كتَّاب إيلاف

المثقفون وحب تونس

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

أعرف سيدة ألمانية عاشقة لتونس عشقا عجيبا. لذا تتعدّد زياراتها لها أكثر من مرة في السنة الواحدة. وهي تحب أن تأتيها بالخصوص في فصل الخريف والشتاء والربيع. أما الصيف فتتجنبه لكثرة ضجيجه. وغالبا ما تقضي أكثر من ثلاثة أشهر في مدينة المهدية حيث الهدوء والسكينة و والبحر الجميل. وقد عاينت أنها تدمن على قراءة الكتب التي تتحدث عن تاريخ تونس، وعن عاداتها وتقاليدها.
وكانت هذه السيدة الألمانية التي تقيم في ضواحي مدينة ميونيخ ، قد زارت بلدانا متوسطة كثيرة مثل اليونان، وتركيا، وإيطاليا، وإسبانيا،إلّا أنها ترى أن تونس هي الأجمل بين كل هذه البلدان. ورغم أنّها لا تتكلم سوى لغتها الأم، فإنها تمكنت من ربط علاقات وثيقة مع أهالي المهدية حتى أن هؤلاء أصبحوا لا يترددون في دعوتها إلى حفلاتهم الخاصة. وخلال زيارتها الأخيرة إلى تونس في الربيع الماضي، تناولنا الغداء في مطعم صغير بالحمامات. وعلى مدى ثلاث ساعات تقريبا، ظلت تونس بتاريخها، وعاداتها، وتقاليدها، وثقافتها ، موضوعا لحديثنا الشيق والممتع. وقد قالت لي السيدة الألمانية بإن ما جذبها إلى بلادنا هو بساطة العيش فيها. وجميع الذين تعرفت عليهم في المهدية أو في مدن أخرى، طيّبون، وكرماء. ورغم حاجز اللغة، فإنها تمكنت من أن تنفذ إلى خفايا حياتهم. أمّا الشيء الآخر الذي فتنها فهو التنوع الثقافي والحضاري. فعندما يطوف السائح في تونس، يجد نفسه أمام معالم وآثار الحضارات والثقافات التي تعاقبت عليها في مراحل مختلفة من تاريخها القديم والحديث.
ظلت السيدة الألمانية تتحدث عن تونس بحماس وإعجاب ، ثم فجأة توقفت عن الحديث. وها أنا ألمح سحابة أسى على ملامح وجهها، وفي عينيها الرماديتين. بعد لحظات من الصمت، قالت لي:» لكن هناك بعض المظاهر تؤلمني وتحزّ في نفسي كثيرا!»...بعدها راحت السيدة الألمانية تستعرض المظاهر التي لم ترقْ لها في بلادنا. وأولى هذه المظاهر هو قلة العناية بالبيئة والنظافة. وهذا ما عاينته في المدن الكبيرة وفي القرى الصغيرة. كما عاينته في الحدائق العامة، وعلى الشواطئ، وفي الحقول، والمزارع.، وفي أماكن كثيرة أخرى. وتعتقد السيدة الألمانية أن جل التونسيين ليسوا واعين بما فيه الكفاية بالتعدد الحضاري والثقافي لبلادهم. لذا هم يتعاملون مع هذا التنوع بكثير من اللامبالاة والإستخفاف.وبشيء من الغضب، قالت السيدة الألمانية:»إسمح لي بإن أقول لك بإن مثل هذه المظاهر تجعلني أشك في أن هؤلاء يحبون بلادهم حقا".
