جريدة الجرائد

قرارات بشار الغريبة

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

تمر سنة على نهاية نظام الأسد. التغيير هائل وتداعياته لم تنتهِ بعد. وبمرور الذكرى الأولى لا تزال هناك أسئلة حائرة أبرزها: لماذا تحول بشار الأسد ونظامه إلى تابع لإيران منذ السنوات الأولى لحكمه؟

في تصوري لو لم يرتكب تلك السياسة الخطرة ربما لما آلت نهايته منفياً في موسكو. قناعتي أكثر عند مراجعة إدارته للحكم لأكثر من عقدين وليس فقط مع اندلاع الاحتجاجات في عام 2011.

قبل الثورة عليه بأكثر من ثماني سنوات نشط نظام الأسد في العمل مع إيران إقليمياً على مستويات سياسية وعسكرية. حوّل سوريا بالتنسيق مع طهران إلى مركز عمليات سرية ضد الأميركيين بعد احتلالهم العراق في وقت كانت إيران تمارس بدهاء لعبة مزدوجة تستخدم بشار كأرض للمقاومة، وتتعاون مع الأميركيين في تصفية ما تبقى من نظام صدام حسين.

في مقابلة لي مع الأسد آنذاك قبل بدء العمليات، توعد بأنه سيحول «العراق إلى فيتنام أخرى». كان لديه وهم أن الأميركيين ينوون تغيير نظامه بعد إسقاط صدام، في حين، الحقيقة لم تبدِ واشنطن اهتماماً بدمشق ولم تستهدفه، وكانت تعدّ سوريا مجالاً أمنياً لإسرائيل.

سوريا بين 2004 و2009 أصبحت معسكراً وممراً للجماعات المسلحة، عراقيةً وعربيةً و«جهاديةً»، الآلاف منهم. وكان يجري تهريبهم من سوريا إلى داخل العراق من خلال محافظات مضطربة أمنياً مثل الأنبار وصلاح الدين. نجحت تلك العمليات في تعزيز المركز التفاوضي الإيراني مع واشنطن، واستمرت إلى سنوات لاحقة.

وعلى جبهة ثانية، سخّر الأسد نظامه كذلك لخدمة سياسة إيران في لبنان بتصفية عدد كبير من القوى المعارضة وتمكين وكيل إيران، «حزب الله»، من السيطرة الكاملة. إيران عملت على بناء لبنان بوصفه أكبر جبهة مدججة بالسلاح في الصراع الإقليمي مع إسرائيل.

ومع اندلاع الاحتجاجات في درعا ثم بقية سوريا كان من المتوقع أن تهب الدول المتضررة من النظام السوري لدعم الحراك الجديد جزئياً. وقد نجحت الثورة وأوشك النظام على السقوط لولا مسارعة إيران لإنقاذه بعشرات الآلاف من المسلحين الذين جلبتهم من لبنان والعراق وأفغانستان وباكستان.

بشار بعد نجاته صار أكثر اقتناعاً بالعلاقة الاستراتيجية مع طهران، معتقداً أن مصير النظام أكثر أماناً في الحضن الإيراني. الحقيقة كانت علاقته منذ البداية مع طهران سامةً، وعبئاً وخطراً عليه.

تُبيّن سياسته أنه كان عاجزاً عن فهم توازنات المنطقة واللعبة الخطرة التي انخرط فيها. لم يكن قبل الثورة مضطراً للتحالف مع طهران. فقد شرعت أوروبا أبوابها له بعد توليه السلطة خلفاً لأبيه، كما سارعت دول محور الاعتدال للترحيب به. وكذلك العديد من القوى السورية المعارضة لنظام والده تفاءل بوصوله.

وليس صحيحاً أن بشار انتقل فوراً من عيادة الأسنان إلى كرسي الحكم كما يشاع، بل كانت هناك بضع سنوات في آخر أيام حافظ الأسد شارك فيها في الظل في نشاطات رئاسية وحضر اجتماعات مهمة وكان على دراية بملفات الحكم. قراراته اللاحقة كشفت عن أن بشار لم يكن يشبه والده الذي حافظ على علاقة جيدة مع نظام طهران والرياض وموسكو والغرب ضمن توازنات محسوبة ضد نظام البعث وتركيا. حافظ استفاد من إسرائيل التي كانت مهمة في معادلة تأمين سلامة النظام الأقلوي. أيضاً الأب رحب بالتعاون مع الأميركيين في الحرب ضد صدام عام 1990. بشار فعل العكس تماماً.

أيضاً، يجب أن يقال إن العمر الافتراضي لنظام سوريا الأسد، الذي هو من مواليد الحرب الباردة، كان تقريباً قد استنفد قبل وصول بشار للحكم. إنما صعوده ترك نافذة صغيرة مفتوحة، وكان الأمر يتطلب منه التموضع انسجاماً مع نهاية الحرب الباردة والعلاقات الإقليمية في ظل وجود قطب دولي واحد مهيمن. إنما كان يتخذ القرار الخاطئ في معالجة كل مناسبة إلى آخر يوم له في الحكم. المعلومات الأخيرة تؤكد أن موسكو «تخلت» عن بشار قبل نحو عشرة أيام من انهيار النظام، عندما نجحت قوات أحمد الشرع في حملة عسكرية خاطفة على ريف حلب ومنها بدأت المسير إلى دمشق. أدركت روسيا أن انهيار النظام حتمي.

سقوط بشار كان مدوياً في المنطقة والعالم. انهار أمام أعين إيران وحلفائها الذين عجزوا عن فعل أي شيء هذه المرة. بخروجه خرج الإيرانيون وانهار مشروع الإمبراطورية من تلك المنطقة المهمة استراتيجياً. وتحررت سوريا من نظام مجرم، ولا تزال للتداعيات الإقليمية بقية.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف