خوان غويتوسولو مُنْصفا جان جينيه بشأن الفلسطينيين
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
الإسباني خوان غويتوسولو الذي توفي في ربيع العام الحالي في مراكش عن سنّ تناهز 87 عاما، بعلاقة صداقة متينة مع الكاتب الفرنسي جان جينيه المدفون مثله في العرائش،شمال المغرب. ويقول خان غويتوسولو إنه إنجذب إلى صاحب ّالأسير العاشق" منذ أول لقاء معه. لذلك سوف يظل قريبا منه ،وعلى تواصل دائم معه حتى وفاته في ربيع عام 1986 في فندق بسيط في الدائرة الثالثة عشر بباريس. كما يعترف أن جان جينيه حرّره من عقده الموروثة عن تقاليد عائلته الكاثوليكية المحافظة، وأتاح له التمعق في اختبار نفسه،وتجاربه الخاصة بعيدا عن التيارات الأدبية والفكرية التي كانت تهيمن على المشهد الثقافي الفرنسي في النصف الثاني من القرن العشرين.
ومعلوم أن جان جينيه أحب العالم العربي منذ أن كان جنديا في الجيش الفرنسي في دمشق في الثلاثينات من القرن الماضي. وفي سيرته"مذكرات لص"، هو يروي أن المدينة التي كانت تفتنه أكثر من غيرها في سنوات شبابه عندما كان يعيش التشرد والجوع، هي طنجة. فلما حصل على الشهرة ،بدأ يتردد على هذه المدينة ليرتبط بعلاقات مع بسطاء الناس في مختلف مدن المغرب،موصيا في النهاية بأن يدفن في العرائش. و في السبعينات من القرن الماضي، أقام جان جينيه في مخيمات الفلسطينيين. ومن وحي ذلك كتب رائعته"الأسير العاشق" التي صدرت بعد وفاته،والتي كانت وستظل من أفضل وأروع الشهادات الأدبية عن محنة الشعب الفلسطيني. وفي خريف عام 1982، وبعد خروج المقاومة الفلسطينية من بيروت طار جان جينيه إلى لبنان بمساعدة ليلى شهيد التي كانت آنذاك ممثلة لمنظمة التحرير الفلسطينية في باريس، ليكون شاهدا على مجزرة صبرا وشاتيلا ، وليدينها، من خلال نص بديع نشر بعد المجزرة المذكورة ببضعة أشهر.
وبسبب «الأسير العاشق»، ونص ّصبرا وشاتيلا»، شنت وسائل الإعلام الإسرائيلية ،واللوبيات الصهيونية في الغرب،هجومات عنيفة على صاحبيهما، متهة إياه ب»معاداة السامية». وفي كتاب بعنوان»إقامة قصيرة في القدس»، صدر في نهايات عام 2003، هاجم الفرنسي ايريك مارتي جان جينيه ، متهما إياه ب»مساندة الإرهاب والإرهابي»، ومعاداة «ديمقراطية اسرائيل،الدولة «الأفضل والأكثر حرية»بالنسبهة له في كلما منطقة الشرق الألإوسط. وقد بادر الراحل خوان غويتوسولو بالرد على ايريك مارتي بنص حمل عنوان»جان جينيه والفلسطينيون".وفي هذا النص، كتب يقول:» أحدث لي كتاب «إقامة قصيرة في القدس»، نفس ما كان قد أحدثه لي المجلد الضخم لجان بول سارتر الذي حمل عنوان:»القديس جينيه، ممثلا وشهيدا».فالكتابان سقطا من يدي قبل أكمل الثلاثين صفحة الأولى. وإصرار الكاتبين في «عقلنة» أعمال صاحب»مذكرات لص» ،وتقليصها إلى سلسلة من الخلاصات المعدة سلفا ،وربطها بفلسفة هايدغر، وهيغل، وهوسرل ،وكلّ هذا يبدو لي عملا بلا جدوى،ولا نفع من ورائه.فكما لو أننا نسعى لالتقاط مياه البحر بواسطة الشباك. إن جوهر أعمال جان جينيه كما يعبّر عنه هو نفسه، يتملّصُ من القراءة الضيّقة والمُحْبطَة. وفي حالة ايريك مارتي هي قراءة مُشْبَعَة بالغضب المقدس الذي فجّره حسب ما أعتقد ،ردّ فعل الصحافة الفرنسية على "جولة»شارون في فناء المسجد الأقصى.تلك الجولة التي فجرت الإنتفاضة الفلسطينية الثانية(...) وقد استخرج ايريك مارتي من العالم الشعري لجان جينيه المُعَقد والمُتَضمن خليطا غريبا، بعض الخلاصات والقاطعة: جان جينيه معاد للسامية،ويكره دولة اسرائيل،ويحلم بتدميرها!إلاّ أن الأمور ليست بمثل هذه البساطة،ولا بمثل هذا الوضوح. ففي مقالتي التي خصصتها ل»الأسير العاشق»، والتي حملت عنوان:»جان جينيه والفلسطينيون :اللبس السياسي والتجذر الشعري »،كنت قد لخّصتُ المشاعر التي خلّفتْها في نفسي قراءتي لهذا الكتاب، والتي كانت،ويجدر بي التذكير بذلك، قراءة حرة، من أيّ وازع سياسي أو أخلاقي أو فلسفي.إن هذا العمل الذي تركه لنا جينيه يحدثنا عن فشل الثورة الفلسطينية. فالجاذبيّة التي كان يشعر بها تجاه الفدائيين الفلسطينيين ،والذين سوف يتمّ سحقهم في ما بعد، ليس من قبل اسرائيل، وإنما من قبل جيوش عربية، كانت بداية لطريق مزروع بالأشواك وبالمسالك المسدودة وبالقفزات إلى الخلف التي تفقد القارئ اتجاهه تماما مثلما هو الحال في المتاهة الميثولوجية لجزيرة كريت، وتجعله يغضّ الطرف عن ما تبقى حقا من الكتاب:تصفية الحساب مع حياته ذاتها(منذ أن كان طفلا مُهْملا ويتيما وحتى رفضه لوطنه فرنسا)،واكتشافه لحرارة الأمومة من خلال العلاقة بين الفدائي الفلسطيني حمزة ووالدته».ويواصل خوان غويتوسولو مقاله قائلا:»أن «الأسير العاشق». ليس كتابا يتحدث فقط عن الثورة الفلسطينية قبل الإنتفاضتين، واتفاقيات أوسلو، وإنما هو كتاب يولي اهتماما كبيرا لمسائل ولمواضيع اخرى.إنه قاموس للمعرفة فيه نحن نعثر على سمات أساسية للتاريخ البشري :تفكير صادم،ودائما غريب حول الكتابة والذاكرة والمجتمع والسلطة والمغامرة والأسفار والتمرد والإيروسية والموت. وهو تفكير الشخصيات التي تظهر في العمل،وأيضا في تفكير مؤلفه أثناء وضعه للمسات الأخيرة له».ومناقشا أفكار ايريك مارتي بشأن معاداة جان جينيه للسامية، كتب خوان غويتوسلو يقول:» لنعد للنواة الأساسية لأطروحة مارتي، أي إلى المسألة التالية :هل كان جان جينيه معاديا للسامية كما أكد على ذلك سارتر؟ وأنا أقول إنني سمعته يشتم بحدة ،أو أحيانا بنوع من المداعبة ، البورجوازيين البيض، والولايات المتحدة الأمريكية، والشوفينية الفرنسية، واسرائيل. لكنني لم أسمعه يشتم اليهود البتة». وقد ختم خوان غويتوسلو مقاله قائلا:» خلال الستينات والسبعينات من القرن الماضي، دافع جان جينيه عن مشروع دولة فلسطينية لائكية .وهي نفس الدولة التي دعا لها ياسر عرفات،فيها يتعايش المسلمون والمسيحيون على قدم المساواة(وهذا يمكن أن يفترض ذوبان اسرائيل في محيطها العربي ،ثم إختفاؤها كدولة).وقد كنّا من ضمن القلائل الذين آمنوا بقوة بهذا المشروع قبل أن ندرك أنه مشروع مستحيل التحقق. فالضغوطات التي يفرضها التاريخ والعقل ترسم في واقع الأمر حدود حقل الحلم، والسياسة لم تتوقف منذ أمد بعيد عن السباحة بينه وبين صلابة الواقع. إن السلام الذي سيقام في الشرق الأوسط لا بد أن يقوم على احترام الشرعية الدولية ،وعلى اتفاق عادل ودائم بين الدولة الإسرائلية والدولة الفلسطينية المُرْتَقَبَة. وقد عاش جان جينيه، ومات في زمن آخر.وكانت رؤيته الثورية المعقدة والمتناقضة تنتمي إلى مناخ ابتكاره الشعري . لهذا فإن قراءة أولية، وعلى ضوء مذهب فلسفي معيّن، تبدو عملا خاليا من أي جدوى، ومن أية منفعة. وفي النهاية، هو عمل خارج عن الموضوع ،ومحكوم عليه بالفشل الذريع».
التعليقات
آه من الأنصاف ، آه
جبار ياسين -آه لو ان السالمي انصفك مثلما انصف خوان صديق عمره جان وبين العرائش وطنجة مسيرة أيام اليس فيها انس ولا جان فبأي آلاء تتصادقان ؟