وأظن أن السيدة الألمانية على حق في ما ذهبت إليه. فأنا أيضا أعيش صدمات يومية تقريبا بسبب قلة العناية بالبيئة والنظافة، والذي إزداد إستفحالا خلال السنوات الأخيرة بسبب الفوضى، وإنعدام الأمن، وعدم إحترام عدد كبير من المواطنين للقوانين. فهم يعتقدون أن "ثورة الحرية والكرامة" التي أطاحت بنظام بن علي في مطلع عام 2014 تبيح لهم أن يفعلوا ما يشاؤون وما يريدون. لذا هم لا يترددون في إلقاء الفضلات في الشوارع، وفي الساحات، وأمام البيوت. كما يسمحون لأنفسهم بتخريب الحدائق العامة، وتشويه المعالم الأثرية، وتحطيمها، وفي تحويل الأرصفة إلى موقف لسياراتهم.. وأغلب بيوت النظافة في المطاعم وفي المقاهي والملاهي مخربة ومعطلة ووسخة. وهناك محطات نقل لا يجد فيها المسافر مكانا واحدا للإستراحة أو لقضاء شؤونه الخاصة. وفي العاصمة ، وفي أغلب المدن الكبيرة الأخرى ، ثمة شوارع يتحاشى الإنسان السير فيها بسبب الفضلات المتراكمة، والروائح الكريهة المنطلقة منها. وعلى جوانب الطرقات ، يشاهد المسافر أعدادا وفيرة من العلب ومن الأكياس البلاستيكية. لكأن بعض التونسيين يجدون متعة في تخريب طبيعة تونس الجميلة ، وتشويه مدنها، وحدائقها، وشواطئها، وغاباتها، ومزارعها.
والأمر لا يتعلق فقط بالعناية بالبيئة والنظافة، بل هناك مظاهر أخرى أشد خطرا على البلاد والعباد. فخلال السنوات العجاف الماضية، برز في الساحة السياسية شعبيون وثورجيون متفننون في زرع الفتنة والفرقة بين التونسيين. ومستغلين ضعف الدولة، هم لا يترددون في إثارة النعرات القبلية والعشائرية لتمزيق أوصال تونس، وجعلها مسرحا للإقتتال الدموي. وهذا ما تعكسه أحداث كثيرة في مناطق مختلفة في الجنوب التونسي. كما استفحلت مظاهر الفساد، وكثر المفسدون الذين يعملون على تخريب الإقتصاد الوطني، وتدميره. وثمة أحزاب ومنظمات لا عمل لها سوى تأجيج المشاعر البدائية، وتحريض الناس على نشر الفوضى والخراب في كل مكان. وجميع هذه المظاهر سوف تكون عائقا كبيرا أمام بناء الدولة المدنية والديمقراطية التي يطمح إليها التونسيون منذ أمد طويل.
والمؤسف جدا هو صمت المثقفين عن كل هذه المظاهر السلبية والخطيرة. فنحن لا نقرأ لهم ما يبرز حبهم لّتونس الجميلة" التي تغنى بها الشابي في جل قصائده. كما لا نقرأ لهم ما يفيد أنهم معنيون حقا بحاضر تونس ومستقبلها. وفي ه الصيف الماضي،أتت حرائق على غابات مناطق الشمال، فلم تتحرك همم المثقفين للتنديد بهذه الأعمال الإجرامية. ونحن نعلم أن جل الأحزاب التي تتحرك في المشهد السياسي راهنا، تعمل على إقصاء المثقفين وإبعادهم، وحرمانهم من المساهمة الفعلية في بناء المجتمع الجديد الذي يطمح إليه التونسيون. إلاّ أن هذا لا يمكن أن يبرّرَ بأي حال من الأحوال صمت المثقفين،و استقالتهم. فالمثقفون هم دائما وأبدا ضمير شعبهم ومجتمعم. لذا يجدر بهم أن يكونوا دائما وأبدا في قلب الأحداث ليثبتوا أن الحب الحقيقي لتونس ليس كلاما معسولا يطلق في الهواء، وإنما لا بد أن يكون فعلا في الواقع الملموس أولا وأخيرا. 

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
شجرة البرقوق
جبار ياسين -

ومن لا يحب تونس وأهلها البر خصوصا . تونس الجميلة طيبة بطبيعتها وأهلها وزهرة الياسمين . حتى تجارها في غاية الطيبة والود ، وذلك نادر في البلدان . اطفالها يجيدون لغات شتى ، ولو بضع عبارات من كل لغة .من جنوبها لشمالها . تونس ببرشتها باهية ، فالبرشة هي البركة ومنها بركة البرقوق . مازلت اذكر شجرة برقوق تمد اغصانها ، المحملة بالثمر ، خارج سياج البيت . قطفت منهرة ثمرتين . واحدة لي وأخرى لزوجتي. مازال مذاق البرقوق على لساني. يا ليتني كنت قيروانيا؟ او من صقالبة البحر او من كوفتها الصغرى حيث بحار الرمال؟؟

ابحث عن التعليم والدين
فول على طول -

من الأجدر أن تتكلم عن الذين أمنوا حيث أنك واحد منهم وتعيش فى وطن المؤمنين ...بالتأكيد أنت تعرف ثقافة الكراهية التى يرضعها المؤمن منذ ولادتة ...الوطن هو الاسلام أما الوطن الأرض فهو تراب عفن ...لا تشترى من الكافر ولا تتعامل معة ...لا تذهب للطبيب الكافر ولا التاجر الكافر ..مطلوب وظيفة بشرط أن يكون المتقدم للوظيفة يؤدى الفروض .. والحاكم كافر ومستبد الخ الخ ..من هذة الثقافة ينشأ المؤمن كارها لكل شئ ...للوطن ومن فى الوطن وللجيران وحتى أقرب الناس لة بحجة أنهم لا يؤدون فروض اللة وكأنة وكيل عن اللة فى الأرض ...كل هذة التعاليم موجودة فى اللوح المحفوظ وظهرت على السطح فى سبعينات القرن الماضى أى أن هذا الجيل كلة وأولادهم وأحفادهم أجيال كراهية وغير قابلة للعلاج ...انتهى - وحتى عندما يذهب المؤمن فارا وهاربا من بلاد الايمان فهو كارة جدا للبلد التى أحتضنة وأعطاة كامل حقوقة لأنها بلاد كفار ولا ولاية للكافر على المؤمن ...والولاء والبراء ..وأموالهم ونساؤهم غنيمة للمؤمنين ..والمؤمن يفجر نفسة فى بلاد الكفار ويقتل أخرين وكلما كان عدد قتلاة أكثر فهذا يضاف الى حسناتة وعدد أكثر من الحوريات والولدان والخمر والعسل ..فلا تستغرب تخلف بلاد المؤمنين وانتشار الزبالة فى كل ركن وهدم الأثار لأنها تراث كفار الخ الخ ...نؤكد لكم أنة مفيش فايدة طالما تتعاطون هذة التعاليم . ربنا يشفيكم من الشعوذة قادر يا كريم .

تونس ياسمينة
جبار ياسين -

ومن لا يحب تونس وأهلها ؟ بلاد محبة لكل قريب و بعيد . بلاد فرح . زهرة الياسمين فيها شعار . برشة البركات الأبريكو . برقوق مبروش على الأرض فصارت البرشة هي الكثرة . اذكر شجرة برقوق ، مشمش الشرق وقمر دينه ، اغصانها ، المحملة بالثمر ، تتدلى خارج السياج ، في ربيع بعيد . قطفت ثمرتين ، واحدة لي وأخرى لزوجتي . مازال طعمها بعد سنين على لساني . ما اجمل القيروان وأهلها والوهايبي يقرأ شعر ه .وا لصقالبة وبحرها ونبعها الساخن يأتي من الجبل وابن عثمان يضحك ، والكوفة الصغرى تطل على بحار الرمل ويوسف الصديق يروي عن علي . نفطة ، آه نفطة وحرب نجومها .للبحر زرقته وللنوافذ لونه ولزهرة البيغونفليا شذاها في المساء والصغيرات يضحكن على شاطي سيدي بو سعيد وفريد بلحيته يغني مواله . لدغته حية ذلك الذي لا يحب تونس وأهلها . كرام والله كرام و زيتونها اطيب من زيتون مالقا و حواشي الأندلس/ علوشها يثغو بين حقول الفلفل والسلاحف تعبر الطريق زحفا بين الصغار في سلام عجيب .لا تتركوا تونس للقمامة . نظافتكم بحجم ايمانكم والنظافة من الأيمان .