"ترانه": وثائقي إيراني يتحول إلى مانيفستو الثورة
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
شعار حركة "المرأة، الحياة، الحرية" الذي رفعته المعارضة في إيران، لم يكن اعتباطياً في ترتيبه، بل كان تعبيراً عن أن التغيير الآتي سيكون بيد المرأة، تماشياً مع الرغبة في التمتع بالحياة والحصول على مزيد من الحريات الفردية. ورغم أن هذا الشعار لا يبتعد عن أدوات الحروب الجديدة التي جعلت من وسائل التواصل الاجتماعي ومحتوياتها بديلاً من القادة محرّكي الثورات، فإنه ليس ضرباً من الخيال، بل يأتي تلبيةً لاحتياجات المجتمع الإيراني نحو التغيير والرفض في مواجهة مركزية السلطة التي تستبد بسلوك الأفراد.وُلدت تلك الحركة من رحم قضية الشابة مهسا أميني، في أيلول/سبتمبر 2022، بعد مقتلها أثناء التحقيق معها من شرطة الأخلاق لعدم ارتدائها الحجاب، ما جعل من رفض الحجاب الإلزامي رمزاً للحرية التي تنادي بها الأجيال الجديدة في إيران، ولم تنطفئ جذوتها حتى الآن، إذ اتسعت حرية الحجاب في البلاد، وغادرت دوريات الإرشاد الشوارع، وتُدافع الآن الحكومة الإصلاحية برئاسة مسعود بزشكيان، أمام ضغوط المتشددين، عن عدم تطبيقها قانون الحجاب، بسبب حساسية الأوضاع والأزمات الداخلية والخارجية التي تعيشها إيران.لكن الرواية الأخرى تشير إلى أن إيران محاطة اليوم بتحولات متسارعة، سواء على المستوى الاقتصادي أم الاجتماعي، تدفعها إلى حتمية التغيير. فالشباب الإيراني يُشيد بالنجاحات التنموية التي حققتها دول محيطة به، على رأسها دول الخليج العربي، التي لا تدير سلطاتها معارك معلنة مع مجتمعها الداخلي، بل تركز على أهدافها التنموية. وهو ما يدركه الإصلاحيون ويقاتلون من أجله في إيران، فعقلية الماضي لم تعد تصلح لقيادة الحاضر نحو المستقبل. مانيفستو "ترانه""ترانه"، بمعنى الأغنية، هو فيلم وثائقي تناول جانباً من حياة الفنانة الإيرانية الشهيرة ترانه عليدوستي، أعدّته المخرجة بيجاه آهنجراني فراهاني، وبثته شبكة "بي بي سي" البريطانية الأسبوع الماضي، ليصبح الفيديو الأكثر مشاهدة لعام 2025 على صفحات "إنستغرام" الفارسية. وقد بدا بمثابة مانيفستو جديد لثورة المرأة الإيرانية من الداخل، ولذلك لاقى هجوماً شديداً من المتشددين والتيارات القلقة. فعليدوستي لم تغادر بلادها منذ الإفراج عنها بعد اعتقالها عام 2022، وقد أعلنت خلال الفيلم ابتعادها عن السينما الإيرانية إذا لم يُسمح لها بالعمل من دون حجاب، وهو ما عُدّ محاولة لتطبيع مكتسبات حركة حرية الحجاب عبر شكل جديد من الاحتجاج.كما أن صورة الجسد المنهك التي بدت على ملامح الفنانة التي أسرتْ قلوب الإيرانيين في أعمال مثل "بشأن إيلي" و"شهرزاد"، كانت بمثابة نصّ المانيفستو، بعد ما أصابها جراء السجن وأزماتها النفسية التي أورثتها أمراضاً جسدية، وهو حال كثير من المعتقلين في إيران، وكأن صورتها بيان لحال البلاد. وحتى حديثها عن فزع ابنتها حنّا ومأساة لحظة اعتقالها في منزلها، عبّرا عن قلق الآباء على مستقبل أطفالهم.وعليدوستي ليست شخصية سياسية تدعو إلى ثورة دموية، لكنها لا تتردد في إبراز مواقفها الحقوقية والإنسانية، كما تقدم مفهوماً للحركة النسوية بصفتها دعوةً إلى المساواة والعدالة لا عداءً للرجال. فتقول: "إذ كانت النسوية هي نفسها تلك الطائفة المعقدة المعادية للرجال وللحياة الأسرية التي قيل لنا عنها، فارفضها".ويبدو أن المتشددين فهموا رسالة فيلمها، وهو ما ظهر في شدة هجومهم عليها، حتى حذّر بعضهم من اغتيالها. ويأتي الاستقبال الواسع لفيلمها في سياق الحاجة إلى سرد تجارب المعاناة المشتركة. كما أن رسالتها تمثل دعماً للتيار الإصلاحي، فقد جاءت بالتوازي مع مانيفستو آخر أطلقه الزعيم الإصلاحي محمد خاتمي يؤكد أن الحل يكمن في الإصلاح لا في الانقلابات أو الحركات الراديكالية.