جريدة الجرائد

مُهربو النّمل!

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

علي الخزيم

لفت انتباهي عنوان صحفي يفيد بأن الشرطة ببلد إفريقي ألقت القبض على شباب أوروبيين بتهمة محاولة تهريب (5400) نَملة واعتبار العمل جريمة بحق الحياة البَريّة بذاك البلد الأسمر، وزعم المتهمون أنهم كانوا يجمعون النمل لمجرد التسلية وجهلًا بالتبعات القانونية؛ وأوضحت الجهات المعنية أن نقل مثل هذه الحشرات لبلاد أخرى والاتجار بها يُدِر أموالًا مُجزية، وشَرَحت الأسباب بأنها تتعلق بما لهذا النمل من إثراء للتربة وتعزيز الإنبات؛ وكونها غذاء لكائنات أخرى كالطيور؛ ولهذا فالقانون عندهم يُنظم عمليات نقل وتجارة بعض الحشرات والكائنات المفيدة للبيئة.

بالبداية تقرأ مثل ذاك العنوان فتحسب أن مقاصده فكاهية للتسلية، وعند التأمل واستذكار آيات قرآنية كريمة تتعجب من خلق الله سبحان؛ كقوله ـ جَل شأنه ـ بالآية 38 الأنعام: {وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثَالُكُم مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ}؛ ومن أقوال المفسرين إن الله أخبر في كتابه العزيز أنه أقام في هذه الأرض مخلوقات تشارك الإنسان بكثير من الصفات؛ وأن المُمَاثلة بقوله (أَمْثَالُكُم) بالتّشابه بفصول الحقائق والخصائص التي تُميّز كل نوع عن غيره، وهي النّظم الفطرية التي فَطَر الله عليها أنواع المخلوقات وقَدَّر نشأتها وحياتها وأرزاقها؛ وأن لها نظمًا لا تستطيع تبديلها.

وإن كانت الدواب والطيور وبقية الكائنات لا تُماثِل الإنسان بحسن الخِلقَة والصورة والتَميِيز بالعقل والفكر والعواطف والحواس؛ فمع هذا لا يُباح الاعتداء عليها بلا مبرر وسبب وجيه فالرفق بالحيوان مندوب إليه كما جرى النهي عن تعذيبها؛ وجاء تحذير الإنسان من ذلكم بمضمون الآية ذاتها حين قال سبحانه: {ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ}، وأضاف المفسرون القول: (وإذا كان يُقتص لبعضها من بعض وهي غير مُكَلَّفة؛ فالاقتصاص من الإنسان لها أولى بالعدل)؛ فحين اختص الخالق الإنسان بالصّفات الراقية والحضارة فحَرِي به ابتداءً ألّا يعتدي على أخيه الإنسان قبل النظر لحقوق بقية الكائنات!

وكتدليل على دور الكائنات ـ غير الإنسان ـ على البيئة والحياة: فإن إحدى ولايات أمريكا قد أطلقت ذكورًا من البعوض المُعدَّلة وراثيًا حين انتشرت أصناف من مرض الحُمَّى بالولاية ليكون التزاوج بين هذه الذكور والإناث غير ذي جَدوى لإنتاج المزيد من البعوض الناقل للمرض؛ ومن عجائب خلقتها أن الأنثى هي التي تمتص الدّم من الحيوانات والإنسان للتكاثر وتغذية البويضات، كما َأن عُلماء مُختصّين قد نفوا تهمة اللسع عن الذكور دون الأنثى، وقالوا: إنها تمتص ما قدره (من 2 إلى 3 ميكروليتر) ما يعني أن نصف لتر مِن دَم الإنسان يكفي لإطعام 7 ملايين بعوضة ليوم كامل، وإن المتفكر بخلق الله ـ جل في علاه ـ ليعجب من هذا الإعجاز الإلهي العظيم!

ولئن أتخذ أقوام بعض الكائنات والحشرات غذاءً بروتينيًا لهم؛ فإن الخالق العظيم قد أكرمنا بالعقل وأعزنا بالإسلام فبيَّن لنا الحلال والحرام من رزقه وجَنَّبنا برحمته الخبائث، فقال عّز من قائل 172البقرة: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُواْ لِلّهِ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ}.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف