جريدة الجرائد

الرئيس جوزف عون... مع أفول الهلال الإيراني!

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

يمثل انتخاب الجنرال جوزف عون رئيسا للجمهورية اللبنانية الترجمة العملية للانقلاب الجيوسياسي الكبير الذي أصاب منطقة الشرق الأوسط مع نجاح الغرب بقيادة الولايات المتحدة والعضوغير المعلن في حلف شمال الأطلسي أي إسرائيل بضرب الهلال الإيراني الذي سبق ان أطلق عليه الملك عبد الله الثاني تسمية الهلال الشيعي. فقد أدت عملية "طوفان الأقصى" التي نفذتها حركة "حماس" في ٧ أكتوبر ٢٠٢٣ إلى إحداث تغيير حاسم في مقاربة أزمات الشرق الأوسط من قبل الغرب وإسرائيل النظام العربي الرسمي. ما عاد من الممكن التعايش مع مشروع إيران التوسعي في المنطقة بعد محاولات جادة للتأقلم معه، دامت أكثر من عقدين على التوالي. تراكمت الاستحالات امام فكرة التعايش مع المشروع الإيراني الذي استهدف اول ما استهدف العالم العربي تحت عنوان القضية الفلسطينية. واليوم بعد تحطيم وكائنة "حزب الله" العسكرية والأمنية، وقلب موازين القوة على الأرض، تتزامنا مع اسقاط نظام الأسد في سوريا، ومحاصرة الفصائل العراقية المرتبطة بالمشروع الإيراني، تحت عنوان نزع سلاح "الحشد الشعبي " في العراق. أضف إلى ذلك ان جماعة الحوثي في اليمن مقبلون على مرحلة صعبة للغاية مع اتخاذ قرار دولي كبير ينفذه على الأرض الاميركيون والبريطانيون والإسرائيليون بتوجيه ضربات قاصمة إلى القوة العسكرية التابعة لجماعة الحوثي بهدف تقويض قدراتهم على تهديد الممرات البحرية المقابلة لشواطئ اليمن التي يسيطرون عليها. والحال ان القوى الثلاث بدأت في استهداف مواقع ستراتيجية كانت تتجنبها في السابق. كل ذلك مع الإعداد المنهجي لقوات الشرعية اليمنية للقيام بهجوم مقبل على معاقل الحوثيين من اجل دفعهم الى تقديم تنازلات ميدانية انما من بعد ان يتم اخراجهم من مدينة الحديدة، ثم العاصمة صنعاء.

لا يمكن إغفال أهمية اسقاط نظام الاسد في سوريا الذي مثل احدى مراحل الذروة في تراجع المشروع التوسعي الإيراني. ومن ينظر إلى خريطة المنطقة وتاريخها يعرف تماما ان اسقاط نظام الأسد شكل ضربة قاصمة للمشروع الإيراني، بسبب التداعيات التي ستنجم عنها إقليميا، وتأثيرها المباشر على لبنان والعراق. والتغيير في سوريا مؤداه ان يحرم الفصيل الإيراني الأهم في المنطقة، ونعني "حزب الله" من أي إمكانية عملية لاعادة بناء قدراته العسكرية التي خلق من اجل ان تلعب وظيفة إقليمية تخدم استراتجية تمدد النفوذ الإيراني في المشرق العربي، ووظيفة داخلية تهدف إلى تسييد المكون الشيعي على بقية المكونات، وذلك في إطار إقامة حماية أهلية واسعة لسلاح الحزب المذكور الذي كان من المفترض ان يسرع في تحويل لبنان إلى محمية إيرانية على الشاطئ الشرقي للبحرالأبيض المتوسط. كل هذا ليكون لبنان جزءا من السياج الإقليمي للنظام في طهران. فقد كانت مشكلة "حزب الله" ونقطة ضعفه الأساسية الوظيفة التي أنيطت به، لاسيما خارج الحدود اللبنانية. فشكل تورطه في مسلسل اغتيالات مروعة طاولت قيادات وطنية في لبنان، ثم الحرب في سوريا، وصولا إلى حربي ٢٠٠٦ و٢٠٢٣ بقرار خارجي، "كعب أخيل " الذي انتهى إلى ان يصبح مقتله كما حصل في في خريف ٢٠٢٤.

في خطاب القسم الذي ادلى به الرئيس جوزف عون كان الافت انه لم يستخدم مرة واحدة كلمة مقاومة. بمعنى انه أشر إلى انتهاء مرحلة سلاح "حزب الله" من على اعلى المنابر وارفعها في الجمهورية اللبنانية. أكثر من ذلك تحدث عن الحياد الإيجابي للبنان. معنى هذا انه أعطى لعهده هوية مختلفة بشكل عام عن العقودالأربعة التي مضت، وبشكل خاص عن العقدين الماضيين اللذين تحكم خلالهما "حزب الله" بالقرار الوطني.

سيكون عهد الرئيس جوزف عون تحت المجهر. تحدياته كبيرة وخطيرة. وسيكون تحت الخطر الكبير، وخصوصا ان المحور الإيراني قد يستهدف التغيير في لبنان من خلال ما تبقى من الماكينة الأمنية والعسكرية ل "حزب الله" العاملة في لبنان. سيقاوم الحزب المذكور مدعوما من طهران المكابرة كل محاولة لإنهاء وظيفته الإقليمية الأمينة والعسكرية. ولا نستبعد حدوث قلاقل على الأرض واهتزازات جراء طي صفحة مرحلة، وفتح صفحة مرحلة جديدة. ان انتخاب الرئيس جوزف عون خطوة جبارة في الاتجاه الصحيح. لكنها لا تكفي، فالمطلوب تغيير مشابه في رئاسة الحكومة و تركيبة الأخيرة. وللتذكير فإن مجلس النواب الحالي انتخب إبان المرحلة السابقة عام ٢٠٢٢، ولن يستقر التغيير في لبنان قبل نزع كل السلاح غير الشرعي في البلاد، واجراء انتخابات ٢٠٢٦ تنهي هيمنة "حزب الله" بشكل حاسم!

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف