جريدة الجرائد

"عين الصقر" عمليات عسكرية انتقامية على داعش أم تحذيرية أميركية لحكومات في المنطقة؟

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

نفذ الجيش الأميركي ضربات جوية واسعة ضد تنظيم "داعش"، فجر السبت 20 كانون الأول/ ديسمبر، وذلك رداً على هجوم دموي في تدمر في 13 كانون الأول، نفّذه أحد عناصر "داعش"، وأدّى إلى مقتل جنديين وأميركي مدني. "عين الصقر" هو الاسم الذي أطلقته وزارة الحرب الأميركية على العملية، حيث استهدفت أكثر من 100 قذيفة دقيقة مقارّ لمقاتلي داعش، ومخازن أسلحة وبنى تحتية وسط سوريا. وبحسب بعض المصادر العسكرية، فقد يستمرّ تنفيذها أسابيع. عقب الضربات، قال الرئيس الأميركي دونالد ترامب "أمرت بتنفيذ ضربة واسعة النطاق ضدّ الإرهابيين الذين قتلوا ثلاثة من مواطنينا العظماء، الأسبوع الماضي. كانت العملية ناجحة جدًا ودقيقة، وأصبنا الأهداف من جميع الجهات من دون أخطاء. نحن نعيد فرض السلام من خلال القوة". أما وزير حربه، بيت هيغسيت، فقال "هذه ليست بداية حرب، بل إعلان انتقام. لقد قمنا اليوم بمطاردة وقتل أعدائنا، وسنستمر في ذلك". بين ترامب وبيت، تُستخلص الاستراتيجية الأميركية من تلك الضربات، حيث الأهداف كامنة وراء الانتشار الأميركي الكبير في منطقة الشرق الأوسط. فقد نشرت واشنطن حاملات طائرات وقوات عسكرية خلال السنوات الأخيرة، وتحديداً في أعقاب أحداث السابع من تشرين الأول/ أكتوبر عام 2023، وتصاعد التوترات مع إيران، بهدف الردع وتأمين المصالح الأميركية وحماية أمن إسرائيل. وتضمنت هذه التحركات تشر حاملات مثل "جيرالد فورد" و"إيزنهاور" و"نيميتز" وقاذفات استراتيجية مثل B-52، وذلك لتعزيز قدراتها العسكرية في المنطقة. لا شك في أن في خلفية الضربات، التي نفذها الجيش الأميركي، شكلًا من الانتقام للجنود الأميركيين الذين قتلوا على يد التنظيم. ولكن الشكل الأخطر هو ما ذكره ترامب حول التمسك بنظريته "فرض السلام بالقوة"، إذ قد يذهب البعض إلى التشكيك في السيناريو الذي حصل منذ مقتل الجنود حتى تنفيذ الضربات، على اعتبار أن التنظيم حاربته واشنطن، وشكّلت قوة دولية أتت بها إلى سوريا والعراق من أجل إنهاء وجوده، إلا أنّ إعلان إنهاء وجوده من قبل ترامب عام 2019 كان انتخابياً بحتاً، ولا يستند إلى واقع عملاني... "غب الطلب" أفضل ما قد يطلق على التنظيم بالنسبة إلى الإدارة الأميركية، في هذه المرحلة، على اعتبار أن استنهاض التنظيم، وتفعيل دوره، يخدم خطة السلام الأميركي. فالرسالة من الضربات لم تصل ربما إلى قياديي داعش وعناصره بقدر ما تلقفها كل من يجد نفسه عقبة أمام سلام ترامب المقبل، من النظام في طهران، وصولًا إلى "حزب الله" في لبنان، الذي ينتظر ساعة الصفر التي سيحدّدها ترامب لإسرائيل بسبب رفضه تسليم سلاحه. ليس أمر السلام مرتبط فقط بإيران ومحورها، لكن الضربات قد تكون رسالة إلى النظام في سوريا وداعمه التركي. فالسلام الأميركي لا يحمل سلام الشعوب بقدر ما يركّز على السلام الذي يمنع وجود أي تهديد لمصالح واشنطن في المنطقة؛ وإن تمرير مشروع الغاز الطبيعي المسال إلى أوروبا، بالتنسيق بين إسرائيل ومصر وقبرص واليونان، مع مسعى لإشراك لبنان فيه، لا يلحظ المصلحة التركية. لهذا قد تكون الصفقة المصرية - الإسرائيلية من الغاز الطبيعي، والتي قدرت بنحو 35 مليار دولار، بمثابة "صفارة الانطلاق" في تعبيد الطريق؛ وإن الضربات على داعش قد تكون "صفارة الإنذار" لمن سيعرقل. لا نقاش في أن المنطقة تمرّ بمخاض عسير من أجل إعادة رسم الخرائط الاستراتيجية لها وتحديد شكل التحالفات وعناوين المرحلة المقبلة، وأن الأميركي انخرط أكثر في كلّ هذا، لا بل ذهب بعيداً في تمرير صفقاته مع القوة الدولية، ولهذا خرجت معادلة "أوكرانيا مقابل سوريا وفنزويلا". لا شيء محسوماً إلى الأن، ولكن التخطيط الأميركي قائم وآلية التنفيذ تسير حسب ما رسم لها، ليس فقط في سوريا، لكن في العراق أيضاً، إذ إن إضعاف النفوذ الإيراني يجب أن يكون عبر الحكومة العتيدة العراقية المزمع تشكيلها، وبأن لا تقدم على خطوات فعلتها حكومة محمد شياع السوداني، الذي أصدر حاكم مركزيّه قائمة تتضمن "حزب الله" اللبناني وحركة الحوثيين في اليمن، ضمن قائمة المنظمات والحركات الإرهابية. وبعدها تراجعت الحكومة العراقية عن تمريرها معتبرة أن هناك لغطاً يجب تصحيحه. قد يكون الأميركي أعاد إحياء التنظيم وتفعيل عملياته في رسالة إلى العراق أيضاً على أساس إعادة النظر في اتفاقية انسحاب القوات الدولية والأميركية من العراق، بعدما وضعت الإدارة الأميركية جدولًا زمنياً ينتهي في صيف 2026. فإحياء داعش يعني الحاجة إلى الحضور والتنسيق الأميركي - العراقي. لكن العراق - على ما يبدو - ذهب بعيداً مع إعلان قيادة العمليات المشتركة العراقية أن "عملية الإنزال الجوي العراقي في سوريا لا علاقة لها بالضربة الأميركية على داعش، وأماكن العمليتين مختلفة". هذا ما أبعد فكرة التنسيق المسبق والمشترك مع الأميركي، كذلك قد يكون رسالة إلى الأميركي عن مقدرة العراق على تحصين ساحته من أي هجوم مرتقب للتنظيم. بين الإصرار العراقي على إعادة التموضع للجيش الأميركي على أراضي بلاد الرافدين، وميل نظام أحمد الشرع إلى التعاون مع الجانب التركي، تحرّك داعش في التوقيت المناسب للأجندة الأميركية، فأتت الضربات العسكرية المبالغ فيها لتحمل رسائلها، فهل ستحقق مبتغاها؟ أم أن الولادة عسيرة، والمخاض طويل في المنطقة، ولا سيما مع عدم مقدرة واشنطن على بتّ ملفاتها في المنطقة ودوليًا؟ -المقاربة الواردة لا تعكس بالضرورة رأي مجموعة "النهار" الإعلامية.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف