الفلسطينيون... مأزق السلاح والسياسة
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
لجأ الفلسطينيون إلى السلاح في وقتٍ كانت فيه قضيتهم عُرضةً للتبدد والاندثار، وفي عهد رمز الثورة والسلاح والسياسة ياسر عرفات، وبعد رحلةٍ طويلةٍ غزيرة الدم، لجأ الفلسطينيون إلى المفاوضات، حين لاحت فرصةٌ جدية، تبناها العالم بكل أقطابه، للوصول إلى هدفهم في الحرية والاستقلال، وكان التخلي عن السلاح شرطاً لإنجاح المفاوضات.
فشلت المحاولة وعاد الفلسطينيون إلى السلاح من جديد... وحدث ما حدث.
والآن؛ وقد تحوّل السلاح إلى سببٍ أو ذريعةٍ لقتل الفلسطينيين، وتراجعت الأهداف المُجمع عليها وطنياً إلى ما دون الحد الأدنى؛ مما اضطر حمَلة السلاح إلى التفاوض على مصيره ومصيرهم... وجد الفلسطينيون أنفسهم أمام حتمية مراجعةِ مرحلةٍ طويلةٍ ودمويةٍ من حياتهم السياسية المعاصرة.
الانقسام على الأهداف كان بين من يطالب بفلسطين بوصفها أرض وقفٍ إسلامي وتتوجب استعادتها كاملةً مهما طال الزمن وبلغت الخسائر، وبين من يطالب بما هو أقل من ذلك بكثير؛ أي قيام دولةٍ فلسطينيةٍ منزوعة السلاح، وذلك يعني الموافقة على أن تكون منقوصة السيادة.
القوى المتصارعة داخل الحالة الفلسطينية وصلت إلى أن تتشارك في مأزق يكاد يكون وجودياً بالنسبة إليها، فأهل السلاح لا يملكون ما يكفي للتقدم نحو الأهداف، بل ولا حتى حماية الذات من التصفيات المادية والسياسية... وأهل السياسة والشرعية المعترف بها خيارهم في التفاوض، الذي ذهبوا إليه بعد إلقاء السلاح، مرفوضٌ من الطرف الآخر الذي لا يُخفي أجنداته، وأهمها لاءاته الكثيرة، وهذه عينةٌ منها: لا لدولةٍ فلسطينية، ولا لتفكيك الاستيطان، ولا لعودة اللاجئين، ولو لبعضٍ منهم، إلى المدن والقرى التي أُخرجوا منها جرّاء حرب 1948، وفي أفضل الأحوال يمكن أن يُسمح بعودة البعض منهم إلى مناطق السلطة أو ما يتبقى منها تحت الإدارة الذاتية.
أهل السياسة والشرعية المعترف بها، وأهل القتال وشرعية الأمر الواقع، يتّحدان الآن في العجز عن حكم ما بين أيديهم، بفعل تناقص مواردهم إلى حد الصفر، كما يعجزان عن إثبات حضورٍ سياسيٍ فعّال في كل شأن يتصل بمستقبلهم وبمستقبل شعبهم وقضيتهم... فما المخرج إذن؟
حين تفشل قيادة أو قيادات في تجربةٍ أدّت إلى كل هذه الخسارات، من دون تحقيق برامجها التي وفّرت لها شرعية القيادة، وحين يكون التشبث بالبقاء في موقع الحكم والتحكم موجوداً رغم كل ذلك، فلا مخرج لها ولشعبها ولقضيتها سوى إخلاء موقعها، وإحالة الأمر كله إلى صاحب الأمر، وهو الشعب؛ الذي من المفترض أن يكون هو مصدر السلطات وشرعيتها. ولكيلا يكون ما أقول مجرد مخرج نظريٍ أو رغائبي، فآلية ذلك هي الانتخابات العامة التشريعية والرئاسية... وبالمناسبة، فهذا المخرج - رغم خوف القيادات التقليدية المتشبثة منه ووضعها العصيّ في دواليبه - يظل الأعلى واقعيةً وإمكانية.
الشعب الفلسطيني كله يريدها، والإقليم والعالم يريد قيادةً موثوقةً ومنتخبةً من قِبل شعبها، كي يعمل معها على ما تبقى من الطريق نحو الهدف، ولو لم تكن كذلك لما وعد الرئيس محمود عباس العالم بإجرائها في غضون سنة تحت إشرافٍ دولي مباشر لضمان نزاهتها وحسن أدائها.
أمّا إسرائيل، التي تمسك بالقدس رهينةً لإبقاء الحالة الفلسطينية ممزقةً ومشتتة، وسط صراعٍ داخليٍ لا نتيجة له سوى النزف المادي والمعنوي الذي يجعل اليد العليا في كل شأنٍ فلسطيني لإسرائيل، فلن تستطيع فرض أجندتها التخريبية إذا ما وجدت قراراً فلسطينياً جدياً وحاسماً في هذا الاتجاه، وإذا كانت لا تزال - رغم الضغط الدولي - مصممةً على عدم السماح بإجراء الانتخابات في القدس الشرقية، فلتكن معركةَ مواجهةٍ بين بندقية الاحتلال وصندوق الاقتراع الفلسطيني المدعوم من العالم كله. والفلسطينيون في هذه الحالة سيكسبون.
ومن دون قرارٍ حاسمٍ في هذا الاتجاه، فلن تغادر الطبقة السياسية الفلسطينية دائرة المراوحة في المكان، مع نزفٍ متواصلٍ للقدرات على كل المستويات.
أهل السلاح في مأزق، وأهل السياسة كذلك، ودافعُ الثمن دائماً هو الشعب الواقع تحت حكمهما.