جريدة الجرائد

هل أضر الشعر بالعقل العربي؟

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

سهام القحطاني

لا شك أن علاقة العربي قبل الإسلام بالشعر ليست علاقة فنية، بل هي علاقة حياة في ذاتها، فقد شكَّل الشعر منهج حياة العربي بكافة جوانبها، وليس العربي هو الذي شكَّل منهج الشعر، ومن خلال تراتبية التأثر والتأثير في هذه العلاقة، سنستنتج خطورة الشعر على العقل العربي قبل الإسلام.

وقد يعترض البعض على تراتبية التأثر والتأثير؛ باعتبارها تراتبية ترسخ لاستعمارية الشعر لعقلية العربي.

فهل العربي هو الذي شكَّل منهجية الشعر أو الشعر هو الذي شكَّل منهجية العقلية العربية؟ والحدود في هكذا إجابة قد تكون مخادعة؛ بمعنى أن الفاعل هو قناع لا يبدو حقيقياً في ذاته.

إن الطبيعة ها هنا هي البطل الحقيقي في تشكيل قدريّة الإنسان وفنونه، وبذلك فالإنسان «مُسيَّر وفق تلك الطبيعة» وليس «مخيَّراً» ثم تأتي الفنون لتتشكَّل وفق موارد الطبيعة وإيحائها ووحيها، ثم الفاعل البشري الذي يصوغ تجربته الإنسانية بما فيها الأدب متأثراً بعامل الطبيعة وعامل خصوصية الفن، لكنه يستطيع التمرد على تلك الاستعمارية وخلق فرص فكرية تتجاوز هيمنة الطبيعة وخصوصية الفن الموحد، إلا أن العربي قبل الإسلام استسلم لقدرية الجغرافيا وخصوصية فنه، دون تمرد أو تغيير، وسنعرض مثالاً على ذلك في تشكيل الشخصية العقلية للعربي التي خلقها الشعر. ولنتأمل قول «دُريد بن الصمة»:

وما أنا إلا من غزية إن غوت

غويت وأن ترشد غزية أرشد

وهاهنا المماثلة هي منهج حياة الشعر الذي أورثت العربي العناد والتعصب، وحولته إلى ردة فعل لا فعل، إلى «كرة ثلج» تكبر بالتدحرج لا بالعلو.

وإن كانت مواجهة الجهل بالجهل حكمة، هي مسطرة التقدير التي منعت العربي من وضع أدوات تقويمية لفحص نتائج أفعاله وآثارها.

كما أن غلبة قدريّة الخوف من الآخر واعتباره هو خطر مهدّد للبقاء، هذه الغلبة التي وقفت حاجزاً في وجه المشاركة مع ثقافة الآخر والإضافة إليها.

فغياب التفكير النقدي ومعايير الصواب والخطأ، وبذلك يصبح الآخر بالنسبة للعربي هو الجحيم كما يقول سارتر.

يصف لورانس العرب بأنهم «أناس ضيِّقو ومحدودو التفكير، وخيالاتهم نشطة، لكنها غير خلاَّقة».

وذلك وصف استنتجه استناداً إلى عهد الرجعية الذي عاش فيه العرب زمن العصر العثماني وليس على مدى تطورهم التاريخي؛ فقاس على الجزء الكل دون مراعاة الروابط الحضارية للعرب، لكن هذا لا يعني أننا ننكر ذلك الوصف الذي كان حاصلاً لهيمنة الشعر على العقل العربي.

كان الشعر عند العربي قبل الإسلام هو وسيلة التعبير الأهم في حياته؛ فهو مرآة لسعادته فإذا فرح قال شعراً وأحزانه فإذا تألم قال شعراً، وإذا غضب قال شعراً.

وكونك تحول الشعر إلى وسيلة تفكير وتعبير وأسلوب حياة فأنت تنتصر لعواطفك وانفعالاتك مقابل عقلك، تنتصر لخيالك مقابل واقعك، فالشعر يخلق داخل صاحبه عالماً موازيّاً فيختلط عنده الحق بالباطل، والوهم بالحقيقة، والمبالغة بالحجم الطبيعي للأشياء، هذا التضخم في الرؤية كان له انعكاسه في رسم حدود مساحة أناه سواء في مستواها الفردي أو الجمعي وهذه المساحة المتسعة التي تتجاوز حدود العقلانية هي التي شكَّلت عنده صفة التعصب.

وبقول آخر فإن افتتان العربي بالشعر سواء على مستوى صانعه أو متلقيه خصص له عالماً مختلقاً، وخطورة هذا العالم ليس في كونه متلاصقاً بالشاعر فقط، بل في الغيبوبة الفكرية التي أسقط واقع الجماعة في فخها، ليصبح كل ما هو خارج ذلك الفخ فراغاً أو لا يحمل في ذاته حقيقة.

ووصلت سلطة الشعر على العقل العربي قبل الإسلام بأنه أصبح في ذاته معياراً للتقييم، ومؤشراً لصحة أو خطأ ما دونه؛ وتجلى ذلك من خلال حكمه على نصوص القرآن الكريم بأنه «قول شاعر» فهم لم يدرك القيم المعرفية التي كان يشملها النص القرآني والتي تفرقه عن الشعر، فكان قياسه شكلانيًا لا معرفياً.

لقد كان للعربي قبل الإسلام فرصة لتكوين معرفته العقلية الخاصة خارج استعمار الشعر، من خلال «رحلتي الصيف والشتاء» إلا أنه أهدر القيمة الفكرية لهاتين الرحلتين بسبب تعصبه لثقافته، وهو ما أخفض منسوب الاندماج مع الآخر والتبادل المعرفي والفكري مكتفيًا بالتبادل التجاري.

لقد كان النص القرآني الكريم محرراً للشخصية العقلية للعربي من سطوة الشعر وخصائصه، وهو ما انعكس على الشخصية العقلية للعربي المسلم من خلال اندماجه مع ثقافة الآخر والمشاركة في التجارب المعرفية والإضافة إليها، وتقديره للعلم والمعرفة والتمرد على الجغرافيا العرقية والخصوصية الفنية.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف