الدَّرس
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
روى الأستاذ فاروق جويدة في زاويته في «الأهرام» اليومي المشرقة أن شاباً اعتدى على رئيس الوزراء مصطفى النحاس باشا في القطار. اندفع الحرس يعتقلون المعتدي.
لكن الباشا أصرَّ على الذهاب مع الشاب إلى المخفر لتسجيل شكوى وفق الأصول القانونية. يخلص الراوي إلى القول إن الملايين خرجوا في جنازة الباشا الذين أحبهم وأحبوه.
تكثر عودة الكتّاب إلى الزمن الماضي من أجل الشكوى من الزمن النقيض. صدف ظهور المقال مع الذكرى الأولى لسقوط بشار الأسد. واحد يخرج في وداعه الملايين من مواطنيه، وواحد يخشى وداعهم، يغادر تحت جنح الليل، ومعه طائرات تحمل الكثير من المال والقليل من رجال السلطة.
كما يحدث بعد سقوط كل حكم، يبدأ نشر الأسرار والفظائع. ثم تسأم الناس منها ومن ضحالتها وتعود إلى لزوميات الحياة وضروراتها. لكن التاريخ لا يكفّ عن متابعة الجميع وتراه يتوقف طوعاً وانحناءً أمام باشا مثل النحاس باشا وزعيم مثل سعد زغلول. وعندما أرسل سعد إلى المنفى صار المنفى مرتبة وطنية.
كيف نصنف مكان إقامة بشار الأسد الآن: هل هو منفى أم مهرب أم ملاذ؟ في تسجيلات «العربية» يتحدث الأسد ولونا الشبل ضاحكين عن بوتوكس التجميل الذي يستخدمه فلاديمير بوتين. على المرء أن يكون أكثر حذراً في البلدان التي تسجل محادثات الجميع بما فيها محادثات السيد الرئيس. الدهر غدار كما تقول العامة، لكثرة ما خبرت تقلباته. وأكثر من خبر هذه الحكمة السوريون منذ أن خطر للعقيد حسني الزعيم عام 1949 أن يغير وجه سوريا من عمائر مدنية إلى متبعة عسكرية. ومنذ ذلك اليوم صارت الانقلابات والاغتيالات والمنافي عنوان الحياة الوطنية.
وأغوى السلوك القمعي عسكر الجوار والبلدان الأخرى. وصار لزاماً أن يكون الرئيس عسكرياً، وأن يعلق على صدره ما يتسع له من نياشين، وعلى كتفيه ما شاء من نجوم. وكل ذلك من دون أن يخوض معركة واحدة حتى في تدريبات المدرسة الحربية.
اقتضت تقاليد النظام في سوريا أن يرتقي نجل الرئيس الغارب إلى رئيس وفريق خلال أسابيع. وأول ما فعله إزاحة رفاق أبيه. هو الآن أعلى من الإرث الذي آل إليه وحده. الرئيس حافظ الأسد تأنَّى كثيراً في صناعة الحكم. أخذ كل شيء بالصبر، بما في ذلك أحلام شقيقه المتسارعة والمتفاقمة. لكن الصبر مدرسة صعبة. الرئيس الابن اعتقد أنه أكبر من الدرس.