جريدة الجرائد

التدريب والضبط الإداري لجيل منتج وحضاري

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

كل العادات الجميلة، والمهن الفنية، بحاجة إلى تدريب عميق وتكرار، ولن تغني عنها الدراسات النظرية مهما أوجدنا من معلمين ومدربين ووسائل إيضاح، لن نزرع العادات إلا بالتكرار والإصرار على تنفيذها، ولن نصل في تدريبنا الفني إلى مستويات عالية إلا بالممارسة والتطبيق المستمر لعدة سنوات..

أتساءل دائماً، لماذا ينجح التعليم والتدرب في دول، بينما يخفق في أخرى. التعليم الناجح يجمع بين النظري والتطبيق. الدروس العملية تجعل الطالب متحفزاً، ومشاركاً لتعلم المزيد. من الخطأ أن يتسمّر الطفل الصغير في كرسيه ساعات، فذلك ضد طبيعته، وحبه للعب والمرح والمشاركة. لماذا لا نجعل من بيوتنا ومدارسنا ميادين تربية وزرع عادات حميدة تطبق في البيت والمدرسة لتشكل سلوكهم في الشارع والمنشآت العامة؟

تذكرت ذلك وأنا أشاهد في كل صباح آثار ما يترك الشباب من مخلفات في مواقف سياراتهم، أمام الحدائق والمقاهي والبيوت. ما الذي يجعل الشاب في سنغافورة يتصرف بشكل حضاري يبهر العالم، بينما نجده يتصرف بأنانية وعدم اهتمام لدينا؟ لا شكّ أن للغرامات دوراً مهماً في ذلك. مع أهمية التربية والتعليم الذي برعت فيه سنغافورة، حتى أصبحت الأولى في جودته على مستوى العالم. وهو ما يعني أن يخضع تعليمنا للتطوير المستمر، وأن يركز على التطبيق والممارسة. والتعليم بالممارسة لا يقتصر على زرع العادات والقيم فقط، بل المهارات الفنية والقيادية المطلوبة في الحياة العملية.. ومنها القدرة على التحدث بثقة وطلاقة أمام الآخرين. وهذه يمكن تنميتها في الفصل، وعلى مسرح المدرسة وفي الطابور الصباحي، وفي الأنشطة الكشفية، والرياضية المختلفة. وهكذا مع كل عادة نرغب في تأصيلها لدى الشاب في المستقبل، لتصبح العادات الجيدة سلوكا يمارسه في كل مكان يذهب إليه داخل بلده وخارجها.

اليوم أصبحت المملكة نموذجاً يحتذى على مستوى العالم في كثير من الأنشطة على مستوى القيادة والشعب. لكن ما يمارس في شوارعنا من أنانية ورعونة في قيادة المركبات، وفي تلويث كل مرفق، أو متنزه، أو في غار في رأس جبل، لا يتماشى مع سمعة المملكة ومكانتها، وقوتها الاقتصادية والسياسية.. وهذا يحتم علينا أن نضاعف الجهود، كل في مجاله حتى نصل لمستوى دولة مثل سنغافورة أو استراليا على اتساع مساحتها. وهذا يتطلب القيام بالخطوات الآتية:

أولاً: الاستمرار في مراجعة كل مراحل التعليم والتدريب، من التعليم المبكر حتى الجامعي، وكليات التقنية.. مع إعطاء التدريب العملي ما يستحق من جهد ووقت.. الممارسة هي التي ترسخ المعلومة، وتكرراها يجعلها عادة، ومن العادات يكون السلوك.. وفي مجال التدريب الفني والمهني يجب أن يشكل التدريب العملي ما لا يقل عن 60 % من الوقت الذي يمضيه الطالب في المعهد أو الكلية.

ثانياً: ثبت ومن واقع التجارب على مستوى العالم أن الأكثرية لن تلتزم بالأنظمة والتعليمات ما لم توجد المراقبة وتحرير المخالفات. وهذا يتطلب وجود الأنظمة، وتواجد من يطبقها في الشارع والمرافق العامة والمتنزهات، وفي كل مكان يتواجد فيه الناس.. ولن تغني التقنية عن تواجد العنصر البشري. وهذا يتطلب إسناد الضبط الإداري إلى الأمن العام فهو الأكثر تواجداً، وهو الذي يراقب ويحرر المخالفات في كثير من دول العالم.. لكن هذا يتطلب الاستثمار في الانسان، وإعادة الاستفادة من خبرات الدول المتقدمة في تشكيل واختيار وتدريب من يتولى ذلك. وعلى سبيل المثال فكل منشآت ومؤسسات المملكة الناجحة بدأت بخبرات أجنبية، كما هو في الطيران والطب، وفي الجامعات الناجحة، وفي أرامكو، الجبيل وينبع، وفي القوات الجوية، والمستشفيات، ومعهد الإدارة العامة والبنوك وغيرها.. كل هذه المؤسسات الناجحة بدأت بشراكة مع شركات وحكومات من دول متقدمة، شركات مختصة أسست مرافق التدريب، وأوجدت المدربين، والأنظمة والابتعاث.

ثالثاً: القيادة هي من يصنع الفرق.. وإذا رغبنا في النهوض بمنشأة مهما كانت صغيرة أو كبيرة، علينا أن نفكر في القيادة أولاً. القائد هو العنصر الأساس في نجاح المؤسسات أو فشلها. والقائد الناجح يعطي كل ما يستطيع للنهوض بالمنشأة من خلال تمسكه بصفات القائد الناجح من شجاعة وأمانة واستقامة وعدل وتواضع وتواجد مستمر في الميدان، والحرص على أن يكون مثالاً يحتذى في أداء الواجب، والحرص على رفع الروح المعنوية لمرؤوسيه، والعمل بروح الفريق لأداء المهمة التي من أجلها وجدت المؤسسة.

(لن نتعلم السباحة من كتاب) شعار يجب أن يكون حاضراً لدى كل واضعي المناهج لمختلف المراحل.. وكل العادات الجميلة، والمهن الفنية بحاجة إلى تدريب عميق وتكرار، ولن تغني عنها الدراسات النظرية مهما أوجدنا من معلمين ومدربين ووسائل إيضاح، لن نزرع العادات إلا بالتكرار والإصرار على تنفيذها، ولن نصل في تدريبنا الفني إلى مستويات عالية إلا بالممارسة والتطبيق المستمر لعدة سنوات.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف