ما يجب أن تدركه أميركا عن الصين الجديدة!
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
رغم الضجيج الشعبوي في واشنطن، خرج المسؤولون الصينيون متفائلين من الاجتماع بين ترمب وشي جينبينغ في بوسان - كوريا الجنوبية. وبالمقابل يبالغ صانعو السياسات الأميركيون في الحديث عن تنازلات الصين في قضية الخامات النادرة.
وفيما يستمر كثير من الخبراء المحيطين بإدارة الرئيس ترمب، في تكرار فكرة أن «الصين لا تبتكر؛ بل تسرق من الغرب وحسب»، ويستمرون في الادعاء بـ«أنه يكفي أن تقطع الولايات المتحدة تدفق براءات الاختراع والتقنيات العالية نحو الصين، حتى ينهار اقتصادها، وتركض باحثة توافقات أميركا لتحتفظ الولايات المتحدة بهيمنتها على التجارة العالمية».
أزعم أن لا شيء أبعد عن الحقيقة من هذه الادعاءات؛ ليس لأن الصين لم تستفِد من استدراج براءات الاختراع الأميركية إليها؛ بل لأن هذه الضوضاء الإعلامية تعمي نفسها عن عناصر القوة الأكثر حسماً للمنافسة بين الصين والولايات المتحدة.
بل يلحق هذا الموقف المتعالي للنخب الأميركية، في القدرة على إدراك الوضع الحقيقي للاقتصاد الأميركي، والمنافسة الجارية مع الصين.
بل يمكن القول إن الولايات المتحدة لن تتمكن من مجاراة الصين في تقدمها المتسارع، ما لم تفهم طبيعة عناصر القوة والضعف؛ سواء في النموذج الاقتصادي لكلا البلدين.
تقوم الصين بنشر واسع وسريع جداً لتطبيقات تقنيات الذكاء الاصطناعي في مختلف جوانب الحياة اليومية، وعلى نطاق يفاجئ الخبراء الأميركيين ذاتهم، مما يدحض بقوة ادعاءات التفوق والتراخي، وتخلق بكين مساحة للشركات الخاصة بهدف الإسراع في نشر تقنيات الذكاء الكمومي في الصناعة والبحوث والإنتاج الاستهلاكي. «أصبحت الروبوتات منتشرة في كل مكان في بكين»، ورغم حقيقة أن التقنية ليست مثالية، فإن الشركات تطرحها وتعدلها عبر التطبيق والتجربة. وفي كثير من الحالات، يمكن القول إن التكنولوجيا ممتازة جداً.
تكتيكياً، يبدي القادة الصينيون تفاؤلاً واضحاً بإمساكهم بزمام المنافسة مع الولايات المتحدة! فلقد تمكَّنت الصين من وضع ورقة تفاوضية قوية مع ترمب؛ ألا وهي الخامات النادرة من جهة، ومن جهة أخرى شراء فول الصويا الذي يشكل المادة الرئيسية للمزارعين الكبار من أنصار ترمب.
لذلك تفضل الصين التعامل انتقائياً مع الإدارة الأميركية؛ فثمة أميركي طيب وآخر سيئ، حيث تجد الدبلوماسية الصينية واقعية وبرغماتية ترمب (الذي يكرر أن الرئيس «شي» قائد عظيم)، لأنه يستجيب بشكل حساس لضغوط المزارعين والصناعيين الذين يعانون من انكسار سلاسل الإنتاج، وتأخير هيكلة الصناعة الأميركية وكساد مواسم فول الصويا، بما يسمح للصينيين بهوامش مناورة تفاوضية كبيرة. لكن الصين تجد بالمقابل مواقف سلبية من قبل وكالات وزارية أميركية مختلفة (عادة وزارة التجارة) التي تسارع لفرض إجراءات مفاجئة مناهضة للصين.
وبعد أن فرضت إدارة ترمب تعريفات جمركية جديدة على الصين في أبريل (نيسان)، ردَّت بكين بتقييد وصول الولايات المتحدة إلى الخامات النادرة، والمنتجات الأخرى التي تشكل الصين مصدرها الوحيد، وبمزيد من القيود، الأمر الذي دفع البيت الأبيض إلى التهدئة مع الصين.
في هذا السياق، صرح المتحدث باسم وزارة التجارة الصينية بأنه، بالتوازي مع تعليق الولايات المتحدة لـ«قاعدة 50 في المائة» للتعريفات ضد الصين، «ستعلق الصين إجراءات مراقبة الصادرات ذات الصلة التي أعلنت في 9 أكتوبر (تشرين الأول) لمدة عام، وستدرس وتحسن الخطط المحددة».
وبما أن «الشيطان في التفاصيل»، فإن الصين تستخدمها إلى الحد الأقصى، وهي لا تستعجل في إرخاء سيطرتها على استخراج وتصدير الخامات النادرة، فلقد أصدرت تراخيص لشركات محددة فقط، ولم تفتح المجال لتراخيص واسعة أو «عامة»، كما يأمل ترمب. وبالمقابل تلجأ الصين لسياسات الإغراق الاقتصادي بالمعادن النادرة، عن طريق تخفيضات الأسعار، بهدف إحباط المساعي الأميركية لخلق بدائل للخامات النادرة الصينية. باختصار، تحتاج واشنطن إلى فهم حقيقتين: أولاً؛ أن الجيل الجديد من التكنولوجيا الصينية، جيد أو يتفوق في قطاعات عديدة على المنتجات الأميركية.
وبينما تتلكأ الشركات الأميركية كثيراً في الانتقال نحو الاقتصاد الذكي، تستمر الصين في نشر الذكاء الاصطناعي بشكل متسارع بشكل يوشك أن يصير سياقاً عالمياً، فإن لم تتمكن الشركات الأميركية من تقديم حلول الذكاء الاصطناعي بتكاليف منافسة في الأسواق العالمية، فسنشهد من جديد تجربة تشبه «صفقة (هواوي) المنتشرة، مقابل البدائل الغربية المكلفة».
ثمة منافس كبير يتصدر بالفعل بعض قطاعات التكنولوجيا، وهو يستعد بسرعة للتفوق في قطاعات أخرى. وفيما تتراجع مكانة الأكاديميا والتعليم والصحة وغيرها من مقومات التفوق الأميركي، لا تملك الولايات المتحدة ترف احتكار النمو والمنافسة.