قمة بغداد.. الدُّنيا بدأت تتبدل
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
عُقدت ببغداد القمة العربيَّة (34)، وكانت أول القمم قمة &"الإسكندريَّة&" (1946)، والعراق كان حاضراً، وأولها ببغداد (1978) على أثر زيارة الرَّئيس أنور السَّادات وخطابه في الكنيست الإسرائيليّ، ومنها صار التّفاوض إلى الوحدة بين دِمشق وبغداد، بعد قطيعة استخدم ماء الفرات سلاحاً فيها، وسرعان ما انتهى كلّ شيء، بإعلان ما سمّي بالمؤامرة في حفلة قاعدة الخلد الشّهيرة (1979).
بعدها استضافت بغداد القمة العربيّة (مايو 1990)، وقبل انعقادها بأيام أُعلنت الوحدة الاندماجيَّة بين عدن وصنعاء، فحضر الرئيس الشّمالي ونائبه الجنوبيّ. فمما شاهدناه على الشّاشات، أن قام معمر القذافي، وخاطب الحضور أن يقتفوا أثر هذين الشّابين-العبارة له- لتعلن الوحدة العربيّة. لكنها شهور ويدب الخلاف، وانتهى الاندماج بحرب (1994).
غير أنّه لو تقدم غزو العراق للكويت، إعلان الوحدة اليمنية (20/5/1990)، فما كان اندماجاً كاملاً ولا جزئياً، أي ما أعلنت الوحدة مِن الأساس، فقد وقع الغزو (2 أغسطس 1990)، وظلّ العِراق يعيش الحصار والحملة الإيمانيَّة، فسُحقت الثّقافة سحقاً، ليخرج هذا البلد العريق مِن مقياس العراقة، ولم يبقَ من تاريخه ما يمت بصلة لرقي وتقدم، ثم يحرق ما تبقى منه الإرهاب وسلاح الفصائل، ومكاتب الأحزاب المالية.
استضاف العراق بعد (2003) قمتين عربيتين (2012)، والتي نحن بصددها (2025)، لم تحضر الأولى سوريا، بسبب المقاطعة، والعقوبات التي فُرضت عليه، بعد حوادث (2011)، وكان خطاب العِراق آنذاك العمل على إعادتها، بعد أن هدد، قبل ذلك، بتقديم شكوى ضدها لتسريب الإرهاب إلى بغداد، ثم سرعان ما صار رئيس وزراء العراق آنذاك حريصاً على الدفاع عن النّظام السوريّ.
اختلف الأمر، صار رئيس الوزراء الأسبق (2012) ضد عودة سوريا، وقال عن دعوة الرّئيس السوري، قبل أيام من عقد القمة: &"أرفض زيارة الشرع جملة وتفصيلاً&" (وكالات الأنباء)، والفصائل المسلحة أخذت تُهدد، وليس بالضَّرورة يكون الصراخ سبباً لعدم الحضور، فالعديد مِن الرؤوساء أنابوا عنهم.
لكنَّ المفاجأة، أنَّ هذه القمة جاءت بجديد، فخلاف العادة، في المؤتمرات السابقة، يحشي المسؤولون العراقيون خطاباتهم عبارات الثناء على &"الحشد الشّعبي&" و&"المرجعية الدّينية&"، والتضامن في الكبيرة والصغيرة مع الجار الجنب. جاءت كلمة رئيس الوزراء، هذه المرة، المصلحة العراقيّة الصِرفة، معلناً موقف العراق إلى جانب سوريا، والمحافظة على استقرارها ودعمها، ولم تمنعه الزوبعة ضد الرئيس اللبنانيّ، فأعلن عن مساهمة العِراق بعشرين مليون دولار لإعادة إعمار لبنان، ومثلها لغزة المنكوبة.
كان المثير أكثر، لو عُقدت هذه القمة ببغداد، قبل سنتين أو أقل، لكان التصرف مع اليمن بأحد أمرين: إما دعوة الجماعة &"الحوثيّة&" ممثلةً لليمن، أو لا يُدعى اليمن مِن الأساس، ولكن بخطوة صحيحة تمت دعوة المجلس الرئاسي اليمني، وحضور رئيسه رشاد العُليميّ، الذي ألقى خطاباً جرّم فيه الميليشيا &"الحوثية&" بالاسم، وطالب بإلغاء الميليشيات كافة، وسط ارتياح عام، وبالتأكيد، لم يُصر إلى ذلك، إلا بعد حوادث (2024) قاصمة الظهر للجماعات المسلحة، وبها لم تعُد بغداد حريصةً على خطاب ديماغوجي، بدّد ثروات ودِماء، فما قدمه رئيس وزراء العراق كان خطاب دولة، وليس خطاب وكيل إطار أو حشد، ، لهذا أعطى العِراق، ومن القمة العربيّة، ومِن بغداد، أنه لم يعدّْْ يستسيغ هتاف: &"أتيناك يا صنعاء، أتيناك يا بيروت، أتياناك يا دِمشق...&"، شعار كلّف العراق الكوارث الثِّقال.
أقول: كان وصول قائد &"فيلق القدس&" إلى العراق، قُبيل انعقاد القمة، ليس على العادة مرتدياً ثياباً مدنيّة، متخلياً عن بذلته العسكريّة، برسالة وبشارة بأنَّ الدُّنيا بدأت تتبدل. قد لا يرضى الكثيرون عني، ولستُ مع أحد، إذا قُلتُ سمعتُ في خطاب رئيس الوزراء البيت الفواح بالوطنيَّة: &"أنا العِراقُ لساني قلبهُ ودمي/ فراتُهُ وكياني منهُ أشطارُ&" (الجواهريّ، ذِكرى المالكيّ 1957)، كونوا لوطنكم ولو بالكلمة، فتكاد هذه البلاد الحبلى بالمعالي، تضيع بسلاح وقرارٍ منتميْن لغيرها.
*كاتب عراقي
التعليقات
يا أستاذ رشيد
كاميران محمود -نقطتان مثيرتان(لاهتمامي)في المقال تتعلقان بكارثة الحملة الإيمانية ، أولاهما، واتمنى ان تكتب عنها عندما تتسنى الفرصة وتتعلق بماسمعته من توقعات حول كون سبب إطلاق صدام حملته الايمانية متمثلا في عدم تحمله لوجود منافس جماهيري له كنجم أوحد بعدبزوغ نجم أسامة بن لادن ما أدى به إلى اعادة تدوير عقيدته بتكحيلة أسلامية، حيث العقيدة عنده كانت منه وبه واليه. والنقطة الثانية في كارثة الحملات الإيمانية،باختلاف اسمائها،وهي المرعبة حقا، لان(سحق الثقافة)لاغير،كماتذكر اصبحت نتيجتهاالحتمية،والعراقة،بمعنى ضخامة الارث الحضاري جنبا إلى جنب مع الارث المصري،اختفت لان الحضارة الإنسانية بكل أوجهها ترعبهم كونها تقيدوحشيتهم حيث أن الحملات الايمانية(الإسلامية هنا)تعني فقط تكفير من ينتقدها ما يجعل من إرهاب المثقف والمبدع نتيجة حتمية للقائمين عليها حيث الغرابة عندهم تتمثل في وجود هؤلاء وبمعنى آخر أصبح رهاب الثقافة عقيدةاصحابهاالحاليين فنراهم يصرحون بأعلى أصواتهم أن محاربة اللاديني(الوطني المسالم) هي لب حملتهم بمعنى كون أفكار الارهابيين افكارهم والواجب هو إقناعهم بالتخلي عن العنف لتحقيق أهدافهم.