جريدة الجرائد

"الإخوان المسلمون"… حين يتحوّل التحالف إلى خراب الدولة

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

لم تكن تجارب التحالف بين بعض الدول أو السلطات السياسية وتنظيم "الإخوان المسلمين" مجرّد أخطاء تكتيكية عابرة، بل تحوّلت في كثير من الحالات إلى منعطفات تاريخية قادت إلى تفكك الدولة، وإضعاف مؤسساتها، وتعميق أزماتها. واللافت أن النتيجة تكاد أن تكون واحدة، مهما اختلفت الجغرافيا أو السياقات السياسية. في البداية، يُقدَّم "الإخوان" كحليف “منظّم”، يمتلك قاعدة شعبية، وشبكات اجتماعية، وقدرة على الحشد. بعض الدول رأت فيهم أداة جاهزة لملء الفراغ، أو لمواجهة خصوم داخليين، أو لتوسيع نفوذها الإقليمي. لكن ما بدا تحالفاً ذكياً في لحظته، انقلب سريعاً إلى عبء ثقيل على الدولة والمجتمع. المشكلة الجوهرية أن "الإخوان" لا يعملون بمنطق الدولة الوطنية. فهم تنظيم عابر للحدود، ولاؤه للتنظيم قبل الوطن، ويعتبر السلطة مرحلة في "مشروع أكبر"، لا شراكة متوازنة داخل نظام سياسي. لذلك ما إن يتم تمكينهم حتى يبدأ الصدام مع مؤسسات الدولة ومع القضاء ومع الإعلام، ومع بقية القوى السياسية، بل مع المجتمع نفسه. تجارب المنطقة خلال العقدين الأخيرين تقدّم شواهد واضحة. في دول جرى تمكين "الإخوان" فيها سياسياً، شهدنا محاولات "أخونة" المؤسسات، وإقصاء الكفاءات، وتسييس الدين بشكل مناف لما يدعو إليه الإسلام من تسامح وترسيخ الأخلاق الحميدة، وخلق استقطاب حاد داخل المجتمع. وفي دول أخرى تحالفوا فيها مع السلاح أو الميليشيات، تحوّلت السياسة إلى فوضى، وتفككت الدولة لصالح منطق القوة. والأخطر من ذلك أن "الإخوان" لا يكتفون بإضعاف الداخل، بل يجرّون الدولة إلى عزلة خارجية. فخطابهم الإقصائي، وصلاتهم التنظيمية، وازدواجية مواقفهم، تجعل الشركاء الدوليين أكثر حذراً، وتُفقد الدولة ثقة المستثمرين، وتضعها تحت ضغوط سياسية وأمنية مستمرة. وحين تدرك الدولة خطورة هذا المسار وتحاول التراجع، يكون الثمن أكبر. فالتنظيم الذي استفاد من هامش الحرية والتحالف يتحوّل إلى خصم شرس يستخدم الشارع والإعلام والخطاب الديني المشوه، وربما العنف، لقلب الطاولة على من تحالف معه بالأمس. وهكذا تدخل الدولة في دوامة استنزاف طويلة، كان يمكن تجنبها من البداية. "الإخوان" ليسوا مشروع بناء دول بل مشروع أزمات. لا يقدّمون نموذج حكم ناجحاً، ولا ينتجون تنمية، ولا يصنعون استقراراً. حيثما وُجدوا في السلطة أو على هامشها تتراجع الدولة ويضعف الاقتصاد وينقسم المجتمع ويتأخر المستقبل. لهذا، فإن توجيه البوصلة نحو الدولة الوطنية، والمؤسسات الشرعية، والمواطنة المتساوية، هو الخيار الوحيد لتجاوز الفوضى والخراب. أما الرهان على تنظيمات أيديولوجية عابرة للحدود، فقد أثبتت التجربة أنه رهان على الفوضى مهما طال الزمن.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف