ظاهرة تسخين المجتمعات العربية
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
هذه الظاهرة قديمة، ولكنها لا تزال مستمرة. تستخدمها الأنظمة والتنظيمات المتطرفة والميليشيات الطائفية. هدفها تحشيد ورفع درجة غليان المجتمعات العربية لأغراض متعددة وبمساعدة من منصات ووسائل إعلام مؤدلجة، تقوم بعمليات التعبئة والتحريض بشكل مستمر.
أهداف هذه الظاهرة، أي ظاهرة تسخين المجتمعات العربية، متعددة. أول هذه الأهداف هو اكتساب الشرعية. تستخدم هذه الجهات آلية تسخين المجتمع وتتبنى خطاباً حربياً موجهاً للأعداء والمتآمرين في الغرب، خصوصاً من أجل اكتساب شرعية داخلية للحكم. وهذه طريقة يسيرة ولا تحتاج إلا إلى رفع الشعارات والقبضات الغاضبة، وتحدي العالم الخارجي، وإفشال المؤامرات.
الهدف الثاني هو الهروب من الداخل إلى الخارج وحرف الأنظار عن الفشل الاقتصادي والمعيشي والتعليمي، وربط اهتمام الناس بقضايا خارجية مرتبطة بالعاطفة الدينية والقومية. بناء اقتصاد ناجح وتطوير البنية التحتية وتشييد مؤسسات دولة فاعلة ومؤسسة تعليمية حديثة، أعمال ليست بالسهلة وتحتاج إلى كثير من الوقت والجهد والعمل. مروِّجو ظاهرة تسخين المجتمعات العربية يفشلون في كل هذا ويبحثون عن الحل الآخر، وهو البحث عن عدو خارجي وإعلان الحرب عليه ومنع الناس من الحديث عن الحرب الداخلية الأهم على الفساد والفقر والجهل، ومن هنا نفهم جيداً مقولة «لا صوت يعلو فوق صوت المعركة».
الهدف الثالث لظاهرة التسخين هو التحشيد ونشر خطاب الكراهية والسخط والتعبئة داخل المجتمعات العربية. تقوم بهذا بشكل مستمر جماعات الإسلام السياسي السنية والشيعية، وتستخدم في العادة القضية الفلسطينية ذريعةً وأداةً لهذا السبب. والهدف ليس الانتصار للقضية الفلسطينية، ولكن من أجل تقويض شرعية الدول المعتدلة في المنطقة لأنها على عداء معها وتسعى لإسقاطها رغم كل الجهود الكبيرة التي قدمتها هذه الدول للقضية الفلسطينية. وما حدث في غزة مثلاً تحوَّل بوقت سريع من الهجوم على إسرائيل إلى التحريض على الدول الخليجية ومصر والأردن، وكأنها هي التي تقوم بقتل سكان غزة!
يعرف قادة تيارات الإسلام السياسي هذه الحقيقة، ولكنهم يسعون لاستغلال هذا الحدث من أجل تسخين المجتمعات العربية وإضعاف الدول المعتدلة وتساعدهم في ذلك وسائل إعلام مخصصة لهذا الغرض. وهذا ما يحدث الآن في سوريا؛ حيث تهدف جهات لتسخين المجتمع السوري من أجل دفع الحكومة في دمشق إلى مواجهة غير متكافئة مع إسرائيل وإفشال عملها في بناء بلد متعافٍ اقتصادياً وسياسياً وتركه بلداً مدمراً بفعل الحروب والصراعات المجانية. ومن الغريب أن بعض الحكومات تساعد من دون وعي في ظاهرة التسخين ضدها، وتقدم للجماعات المعادية لها المساعدات لتأجيج شعوبها ضدها.
كثير من قادة ظاهرة تسخين المجتمعات العربية انتهوا نهايات مأساوية. قام عبد الناصر بتسخين المجتمعات العربية كلها وانتهى إلى هزيمة 67 ومات بعدها بـ3 سنوات. صدام حسين سخّن العرب وانتهى في حفرة. بشار الأسد استخدم كل مصطلحات التسخين وهرب بالأموال إلى موسكو. حسن نصر الله سخّن جمهوره ولم يُدفَن إلا بعد 5 أشهر من مقتله. أسامة بن لادن أُلقيت جثته في البحر ودمر تنظيمه بعد جولات طويلة من التسخين والتحريض. الأمثلة كثيرة، ولكنهم تركوا خلفهم آثاراً سيئة، بلداناً مدمرة واقتصادات منهارة وشعوباً تائهة وأفواهاً جائعة وسيلاً من دماء الأبرياء.
السؤال الآن: لماذا تعود ظاهرة التسخين رغم إخفاقها مرة بعد أخرى؟ لماذا ينجح هؤلاء في استخدامها رغم فشلها سياسياً واقتصادياً؟ الجواب لأن التيارات الإسلاموية والقومية المتطرفة سيطرت على وعي الشعوب العربية لفترة طويلة وشحنتهم بثقافة لديها قابلة للاستجابة لمثل هذه الأفكار العاطفية. تم استغلال كل القضايا النبيلة لأهداف غير نبيلة. قضايا تتعلق بالدين والوطنية والأرض، كلها تحولت إلى أدوات لتعبئة المجتمعات وجعلها تعمل ضد نفسها وضد مستقبلها.
