النفوذ لا يُبنى وقت الحاجة
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
في عالم الأعمال، غالبًا ما يُقاس القائد بقدرته على إدارة الأزمات. لكن ما لا يدركه كثيرون هو أن القادة الحقيقيين لا ينتظرون الأزمة ليظهروا مهاراتهم، بل يبنون نفوذهم قبل أن يحتاجوا إليه. فالنفوذ القيادي ليس سلطة منصب، ولا قوة توقيع، بل رصيد غير مكتوب من الثقة والعلاقات والمصداقية يتراكم بمرور الوقت، ويُستدعى في اللحظات الحاسمة.
الخطأ الشائع لدى كثير من الموظفين والقيادات الصاعدة هو الاعتقاد بأن النفوذ يُكتسب عند الطوارئ: عند تعثر مشروع، أو اقتراب قرار مصيري. في الواقع هذه اللحظات لا تسمح بالبناء، بل تكشف عما تم بناؤه مسبقًا. فالأزمة لا تُنشئ النفوذ، بل تفضحه.
القائد الاستراتيجي يدرك أن الأوقات الهادئة هي الفرصة الذهبية لبناء هذا الرصيد. عندما لا يوجد ضغط، ولا صراع، ولا سباق مصالح، تكون العلاقات أكثر صدقًا، والتواصل أكثر نقاء، والنوايا أوضح. في هذه المساحات الهادئة، يزرع القائد بذور الثقة عبر أفعال صغيرة لكنها متراكمة: الاستماع دون مصلحة مباشرة، الدعم دون انتظار مقابل، والالتزام بالكلمة حتى في التفاصيل التي لا يراقبها أحد.
بناء النفوذ قبل الحاجة إليه يعني أن يعرفك الآخرون كشخص يعتمد عليه، لا كشخص يظهر فقط عند الحاجة. يعني أن يشعر الزملاء أن وجودك يضيف استقراراً لا توتراً، وحلولاً لا تعقيداً. هذا النوع من النفوذ لا يُطلب، بل يُمنح. ولا يُفرض، بل يُستدعى تلقائيًا عندما تضيق الخيارات.
وفي المنظمات، يظهر الفرق جلياً عند أول اختبار حقيقي. قائد بنى نفوذه مسبقًا يجد الأبواب تُفتح، والفرق تتجاوب، والقرارات تُفهم حتى قبل شرحها. أما من أهمل هذا البناء، فيجد نفسه مضطراً للاعتماد على السلطة الرسمية، وهي أضعف أدوات القيادة وأكثرها تكلفة على المدى الطويل.
الأمر لا يقتصر على القيادات. الموظف الذكي أيضًا يبني نفوذه قبل أن يحتاج إليه. يفعل ذلك عبر جودة العمل، والاتساق في الأداء، والقدرة على التعاون، واحترام الآخرين في غيابهم قبل حضورهم. وعندما تأتي لحظة الدفاع عن فكرة، يكون النفوذ قد سبق الطلب.
القيادة في جوهرها ليست إدارة مواقف، بل إدارة علاقات.. والنفوذ ليس صوتاً مرتفعاً في غرفة الاجتماع، بل همسات إيجابية خارجها.. من يفهم هذه المعادلة مبكراً يدرك أن أعظم استثمار مهني ليس في المهارات فقط، بل في بناء الثقة طويلة الأمد.
في النهاية، الأزمات عابرة، لكن النفوذ المتراكم يبقى.. والقادة الذين ينجحون حقاً هم أولئك الذين يصلون إلى لحظة الحاجة، ليكتشفوا أن الدعم كان حاضراً قبل أن يطلبوه.