الإمارات وإدارة تعقيد المنطقة.. حكمة الدولة في زمن الاضطراب
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
في المراحل المفصلية من تاريخ المنطقة، حيث تتقاطع الأزمات وتتشابك الصراعات وتزداد ضبابية المشهد السياسي، لا يكون التحدي في توصيف الواقع، بقدر ما يكون في كيفية التعامل معه، فإدارة التعقيد لا تحتمل الانفعال، ولا تُبنى على ردود الفعل، بل تحتاج إلى رؤية بعيدة المدى، وعقل سياسي قادر على الموازنة بين المبادئ والمصالح، وبين الحزم والمرونة.
في هذا السياق، يبرز الدور الإماراتي بوصفه نموذجاً متقدماً في ممارسة الحكمة السياسية، ودعم السلام، وصناعة الاستقرار وسط بيئة إقليمية شديدة التقلب.
لقد أسست دولة الإمارات سياستها الخارجية على فهم عميق لطبيعة الأزمات في الشرق الأوسط، باعتبارها أزمات مركّبة، ذات جذور تاريخية، وأبعاد أيديولوجية وأمنية واقتصادية متداخلة.
ومن هذا الإدراك، اختارت نهجاً يقوم على تغليب الحوار، والحفاظ على قنوات التواصل، وابتكار المخارج السياسية، حتى في أصعب الظروف، فالإمارات تنطلق من قناعة راسخة بأن هدم الجسور لا يحل النزاعات، وأن غياب الحوار لا يؤدي إلا إلى إطالة أمد الصراع، وتعميق كلفته الإنسانية والسياسية.
ويتميّز النهج الإماراتي بثباته الاستراتيجي، وهو ثبات لا يتأثر بالحملات الممنهجة، سواء تلك المتوقعة في سياق الاستقطاب الإقليمي والأيديولوجي، أو غير المتوقعة، التي تفرضها تحولات مفاجئة، أو محاولات التشويه والضغط السياسي.
فقد أثبتت الإمارات، عبر عقود من العمل الدبلوماسي المتزن، أن مواقفها ليست ظرفية، ولا خاضعة للواقع السياسي العابر، بل نابعة من رؤية دولة تعرف ما تريد، وكيف تدار الملفات المعقدة وغير المعقدة، وتستثمر في المدى البعيد، لا في المكاسب الآنية.
وفي قلب هذه الرؤية، يتصدر دعم السلام موقعاً مركزياً في سياسة دولة الإمارات، فالسلام، في المفهوم الإماراتي، ليس شعاراً أخلاقياً مجرداً، بل خيار استراتيجي، يهدف إلى حماية الدول والمجتمعات من الفوضى، وفتح المجال أمام التنمية والازدهار.
ومن هنا، حرصت الإمارات على دعم مسارات التهدئة، وتشجيع الحلول السياسية والدبلوماسية، والمشاركة في جهود خفض التصعيد، إيماناً بأن الاستقرار الإقليمي هو شرط أساسي لأي مشروع تنموي مستدام.
وفي المقابل، لم يكن هذا النهج السلمي مرادفاً للتراخي أو التغاضي عن التهديدات، فقد اتسم الموقف الإماراتي بوضوح وحزم في مواجهة الإرهاب والتطرف، باعتبارهما الخطر الأكبر على مستقبل المنطقة وأمن شعوبها.
وقد عملت الإمارات على دحر هذه الظواهر، فكرياً وأمنياً، إدراكاً منها أن التطرف لا يهدد دولة بعينها، بل يقوض فكرة الدولة ذاتها، ويغذي الفوضى والعنف العابر للحدود، ومن هذا المنطلق، جاء الجمع بين دعم السلام ومكافحة الإرهاب، بوصفه معادلة متكاملة، لا تناقض فيها.
كما أولت الإمارات أهمية خاصة للحفاظ على التحالفات الإقليمية والدولية وتعزيزها، ليس من منطلق الاصطفاف الحاد، بل من منظور بناء تحالفات توازن إقليمي، تسهم في احتواء الأزمات، لا تفاقمها.
فالتحالفات، في الرؤية الإماراتية، أدوات استقرار وإدارة مصالح مشتركة، وليست منصات للمواجهة أو الإقصاء، هذا الفهم العميق، مكّن الإمارات من التحرك بمرونة في بيئة معقدة، والحفاظ على علاقات متوازنة مع أطراف متعددة، دون التخلي عن ثوابتها، أو الوقوع في تناقضات سياسية.
وفي بعده الاستشرافي، يعكس الدور الإماراتي إيماناً بأن مستقبل المنطقة لا يُبنى عبر الصراعات المفتوحة، بل عبر سياسات عقلانية تستثمر في الإنسان، وتُعلي من قيمة التنمية، وتدرك أن الأمن الحقيقي لا يتحقق بالسلاح والعنف والإقصاء، بل بالاستقرار السياسي والاقتصادي والفكري.
ومن هنا، فإن قدرة الإمارات على تقديم نموذج هادئ ومتزن في إدارة الأزمات، لا سيما المعقدة، تمثل رصيداً استراتيجياً للمنطقة بأسرها، لا مجرد موقف وطني.
تؤكد التجربة الإماراتية أن الحكمة السياسية ليست ضعفاً، بل قوة مضاعفة، وأن الثبات على المبادئ، مهما اشتدت الحملات، وتكاثرت الضغوط، هو ما يصنع مكانة الدول، ويحفظ تأثيرها.
في زمن الأزمات المتكررة، تبرز الإمارات صوت حكمة، يراهن على السلام، ويحمي الاستقرار، ويواجه التطرف، بعقل الدولة، لا بانفعال اللحظة.