جريدة الجرائد

في مسألة صراع الحضارات

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
طلال صالح بنان

اتفاق وقف إطلاق النار بين الإسرائيليين والفلسطينيين، الذي يدخل مرحلته الثانية، هذا إذا التزم الطرفان، بالذات الإسرائيليين بالاتفاق، يعكس الخلفية الثقافية والحضارية لكلا الطرفين، ولا يَحْصر الصراع فقط في شكله العنيف.. ولا في سلوك الطرفين، في إدارة الجانب العنيف في الصراع، في جولته الأخيرة، التي استمرت لأكثر من خمسة عشر شهراً، منذ اندلاع الحرب بينهما في السابع من أكتوبر ٢٠٢٣.

الحرب، بغض النظر عن جانبها العنيف الذي يغلب على سلوك أطرافها عند التحامهم بالسلاح في ساحة الوغى، لا ينفي حقيقة أن الحرب، هي في النهاية، سلوك إنساني وحضاري تنظمه أعراف وقوانين دولية وإنسانية وتحد من أضرار ونتائج العنف، الذي ينتج عن حركة الحرب، إلى أدنى مستوىً ممكن، هذا إذا ما تعذر تفادي الحرب نفسها، من البداية.

لهذا: كثيراً ما تعكس حركة الحرب العنيفة، جانباً من ثقافة وخلفية أطرافها المباشرة. النصر في النهاية، لا يتجلى في هزيمة أحد أطرافها عسكرياً، بل الأهم: تأكيد تفوقه الحضاري والثقافي، في إدارة الحرب. التاريخ يسجل ليس فقط أسباب الحروب ونتائجها، بل يذكر أيضاً: الجدل حول شرعيتها، بالإضافة إلى تبيان تميّز أحد أطرافها على الآخر، ومدى مراعاته لقوانينها وأعرافها وقيم خوض غمارها. الحرب، إذن: ليست سلوكاً حيوانياً لا إنسانياً، كما تتناطح الكباش من أجل الفوز بالنعاج، لكنها سلوك إنساني، أولاً وأخيراً، يعكس قيم ثقافة ومدى التقدم الحضاري، الذي يتميز به أطرافها.

في حربِ غَزّة الأخيرة بين الإسرائيليين والفلسطينيين، التي تابعها العالم كله على الهواء مباشرةً أظهرت بوضوح، مدى التميز الثقافي لحضارة العرب المسلمين، مقارنةً، بما يُدعى من حضارة الغرب المزعومة. بدايةً، تفوق الفلسطينيون في هذه الحرب، في التزامهم المخلص بأي اتفاق يُتَوصل إليه عن طريق المفاوضات، بما يحويه من حقوق وواجبات تجاه طرفي الصراع، بعضهم البعض. هنا: الإسرائيليون لم يبدوا أي شكل من أشكال حسن النية في تنفيذ بنود اتفاق وقف إطلاق النار، بل أظهروا رعونةً وصلفاً، بعنصر القوة. لولا أن الفلسطينيين حسبوا حساب هذه الخصلة السيئة في سلوك الإسرائيليين، باحتفاظهم بأوراق عملية ومؤثرة، لإجبار الإسرائيليين على الالتزام بالاتفاق، لفشل مشروع اتفاق وقف النار منذ اللحظة الأولى لتطبيقه، ومن ثَمّ مواصلة الحرب، من جديد.

في ما يخص بنود تبادل الأسرى، يظهر التفوق الحضاري، لثقافة العرب والمسلمين، على ثقافة الغرب المزعومة، ويظهر زيف الأخيرة ونفاقها، بما لم يظهر عياناً، من قبل. بدايةً: في ما يخص معاملة الأسرى. لقد ظهر الأسرى الإسرائيليون، عند مراسم تسليمهم للصليب الأحمر، في أبهى صورة.. ظهر الأسرى الإسرائيليون عند المقاومة الفلسطينية، وهم في صحة جيدة، لا تظهر عليهم آثار تعذيب، جسدي أو نفسي، أو إهانة، تطال كرامتهم الإنسانية. حتى أن السيدات من الأسرى الإسرائيليين ظهرن في أبهى صورة، وكأنهن أتين من إجازة.. أو من صوالين تزيين النساء، ولسن قد خرجن للتو من الأسر.

وضع أثر في نفسية الأسرى الإسرائيليين، عكس احترامهم لآسريهم بإشادتهم بأخلاقهم الرفيعة وحسن عشرتهم. لقد اعترف الأسرى الإسرائيليون بهذا التفوق الحضاري لآسريهم، بما لم يكونوا يتوقعونه أو يخطر لهم ببال. حتى أن إحدى الأسيرات، عند عودتها لبيتها هي وزوجها، صرّحت بأن آسريهما (الفلسطينيين) عالجوا زوجها من مرضٍ عضال كان يعاني منه، فشل الأطباء في إسرائيل في علاجه! كما لا يفوتنا هنا: التنويه، بما كان يكنه الأسرى الإسرائيليون لآسريهم لحظة وداعهم من شكرٍ وامتنان.

لنقارن، هذا التصرف الحضاري من قبل المقاومة الفلسطينية في مواجهة كيف عاملت السلطات الإسرائيلية الأسرى والمساجين الفلسطينيين، قبل الإفراج عنهم وحين الإفراج عنهم وعند وصولهم إلى منازل ذويهم. تصرف لم يخل من رعونة عنصرية وتنكيل متعمد، و«وجبة» تعذيب مكثف، قبل الإفراج عنهم. دعك من منع ذوي الأسرى الفلسطينيين من التعبير عن فرحتهم بإطلاق سراح أبنائهم وآبائهم وبناتهم وأمهاتهم من السجون الإسرائيلية، حيث ظهر الكثيرون منهم وهم في حالة إعياء ومرض ومهانة وسوء معاملة طالت آدميتهم وكرامتهم.

صور تظهر فيها الفروق الحضارية والثقافية عند العرب والمسلمين وتلك التي تعكس قيم العنصرية والعداء للإنسانية والسلام عند الصهاينة، التي مهما حاولت «بروباغاندا» وسائل الإعلام الغربية تجاهلها، بل وحتى إنكارها، تماماً كما حدث من تلفيق وكذب وافتراء في أحداث يوم السابع من أكتوبر ٢٠٢٣، عندما زُعم أن رجال المقاومة ارتكبوا يومها جرائم حرب من قبيل قطع رؤوس الأطفال الرضع واغتصاب للنساء، وما إلى ذلك من افتراءات وأكاذيب، رددها في البداية، البيت الأبيض، وما لبث أن تنصل منها بعد ذلك.

نماذج من سلوكيات في إدارة الحرب أظهرت كم هي الثقافة والحضارة العربية الإسلامية إنسانية وأخلاقية واحترافية، مقارنة بتلك التي صدرت من الصهاينة.. فوارق ثقافية وحضارية، تعكس مدى تفوق الحضارة العربية والإسلامية على ثقافة وحضارة الغرب العنصرية المنافقة المعادية للإنسانية وللحرية وللسلام.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف