إلى أي درجة وصل التقدم التكنولوجي الصيني؟!
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
عبدالرحمن الحبيب
سواء كانت منافسة أم حرب تكنولوجية، فإن الصين تتقدم بقوة في الابتكار التكنولوجي والعلمي، وأصبحت من أكثر دول العالم ابتكاراً، وفقًا لتصنيف عالمي جديد لـ139 اقتصادًا نشره المكتب العالمي للملكية الفكرية (WIPO) حسب مؤشر الابتكار العالمي GII) 2025)، وهي حالياً تُعد منافساً قوياً للولايات المتحدة، حيث تتصدر مجالات مثل الطاقة النووية التجارية، والمركبات الكهربائية، والعديد من قطاعات التكنولوجيا الناشئة، في حين تحافظ الولايات المتحدة على هيمنتها في مجال الكمبيوترات عالية الأداء والقيادة في تقنيات الرقائق المدعومة بالذكاء الاصطناعي.
تنبع سرعة التقدم الصيني من استراتيجية طويلة الأجل للاستثمار في البحث والتطوير وتعليم العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات، بينما اعتمدت الولايات المتحدة تاريخيًا على جذب المواهب العالمية، على الرغم من أن سياساتها الأخيرة قد تُعيق هذا التدفق بعد تشديد الرئيس دونالد ترامب على المؤسسات العلمية في أمريكا، فضلاً عن التشديد الصارم على الهجرة مما يقلص لحد كبير جذب المواهب العالمية.
«بينما تتخبط أمريكا، تتقدم الصين بسرعة» هذا كان عنوان مقال لفريد زكريا (صحيفة واشنطن بوست)، الذي خلص إلى أن الصين تعمل على تطوير نفسها على الصعيد التكنولوجي في العلوم والذكاء الاصطناعي والصناعات، بينما في الولايات المتحدة، «خُفّض التمويل الحكومي للعلوم والتكنولوجيا الأساسية، وأصبحت أفضل جامعاتنا تحت الحصار».
على سبيل المثال، صفقة تيك توك هي «الراية البيضاء» لأمريكا في حرب التكنولوجيا مع الصين، حسبما كتب الباحث ستيفن فيلدشتاين (مجلة فورين بوليسي) موضحاً أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وقّع أمرًا تنفيذيًا يسمح لتطبيق تيك توك بمواصلة العمل في البلاد مع مراعاة مخاوف الأمن القومي، وبعد مكالمة هاتفية مع الزعيم الصيني شي جين بينغ صرّح ترامب بأنه توصل إلى اتفاق مع مجموعة استثمارية أمريكية بقيادة أوراكل لتولي السيطرة على 80 % من عمليات تيك توك في الولايات المتحدة. ولكن مع ظهور التفاصيل، تطفو على السطح أسئلة جدية، حسب الباحث فيلدشتاين حيث لا تزال مخاوف الأمن القومي الأمريكي التي دفعت الكونغرس إلى إقرار قانون يحظر تيك توك دون حل، وستبقى خوارزمية تيك توك «خلطتها السرية» التي تُحكم ما يراه المستخدمون على التطبيق، والتي قد تُشكل سلاحًا رئيسيًا لعمليات التأثير الصينية، ليخلص الباحث إلى أن هذه الحرب التكنولوجية لا تزال معلقة وغير مؤكدة.
أصبحت الصين تُهاجم وتستغل التخبط الأمريكي حسبما كتب جيفري بريسكوت وجوليان جيويرتز (مجلة فورين أفيرز) قالا فيه إن بكين قد تحولت من موقف دفاعي إلى موقف أكثر انتهازية واستراتيجية؛ وذكرا أن السؤال الأهم الذي لم تجب عليه إدارة ترامب الثانية هو كيف سيؤثر رفضها الصريح للنظام العالمي القائم على الاستراتيجية الدولية للصين، حيث وصف وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو هذا النظام بأنه «عفا عليه الزمن» و»سلاح يُستخدم ضد» الولايات المتحدة، وفي خطابه في الأمم المتحدة في 23 سبتمبر انتقد الرئيس دونالد ترامب هذه المؤسسة «العولمية» بشدة لأنها «خلقت مشاكل جديدة علينا حلها».
في الأشهر الأولى من هذا العام، بدا رد بكين على هجمات واشنطن على النظام الدولي حذرًا ومدروسًا في الغالب.
يستشهد فريد زكريا بأمثلة على تقدم الصين مقارنةً بتراجع الولايات المتحدة، على سبيل المثال، «في الشهر قبل الماضي، بينما اتهم الرئيس ترامب الدول في الجمعية العامة للأمم المتحدة بالفشل الذريع وهاجم الأمم المتحدة لعدم توظيفها لتجديد مقرها الرئيسي قبل عقود، أطلق الرئيس شي جين بينغ مبادرته للحوكمة العالمية، بمناسبة الذكرى الثمانين للأمم المتحدة، واقترح تعزيز النظام متعدد الأطراف على مختلف الأصعدة، مما يجعل بكين قوة عظمى بناءة تُحدد أجندتها».
في كتابه الصادر عام 2017، وصف سكوت كينيدي، الخبير في الاقتصاد الصيني، الصين بأنها «تنين تكنولوجي ضخم»، يستهلك كميات هائلة من الموارد ولكنه لا يُنتج سوى شرارات قليلة من الابتكار، موضحاً أنه إذا لم تتوخَّ الدول الرائدة في مجال التكنولوجيا المتقدمة الحذر، فقد ينتهي بها المطاف تحت نير هذا التنين التكنولوجي الضخم؛ بينما الدول الغربية كانت تتهم الصين بسرقة ابتكاراتها دون مراعاة حقوق الملكية الفكرية.
لقد تعافى هذا التنين الضخم ببطء، ليصبح من أكثر دول العالم ابتكارًا، وفقًا للتصنيف العالمي المذكور في المقدمة، ليتحول التنافس التكنولوجي بين الولايات المتحدة والصين إلى صراع شرس على الريادة في التقنيات الرئيسية (مثل الذكاء الاصطناعي والحوسبة الكمية وأشباه الموصلات والطاقة المتجددة)، حيث لا تكتفي الصين بمواكبة التقدم الغربي فحسب، بل تعمل على تجاوزه في بعض المجالات، بينما تحاول واشنطن الحفاظ على هيمنتها من خلال القيود والتصنيع المحلي، مما يخلق حروبًا تجارية وتكنولوجية، لا سيما في سلاسل التوريد وتأمين الموارد، حيث يسعى كل جانب إلى فرض معايير وقواعد لمستقبل العالم الرقمي.