الحل هو في استخدام أسلوب آخر، وهو ظاهرة تبريد المجتمعات العربية، وذلك بالتركيز على قضايا ضرورية تساعدهم في حياتهم: الاقتصاد، والتعليم، والصحة، ورفع مستوى الدخل. وهذا ما نراه في دول الخليج التي ركَّزت على التحدي الأهم وهو بناء دول ثرية ومنافسة في عالم يتغير باستمرار، وأصبح مَن يعيشون فيها من كل الجنسيات والأعراق والأديان يشعرون بأنهم في المكان الصحيح لتحقيق طموحاتهم. وكل هذا يبدأ مع نشر الوعي العقلاني الواقعي الذي سيخفف الاحتقان، وسيضعف ظاهرة التسخين شيئاً فشيئاً.
التعليقات
التسخين:السبب والهدف!
كاميران محمود -ابدأبعرض سؤالك وجوابك: لماذا تعود ظاهرة التسخين رغم إخفاقها مرة بعد أخرى؟ الجواب لأن التيارات الإسلاموية والقومية المتطرفة سيطرت على وعي الشعوب العربية لفترة طويلة وشحنتهم ب(ثقافة لديها قابلة للاستجابة لمثل هذه الأفكار العاطفية).السبب في رأيي(غيرالمتواضع دائما)يمكن استخلاصه من جوابك لكن بإعادة ترتيب وتموضع العبارات ودلالاتها،فتحيلنا الاعادة الجبارة الى أن وعي الأغلبية كانت مهيئة اصلالتقبل ولتبني طروحات الاسلاميين الحركيين منهم والملتزمين بثوابت الظلام اي محاربة اللاديني عن طريق التكفير والتحريم كمنهج(المؤسسات) اضافة للقوميين المتطرفين المتحدثين عن نقاء الدم والعرق(جناحي اليمين المتطرف الشرقي وأصل الاستبداد)،مهيئة أصلا لان الاسلام(صحيحه)غير المتقبل للانتقاد(القاتل للمنتقد) أصبح ولقرون طويلة، اساسا للبنية الذهنية ذات البعد الواحد وغيرالمتقبلة للأنتقاد .ولن أتكلم عن دول الجزيرة لأني وبصراحة لا أملك تفاصيلها عن مدى تقبلها لانتقادتعاليم كتب الخرافة وأساطير الاولين مجتمعا وقوانينا . وطلب شخصي موجه لك يا أستاذ ممدوح وارجو منك ان تطلب من فنيي(الحدث)بترحيل عناوين العواجل الى الشريط العلوي أو السفلي لان عنوان العاجل يغطي عنوان ما يتم تناوله لأني و أثناء العزف(الرحيل أنقذالشيخ أمام والسنباطي من منافستي) اكتم صوت القناة مما يصعب التعرف على موضوع الحدث.
ولكن لماذا؟
من الشرق الأوسط -" لأن التيارات الإسلاموية والقومية المتطرفة سيطرت على وعي الشعوب العربية لفترة طويلة وشحنتهم بثقافة لديها قابلة للاستجابة لمثل هذه الأفكار العاطفية" ....طيب، صحيح، ولكن لماذا؟! لماذالا تستطيع تيارات مماثلة ان تسيطر على الشعوب الاوروبية بل ستصبح مثار السخرية عندها؟على الكاتب الحقيقي ان لا يتوقف عند منتصف الطريق بل ان يصل الى الأسس: الشعوب المسلمة هي شعوب نصية وليست شعوبا منطقية، لا يستخدم معظم الأفراد فيها عقولهم الا جزءا صغيرا جدا منها، لأنها تعلمت ومنذ قرون ان تركن عقلها وتحفظ النصوص وتعتمد عليها في معرفة الخطأ والصواب وكل شيء آخر.
أضحك مع الحاجة زارا يا أستاذ ممدوح
كاميران محمود -يبدوأن الحاجة زارا في تجليها ال(من الشرق الاوسط)ي عحزت عن قراءة المقال بأكمله ولم تلاحظ ما اقترحته كحل بغض النظر عن الاتفاق حوله, ولجهلها بالتأريخ(بين أمور أخرى)لاتعلم ان الحروب الدينية في اوروباقضت على الملايين من شعوبها ولاتعلم ان الحل كان في مكان اخر ولاعلاقة له بقنبلتها(النصية).والانكى من ذلك ان التطرف القومي يسود الغرب حاليا مع اختلافه عن التطرف القومي الشرقي في ان الصنف الغربي يتخذ من الفجوة االحضارية بينه وبين الشرق المسلم كأساس بدلا من التغني بالتأريخ.أما اقتراحك بنشر الوعي العقلاني لتصحيح الاوضاع فهو ما نحتاجه لكن الشرط الاهم فيه هووبكل وضوح أن يتم الاعلان عن أن الوطن فيه الديني واللاديني وبدون سطوة اوسلطة من طرف على الاخر مع التأكيد على حرية الانتقاد وبحرية الرد الفكري عليه او بكلام اخر ان يتم تجريم التكفير كي لاتكون الحلول مؤقتة.