوترات والشحن السياسي، كما تعمل على التوازن بين المتنافسين الإقليميين والدوليين للحفاظ على حيادها، وذلك من أجل تجنب أي مواجهة عسكرية بين المتصارعين قد تدمر العالم والإنسانية.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف