جريدة الجرائد

بين ترامب ومادورو.. فتشوا عن الاقتصاد

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
عماد الدين حسين

هل صحيح أن الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، يرغب في الحصول على ثروات فنزويلا النفطية ومعادنها النادرة، وأن حكاية اتهامه لفنزويلا بإغراق بلاده بالمخدرات ما هي إلا ستارة لإخفاء حقيقة أهدافه الفعلية؟ في الأسبوع الماضي كتبت عن قصة الصراع بين الولايات المتحدة وفنزويلا، والذي بدأ فعلياً في عام 1999 بوصول الرئيس الفنزويلي السابق، هوغو شافيز، للسلطة وتحديه لواشنطن بسياساته اليسارية، وتقاربه مع كل منافسي واشنطن مثل روسيا والصين وكوبا وإيران.

واليوم نناقش دور العامل الاقتصادي في هذا الصراع الذي صار محط اهتمام أغلبية وسائل الإعلام العالمية، بعد أن حشدت الولايات المتحدة قواتها وأغلقت المجال الجوى لفنزويلا، وتطالب الرئيس نيكولاس مادورو بالتنحي ومغادرة بلاده، وهو ما رفضه على الفور، مشدداً على سيادة بلاده واستقلالها.

من يتأمل قصة الصراع وتفاصيله بين الولايات المتحدة وفنزويلا فسيجد تداخلاً كبيراً للعوامل المتسببة فيه من أول خوف واشنطن من المخدرات إلى الخشية من وجود دور للصين وروسيا وكوبا وإيران في هذه المنطقة المهمة للأمن القومى الأمريكي، لكن المؤكد أن العامل الاقتصادي يلعب دوراً بارزاً في جوهر وخلفية هذا الصراع.

طبقاً لتفكير الرئيس ترامب ومحاولاته السابقة للسيطرة على قناة بنما وجزيرة غرينلاند ومطالباته المستمرة لحلف شمال الأطلسي أن يسهم بنسب أكبر في ميزانية الدفاع ورفعه المستمر للرسوم الجمركية على كل السلع المستوردة يمكن فهم صراعه أيضاً مع فنزويلا.

قد لا تكون هناك مطامع استعمارية مباشرة للولايات المتحدة في فنزويلا، بل هي مصالح اقتصادية استراتيجية تتعلق بالنفط والغاز والمعادن النادرة، إضافة بالطبع إلى إعادة تشكيل النفوذ الأمريكي في نصف الكرة الغربي والقضاء على أي عوامل يمكن أن تشكل خطراً على هذا النفوذ، ويتضح ذلك أكثر من مطالعة استراتيجية الأمن القومي الأخيرة، التي تركز على تقوية النفوذ في أمريكا اللاتينية. حينما نتحدث عن مطامع ترامب في فنزويلا علينا أن نتذكر دائماً أن فنزويلا تملك أكبر احتياطي من النفط في العالم يبلغ 303 مليارات برميل و90% من صادراتها من النفط.

أمريكا كانت هي اللاعب الرئيسي في صناعة النفط الفنزويلي، إلى أن جاء الرئيس السابق، هوغو شافيز، ثم سلفه الحالي نيكولاس مادورو، وألغيا الامتيازات الأمريكية، وبالتالي فإن ترامب يرى أن وجود فنزويلا الغنية بالنفط تحت نفوذ خصوم أمريكا التقليديين خصوصاً روسيا والصين وكوبا وإيران يمثل خسارة استراتيجية واقتصادية، وبالتالي فإن تغيير النظام في فنزويلا يعني فتح قطاع الطاقة أمام الشركات الأمريكية ومنع تحكم المنافسين فيه، وإلى جانب النفط فإن فنزويلا وطبقاً للبيانات المتاحة تملك واحداً من أكبر أحواض الذهب والبوكسيت والكولتان، والأخير يستخدم في الإلكترونيات والبطاريات.

هذه المعادن جذبت العديد من الشركات الروسية والصينية، وأهمية هذا القطاع يمكن فهمها في إطار الصراع الكبير بين أمريكا والصين فيما يتعلق بالمعادن النادرة الداخلة في العديد من الصناعات العسكرية والتكنولوجية شديدة الحساسية، ومن أجل ذلك فإن الولايات المتحدة ترى أن النفط الفنزويلي يحدد موازين القوة الاقتصادية في البحر الكاريبي التي تعتبرها الولايات المتحدة منطقة حليفة ينبغي أن تظل تحت النفوذ الأمريكي.

ولا ننسى أن إحدى أهم سياسات ترامب هي دعم الشركات الأمريكية، خصوصاً في مواجهة شركات النفط الإيراني والروسي والفنزويلي في السوق العالمية، وبالتالي فإن إضعاف قطاع النفط الفنزويلي أو إعادة هيكلته بما يسمح بشراكات أمريكية سيخدم مصالح الصناعة والشركات الأمريكية.

الحديث عن المطامع الاقتصادية الأمريكية ليس اتهاماً مرسلاً في الهواء، ولا ننسى أن جون بولتون، مستشار الأمن القومى الأمريكي الأسبق، قال ذات يوم: «سيكون من مصلحة الشركات الأمريكية أن تستثمر في قطاع النفط الفنزويلي بعد تغيير النظام هناك».

ورغم العقوبات الأمريكية المستمرة على فنزويلا فإنها كانت تمنح شركاتها خصوصاً «شيفروليه» استثناءات دائمة للاستثمار في فنزويلا. بالطبع فإن ترامب وأسلافه كانوا يقولون إن صراعهم مع فنزويلا هدفه الأساسي نشر الديمقراطية وحماية حقوق الإنسان، وهو ما اتضح مؤخراً انه كلام في الهواء بل إن إدارة ترامب لم تعد تردده.

ومن الواضح أن مادورو يفهم جيداً أهداف ترامب وإدارته، ولذلك عرض على واشنطن أكثر من مرة العديد من الحوافز، ومنها زيادة حصة الصادرات النفطية للدول الغربية بدلاً من الصين، وفتح الباب أمام الشركات الأمريكية في قطاعي النفط والذهب، وكذلك تفكيك بعض التحالفات الفنزويلية مع دول تراها واشنطن خصماً، وهناك تقارير أنه خلال المكالمة الهاتفية الأخيرة بينهما فإن مادورو عرض على ترامب أنه قد يقبل مغادرة منصبه إذا تم رفع كل العقوبات على بلاده، وكذلك العفو عنه، لكن ترامب لم يقبل بالصفقة، التي نفاها مادورو متمسكاً باستقلال وسيادة وكرامة بلاده، ومن الواضح إذا صحت التقارير أن عرض مادورو لم يكن كافياً، فأغلب الظن أن ترامب لا يريد فقط النفط والمعادن، بل إعادة رسم النفوذ السياسي بأكمله في النصف الغربي للكرة الأرضية.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف