حصانة رجال الدين في لبنان: الشيخ عريمط نموذجاً
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
مما كتب رجل الأعمال الإماراتي خلف الحبتور على حسابه الشخصي على فايسبوك: "لقد عرفتُ فضيلة الشيخ القاضي خلدون عريمط منذ سنوات طويلة، لا من موقع عابر، بل من خلال تعامل مباشر ومتواصل في محطات إنسانية ووطنية كثيرة. عرفته شيخاً فاضلاً يحترم موقعه، وإنساناً يقدّر مسؤوليته، ورجلاً قدّم للبنان الكثير بصمتٍ وأمانة (...)". لا يهمني كثيراً مآل الشيخ خلدون عريمط الذي عرفته شخصياً معرفة سطحية منذ زمن بعيد، إذ إن في البلد عشرات أو مئات مثله، علماً أنني لا أريد استباق التحقيق القضائي إذا كان ممكناً أمام الحصانات التي يتمتع بها رجال الدين. وهنا بيت القصيد: السؤال الذي يطرح باستمرار عن تحالف السياسة والدين. التلطي بالطائفية في لبنان، ليس إلا وسيلة لحماية المواقع والمكاسب والمفاسد. يلجأ الفقير و"الآدمي" إلى الكنيسة والمسجد للقاء ربه، للصلاة، لطلب الرحمة. ويقصد الغني والسياسي والفاسد المسجد والكنيسة لتصدّر المشهد، وتلميع الصورة، وطلب الحصانة والحماية، لا من الله، بل من المحتفل بالصلاة الذي غالبا ما تربطه به علاقة مصلحة ومنفعة. وإذا كان التعميم في ذاته خطيئة، لأن فيه حكماً مبرماً على رجال دين وسياسيين من أصحاب الكفاية والأخلاق والسيرة الحسنة، فإن تكاثر الحالات الفاسدة إنما يضرّ بالخيّرين ويأخذهم بجريرة الآخرين. بالأمس أثيرت قضية الشيخ خلدون عريمط، وهو شيخ معمّم، وقاضي شرع في الوقت نفسه، وإلى ذلك موظف في الدولة يتقاضى راتباً شهرياً من الخزينة العامة. عقد عريمط مؤتمراً صحافياً للدفاع عن نفسه، وحرّك مقربين ومناصرين للدفاع عنه، وأطلقت نداءات من بوابة "يا غيرة الدين"، لكنه حتى الساعة لم يستجوب، ولم يخضع للتحقيق، ولا للتوقيف الاحتياطي، فقط لأنه رجل دين، فيما يقبع "أبو عمر" (شريكه المفترض) خلف القضبان ليحمل على كتفيه القضية وحيداً. و"أبو عمر" ابن المنطقة نفسها، وهو أيضاً سنّي المذهب، كما الشيخ عريمط، لكنه لا يعتمر عمامة ولا ثوباً يقيه البرد والعقاب. هنا تكمن المشكلة. رجل الدين في لبنان فوق القانون. يعتلي المنابر لينادي بالأخلاق، وينتقد السياسيين، ثم لا يلبث أن يتواطأ معهم، في مشروع حماية متبادلة. يعتقد أن لباسه يمنحه حصانة تسمح له بتخطي القوانين وتجاوز الأنظمة.قبل نحو ثلاثة أشهر، جلست في عشاء قبالة رجلَي دين، وقد توجه الجالس بقربي إلى أحدهما، وهو مسؤول عن الأوقاف، بتهمة التغطية على سرقتها ومصادرتها من أحد رجال السياسة، ليحولها ملكاً خاصاً يتوارثه مع أبنائه، فأجاب رافعاً عنه المسؤولية، ليلقيها على الجالس بقربه لأنه يتولى مسؤولية قضائية. فإذا بالأخير يبتسم ساخراً، وهازاً برأسه ليقول "وين كنا وقت كنتو سوا". هكذا ينكشف المشهد، والأمثلة كثيرة. رجل دين بارز يدافع عن المصرفيين لأنهم يموّلون سفره ورحلاته على متن طائرة خاصة، ولا يدين سرقتهم ودائع المؤمنين من رعاياه. ورجل دين آخر يتهم بالتحرش الجنسي فيُنقل إلى موقع آخر من دون محاسبة. ورئيسة أحد المستشفيات الكبيرة تستبدل دواء السرطان بمياه مالحة، وتبيع الدواء الأصلي لمنفعتها الشخصية، فتقرر المؤسسة التي تتبع لها، إبعادها إلى دير بعيد نسبياً عن العاصمة، كأنها بذلك تعوّض حياة مرضى قتلوا من جراء جريمتها. ورجل دين يسرق الأوقاف لمصلحته مع أقربائه، ولا يجرؤ أحد على مواجهته علناً، بل يبقى الاعتراض بصوت خافت. حتى عندما يطلب الإنتربول أو قضاء دولي ملاحقة رجل دين في لبنان، تغض السلطة النظر، وكأنها صماء بكماء، لا تدري بحاله ولا بمكانه. حصانات بالجملة، وحمايات متبادلة، ومصالح مشتركة. بعض الأمور يمكن أن تجد لها تبريراً في السياسة، لا في المؤسسات الدينية التي يفترض أن تكون البوصلة لحماية المجتمع. في لبنان، لا محاسبة ولا تدقيق مالياً... ولا أخلاقياً، وهذا هو الأخطر.