جريدة الجرائد

الوداع الثلاثي المؤقت.. وعلي لطفي

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

عشت معها.. وبها.. ولها لما يقارب الثمانين عاما. كانت معي طوال حياتي، لم تفارقني، إلا في ايام نادرة، من أصل ثلاثين ألف يوم وليلة مضت، من عمري، وكان الثلاثة غالبا سلوتي، في حلي وترحالي، وأول ما أفكر به بعد جوع، أو عودة من سفر أو من منتجع صحي، أو بعد التعافي من مرض، أو فور الانتهاء من نظام غذائي أو آخر، أو بعد سرور أو زعل.

عشت مع الحلويات، ومع الخبز والأرز، طوال حياتي، أذهب لأي بوفيه، ولا تلتقط عيناي، سواء كنت جائعا أو متخما، غير صحون الأرز، وأطباقه المتنوعة، وأنواع الخبز، وأشكاله المتعددة، المحمص منه و«المسمسم» والبني والملفوف منه والمسطح والمكور. ولا أرى غير حاويات الحلويات، وفنون تحضيرها المرعبة، والتي لو وقعت عيناي عليها، قبل البدء بتناول الأرز أو «العيش»، وأنواع الخبز، لاخترت فورا ما سأتناول منها، فور انتهائي من تناول الساخن من الطعام، وسيبقى «طيفها» اللذيذ معي، يراودني مع كل لقمة، وكلما طال الوقت زاد الشوق واللهفة للعودة لركن الحلويات، لألتقي بأم علي، والتمتع بتناولها حتى لو كانت «أم علي لطفي»، وبقية السكريات المتوحشة.

قمت قبل ايام، بإلقاء كلمات وإشارات الوداع على الثلاثي الكوكباني أعلاه، وألقيت الطلاق، بالخمسة، بيني وبينها، لكن بعد مرور أربعة من الخمسة، بدا جليا أن الوداع لن يستمر طويلا، فما بقي في العمر بقدر ما مضى!

يقال، والعهدة على الراوي، أن علي لطفي محمود، الشهير بـ«علي لطفي» (1935 - 2018م)، رئيس وزراء مصر من سبتمبر 1985 حتى نوفمبر 1986، قرر فجأة فرض زيادة كبيرة على المكسرات، خاصة تلك المستخدمة في تحضير طبق الياميش، الذي لا يمكن أن يكتمل صيام رمضان بغيره. و«الياميش» باللهجة المصرية، هو مصطلح يطلق على مجموعة الفواكه المجففة والمكسرات، خاصة التي تقدم في رمضان مثل البلح، والمشمشية، والقراصيا، والزبيب، وجوز الهند، وقمر الدين، وما يضاف لها من بندق وفستق ولوز وجوز، لعمل مشروب الخشاف والمشروبات الرمضانية الأخرى، وهو جزء أساسي من عادات المائدة المصرية في شهر رمضان، وجاء قرار علي لطفي في أسوأ اللحظات، أي قبل بدء تجار الحلويات باستيرادها من الخارج، ووقعت المصيبة على رأسهم، وعلموا أن الخسارة قادمة، لا ريب فيها، فكيف يمر رمضان، وفي مصر بالذات، من غير «خشاف»، ولا كنافة بمسحوق الفستق، ولا قطايف بالجوز؟

أسقط بيد مصنعي الحلويات، وموردي المكسرات، واضطروا لدفع الزيادة الكبيرة على المواد المستوردة، مرغمين، لكن بعضهم قرر الانتقام من رئيس الوزراء بطريقتهم الخاصة. فما أن جاء رمضان حتى اكتشف رواد الحفلات، ومطاعم الحلويات، ومدمنو البوفيهات بالذات، وجود طبقين كبيرين يحتويان على مكونات «أم علي» الشهيرة، الأول ثمن الصحن 100 جنيه، مثلا، والثاني بعشرة جنيهات! والفرق كبير، بالسؤال تبين أن الأول يحتوي على المكسرات، كالعادة، واسمه «أم علي»، وثمنه مئة، أما الثاني، الأرخص بكثير، فمكون من الخبز والحليب والسمنة، كالعادة، ولكن من غير أية مكسرات ولا محسنات ولا طيبات، وأطلق عليه اسم؛ «أم علي».. لطفي!


أحمد الصراف

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف