فضاء الرأي

الخيارات الصعبة التي تنتظر المغرب

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

في يوم 16 يناير 2017 تم في المغرب انتخاب السيد حبيب المالكي رئيساً لمجلس النواب بعد حصوله على 198 صوتا مقابل 137 ورقة بيضاء و امتناع 7 نواب، و مقاطعة 46 نائبا من حزب الاستقلال . و الرئيس المنتخب ينتمي  لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية الحاصل علي حوالي 5 ٪ من الأصوات في انتخابات 7 أكتوبر 2016. لكن المثير للاهتمام في هذا الانتخاب هو موقف حزب العدالة و التنمية الذي لم يتجرأ على تقديم مرشح يمثله و اكتفى بالورقة البيضاء.

في  هذا المقال لا نريد التدخل في نتائج الانتخابات، فنجاح أحزاب الإدارة في تجميع صفوفها و تقديم مرشح ينتمي إلى أحد أهم أحزاب الكتلة الديمقراطية، واختيار رجل أكاديمي يحظى بقدر من الاحترام و التقدير يثير الكثير من الاستفهامات، و يعطي لمسلسل تشكيل الحكومة بعدا  دراميا مشوقا. 

وقد علل حزب العدالة و التنمية عدم تقديم مرشح للتباري على منصب رئيس مجلس النواب و التصويت بالورقة البيضاء بالرغبة في عدم التأثير على مشاورات تشكيل الحكومة، بينما أعرب حزب الأصالة و المعاصرة على أن دعمه لمرشح الاتحاد الاشتراكي كان نتيجة لطلبه المساندة في البرلمان ، بينما أحجم حزب العدالة و التنمية عن طلب مساندتنا ". كما أن التعجيل بانتخاب رئيس مجلس النواب قبل حسم تشكيل الحكومة جاء كضرورة ملحة لانضمام المغرب للاتحاد الإفريقي .

و بغض النظر عن هذه الحجة أو تلك، لابد من الإقرار أن المغرب يعرف مسار ديمقراطي صوري مشوب بالعديد من الاختلالات، فشكليا الانتخابات تنافسية و دورية و شفافة إلى حد ما، لكن بالرجوع إلى المعطيات العملية و الواقعية ندرك أن التجربة المغربية لا تختلف  كثيرا عن ما يحدث في باقي بلدان الإقليم، فالقاسم المشترك هو تغييب الإرادة العامة في اختيار الحاكم و فلسفة الحكم. فعلى الرغم من تغني المخزن و السلطات الحاكمة بإصلاحات مابعد 2011 و الترويج للمغرب كواحة ديمقراطية في فضاء غير مستقر، إلا أن الواقع يكذب هذا الادعاء و أن الاستقرار هش و الإصلاحات لا ترقى لمستوى التحديات التي تواجه البلاد ككل .

فتعثر تشكيل الحكومة بعد مرور حوالي ثلاثة أشهر من انتخابات 7 أكتوبر و انتخاب رئيس مجلس النواب من المعارضة وقبل حسم الأغلبية الحكومية هو نتاج طبيعي لعاملين؛

- نمط الاقتراع المعتمد يقود حتما إلى أغلبية هشة وغير منسجمة.

- زواج التجارة بالسلطة ، فمن يملك المقدرات الاقتصادية يستطيع التأثير في القرار السياسي لاسيما في ظل ضعف آليات المراقبة و المساءلة  و إنفاذ القانون.

 

و بخلاف العديد من التحليلات التي مصدرها المغرب ، فإننا نعتبر أن التحدي الذي يواجه المغاربة هو ضرورة تحقيق إصلاح سياسي حقيقي لا سيما في جانب فصل السلط و توزيع المسؤوليات و تدعيم المساءلة و فصل التجارة عن السلطان . فالمغرب اليوم أمام تحدي كبير وهو الحفاظ على وحدته الترابية، هذا إلي جانب تحدي تحقيق التنمية و الحد من  معدلات البطالة و الفقر و اللاعدالة في توزيع الثروة ...

فخلافا لأطروحة السلطة التي تقول بأن المغرب استطاع الخروج من عنق الزجاجة، فإن الملاحظ المحايد يقول بعكس ذلك، فأغلب المؤشرات تشير إلى أن المغرب لم يخرج بعد من المنطقة الحرجة ..

إن مستقبل المغرب و تماسكه مرتبط بأجندة مغايرة لما يتم تبنيه حاليا : نتفق جميعا على أن الوحدة الترابية للبلاد خط أحمر لأحد له الحق أو القدرة في التنازل أو التفريط في شبر من التراب المغربي، كما أن أمن البلاد و استقراره مطلب لابد منه ، لكن ما يحدث الآن من إهمال لرأي الأغلبية الصامتة و تهميش تطلعاتهم و استمرار سياسات الريع و اتساع الفجوة بين  المحظوظين و المنبوذين، و الأغنياء و الفقراء و تأكل الطبقة الوسطي و انحدارها إلي الهامش كلها أمور لن تقود إلا لعكس مايريده  المغاربة.

فالتحدي ليس فقط الانضمام إلى الاتحاد الإفريقي فالمغرب كان من المؤسسين لهذا المنتدى القاري، و خروجه من منظمة الوحدة الإفريقية سابقا و الاتحاد الإفريقي حاليا، كان احتاجا على قبول عضوية الجمهورية الصحراوية بالاتحاد ، فالأمر لم يتغير فهذه الجمهورية لازالت عضوا و ملف الصحراء لازال على حاله.

الانتصارات الوهمية لن تحقق إرادة المغاربة في الأمن و الرفاه و الوحدة ، فالبلاد في حاجة إلى إصلاحات جذرية و لابد من الانفتاح على الأغلبية الصامتة التي رفضت النزول في انتخابات٧ أكتوبر، لاسيما و أن العاهل المغربي الملك محمد السادس قد  أعلن قبل و بعد 7 أكتوبر أنه لا يصوت و لا ينتمي إلى أي حزب و أنه  ملك للمصوتين و للمقاطعين .

وهذا الموقف الملكي تم تأكيده بعد الإعلان عن نتائج الانتخابات و تعيين السيد بنكيران رئيسا للحكومة بعد حصول حزبه على الرتبة الأولى، و على خلاف العديد من المحللين اعتبر أن عجز السيد بنكيران عن تشكيل الحكومة أمر طبيعي، فلا أحد في ظل نظام الاقتراع الحالي يستطيع تحقيق الأغلبية المطلقة، كما أن استمرار الحزب و أمينه في الترويج لخطاب المظلومية والتحكم لا يعفي السيد بنكيران من تحمل المسؤولية تجاه من انتخبوه و تجاه المقاطعين ، فهل بعد مرور 3 أشهر من المشاورات لم يستطع السيد بنكيران إيجاد من يتحالف معه ،و إذا كان الأمر كذلك لما لا يقدم اعتذاره و يدعو إلى انتخابات مبكرة؟ .

فتعثر تشكيل تحالف حكومي  أمر جد وارد فهو يحدث في الديمقراطيات العريقة كايطاليا و يحدث حتى في الديمقراطيات الناشئة كتركيا و اليونان ، إذ يتم  اللجوء  إلى  انتخابات  مبكرة من أجل  حسم  الخلاف. و في الحالة المغربية  و على الرغم مما يشوب التجربة  من نواقص فليس هناك مانع  يحول دون اللجوء  إلى انتخابات  مبكرة  شريطة تقليص حجم الإنفاق العمومي الموجه للأحزاب و للدعاية الانتخابية وتحميل الأحزاب القسط الأكبر من هذه  التكاليف، مع تعزيز المراقبة على التعاملات المالية للأحزاب  و تدعيم دور المجتمع المدني  في  مراقبة  العملية الانتخابية  ككل...

و حتى لو تمت انتخابات مبكرة فإن الحزبين الأول و الثاني بموجب نتائج 7 أكتوبر لن تتغير نتائجهما كثيرا، وستستمر حالة الاحتقان و الاستقطاب، لكن خطوة اللجوء إلى الاحتكام لصناديق الانتخاب ستمثل درسا جديدا في الممارسة السياسية، قد تقود إلى حراك سياسي حقيقي يدفع الأغلبية الصامتة إلى التعبير عن تطلعاتها في إقامة حكم رشيد و بناء ديمقراطية حقيقية، و إصلاحات دستورية واضحة المعالم تقطع مع الاستبداد و احتكار السلطة و زواج السلطة بالمال و هي الخيارات الصعبة التي تنتظر المغرب في القادم من الأيام ...

 

 

 

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف