تموت الأفاعي من سموم العقارب!
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
على الرغم من أن أحداث السابع من أكتوبر 2023 اندلعت عقب مواجهة مباشرة بين إسرائيل وحماس، إلا أنها تشعّبت لاحقاً وشملت أطرافاً أخرى في منطقة الشرق الأوسط كسورية واليمن ولبنان، وخلال هذه الفترة تمكّنت إسرائيل من تدمير قطاع غزة تدميراً شبه كامل ووأد ما تبقى من السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية، كما تمكّنت من تدمير البنية التحتية لحزب الله وتصفية الكثير من قياداته في لبنان، بالإضافة إلى ما صرح به زعماء إسرائيل من نجاحهم في القضاء على نظام الأسد وتوجيه العديد من الضربات القاصمة للحوثيين في اليمن.
غير أنه على الرغم من الاستياء الشعبي الذي عمّ الشارع العربي -بل والكثير من دول العالم- بسبب المجازر التي قامت إسرائيل بارتكابها في غزة، إلا أنه في المقابل لم يكن هناك من يذرف الدمع على انهيار حزب الله وسقوط نظام الطاغية بشار الأسد، فحزب الله الذي دمّر لبنان وخاض طولاً وعرضاً في دماء السوريين كان انهياره مصدراً للتفاؤل للكثير من دول المنطقة وحتى داخل لبنان نفسه، أما نظام الأسد الذي حوّل أرض سورية لمرتع لتجارة وتصدير المخدرات، وعمل كوكيل شرعي يخدم مصالح بعض الدول الإقليمية ويساعدها على تنفيذ مخططاتها في المنطقة، كان سقوطه خيراً للسوريين قبل أي طرف آخر، فكثيراً ما تموت الأفاعي من سموم العقارب.
ولكن السؤال الذي يطرح نفسه.. هل انتهت الحرب إلى هذا الحد؟ بصفة شخصية أشك كثيراً في ذلك، فالتخلص من ذيل الأفعى لا يعني التخلص من سمومها؛ فالسموم تتواجد في رأس الأفعى وليس في ذيلها، وبالتمعن في قراءة التاريخ يتضح لنا أن الكثير من الأعداء يضعون سيوفهم في غمدها عند تعرضهم للهزيمة، ليس لأنهم قد جنحوا للسلم؛ بل هي هدنة واستراحة محارب اضطرته ظروفه الداخلية والاقتصادية والسياسية أن يعيد ترتيب أوراقه، فعندما سقط نظام الأسد رحل حزب الله من سورية ليضمّد جراح من تبقى من جنوده في لبنان، ولكن هل يعني ذلك أنه لن يعود؟ في اعتقادي الشخصي أن حزب الله (ومن يقف خلفه) يرون أن سورية حلقة وصل شأنها شأن العراق، فالخط الذي اخترق العراق بعد سقوط نظام صدام حسين مروراً بسورية للوصول إلى بيروت قد أصبح مبتوراً ولابد من ترميمه أياً كان الثمن، غير أن الترميم وبناء الجسور قد لا ينجح خلال فترة الحرب، لذلك لابد من هدنة لالتقاط الأنفاس.
وبعيداً عن سورية ولبنان وحماس، فوجئ العالم بدخول الحوثيين على خط المواجهة، ولكن بالنسبة لي شخصياً لم أفاجأ كثيراً، فعادةً في مثل هذه الأحداث أبحث عن القاسم المشترك الذي يجمع بين خيوط اللعبة، فما الذي جمع بين الحوثيين وحماس وسورية وحزب الله؟ من المؤكد أن الإجابة لا تخفى على أي محلل مبتدئ، وفي واقع الأمر تثير الجدوى العسكرية لتدخل الحوثيين في خط المواجهة العديد من علامات الاستفهام، فاليمن بلد منهك اقتصادياً ويعاني من انقسامات داخلية وصراعات بين ثلاثة أطراف هم الحكومة الشرعية التي تفرض سيطرتها على بعض المناطق، وتنظيم إرهابي يشبه داعش يسيطر على مدن كالمكلا وغيرها، والحوثيون الذين لا يملكون خارطة طريق لكيفية إدارة الشؤون الداخلية لليمن.
لا شك أن الحرب الظالمة التي تشنها إسرائيل ضد الفلسطينيين لا تخص العرب فحسب بل هي قضية الأمة الإسلامية بأكملها، ويجب ألا تتاجر بها بعض القوى الإقليمية، كما أنه من المؤكد أنه لا يمكن مواجهة جرائم إسرائيل من خلال إطلاق بضعة صواريخ هنا وهناك لا تحقق أية أهداف إستراتيجية ولا وزن لها طبقاً للمعايير العسكرية، غير أنها في المقابل تمنح إسرائيل الذريعة لضرب المنشآت الحيوية في اليمن كالموانئ والمطارات ومحطات التحلية والكهرباء، لتزيد من معاناة اليمنيين يوماً بعد يوم، فالرصاصة الطائشة التي لا تصيب هدفها قد ترتد على صاحبها لتقتله، كما أنها قد تمنح الطرف المقابل الذريعة لفعل ما يريد، ولا أبالغ إن قلت إن بعض الحروب التي اندلعت بين العرب وإسرائيل كانت نتيجة خطوات استفزازية متعمدة قامت بها إسرائيل، وهو ما صرح به وزير الدفاع الإسرائيلي الأسبق موشى ديان في أحد لقاءاته التلفزيونية.
لا شك أن هناك العديد من الدول الإقليمية المجاورة لإسرائيل -بل وتقع على خط المواجهة معها أيضاً- وهي كارهة لها وناقمة على همجيتها الدموية، غير أنها لا ترغب في توسيع نطاق الحرب معها لأنها تعلم جيداً أن عاقبة ذلك ستكون وبالاً عليها وعلى شعبها، ففي حال اختلال ميزان القوى العسكرية يعد تجنب الخسارة مكسباً كبيراً، وتفضل الكثير من الدول العربية اللجوء للحلول الدبلوماسية في الوقت الراهن، لأن نتائجها -حالياً- أفضل من العمل العسكري، كون هذه الدول تنطلق من معادلة واضحة لا تحتمل الشك أو التأويل، وهي أن «الحرب مع إسرائيل = الحرب مع الولايات المتحدة».