فضاء الرأي

ليست مجرد رصاصة، إنها الإنسان!

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك


مبللاً بشهوة الكلمات أقاومُ الكتابة، سبع سنوات، أو أكثر، وأنا على هذه الحال. لستُ ممن يتحدثون عن الجدوى كثيرا، لكن مفردة "الجدوى" دائما ما تضعني في مواجهة عمري الذي أفنيتُه في مواجهة الكتب؛ في تخيل قراء ما خارج الزمان والمكان كي أقول لهم ما كان يقوله رسول حمزاتوف: "كلا، ليس لي عمر. عمري ثانية واحدةٌ وعمري مائة قرن. في ذاتي سذاجة الطفل وعاطفة وطيش الشباب، وحكمة الشيخ. ليس لي عمر".
قبل أيام كنت في ضيافة صديق عزيز في مدينة جدة، شاهدنا فيلما اسبانيا يدور حول مجموعة غير متجانسة يدخلون حانة لدوافع مختلفة، قبل أن يكتشفوا أنهم محاصرون داخل الحانة بسبب وجود شخص يحمل وباء مميتا يسهل انتشاره لمجرد لمس المصاب، هذا المصاب الذي كانت تتبعه الشرطة حتى اذا ما دخل الحانة قررت السلطات تصفيته وتصفية كل من في الحانة معه لمنع انتشار الوباء. الفيلم، بما بين شخوصه من صراعات مميتة دافعها الخوف من الهلاك والرغبة في الحياة أعادني للسؤال الذي كنت أتجاهله كثيرا حول الجدوى. الإنسان؛ ذلك اللغز في عزلته، كما فيه تجمعاته وصراعاته، هل يولد إنسانا حقا؟ أم مجرد آلة بيضاء تتم عمليات تعبئتها لاحقاً ليصبح: آلة حب؟ أو حتى آلة قتل؟. المؤكد أن الإنسان ليس محايدا أبدا إلا في لحظة ولادته، ثم عليه أن يلحق بركب المتحولين.
إننا، غالبا، نفترض أن حياتنا محكومة بعدد من الصراعات والتقاطعات والمنافع المتبادلة. ربما لا يفكر أحد في أن هناك سيناريوهات أخرى للحياة، العزلة، على سبيل المثال، عبارة عن حياة تحاول تجنب التقاطعات؛ الألم وحتى الحب، لكنها حياة موجودة بوصفها اكتمالا كما يقول بول ريكور: "إن التوازي أكثر اكتمالا مما نتوقعه"، لهذا فظاهر الأمر أن ليس للإنسان عمر، وأن جدوى وجوده في هذا الكون مجرد خدعة ليستمر باتجاه مصيره النهائي.
القلّة هم من يكتشف أن هشاشة موت الإنسان وهلاكه لا تخفي وراءها كائنا ضعيفا وإنسانيا بأي درجة. في موت مفاجئ لشخص ما دون سبب ظاهر يمكننا ان نتحدث عن هشاشة حياتنا على هذه الأرض. حديث مترفٌ لا أكثر؛ كالحديث عن الثوار العظام، جيفارا مثلا؛ قبل أن نعي أنه كان مجرد قاتل وجلاد يقف على أبواب سجون الثورة لتصفية المعارضين!. ليس هناك حالة إنسانية ولا ضعفا يقف خلف الموت، هذا ما يتم كشفه فقط في اللحظة التي تنطلق فيها الرصاصة باتجاه رأس إنسان ما فتجعله يفكر، كضحية كانت تجهل هي ذاتها ماهية الموت، في أن الأمر معقد أكثر مما كان يتوقع. لحظة واحدة منذ انطلاق الرصاصة حتى السقوط ميتا يكتشف القتلى الحقيقة ولا يستطيعون أن يخبروا بها أحدا. يمكن تلمّس هذه الفاجعة على وجوه ضحايا الإبادة الجماعية في أي بلد من خلال لقطة وثائقية؛ (كفيلم وثائقي بلجيكي حول الإبادة الجماعية في أدغال الكونغو).
إذن، الإنسانية مجرد مزحة يكتشف زيفها من يقف لمواجهة الموت على يد الآخر دون أن يفهم السبب، ثم بعد موته يستمر الإعلاميون والساسة في الحديث عن الحقوق والحريات والمجتمع الإنساني. كما يستمر مغفلون آخرون باسم الفن والأدب في الحديث عن الإنسان وإنسانيته، تلك التي لا وجود لها أصلا إلا في مخيلاتهم القاصرة، ألم يقل جاك دريدا: "لابد أن يسهر جنونٌ ما على الفكر"، المفكرون؛ الكتّاب، الفنانون؛ أليسوا هم من أدمن تعاطي "ثقافة البروزاك" كما تقول لطيفة الدليمي، في إشارة منها إلى عقار البروزاك الذي يتعاطاه المرضى لتجاوز اضطراباتهم الذهانية المدمرة.
نعم، كثيرة هي التفاصيل التي تعيدني للحديث سرا مع نفسي عن الجدوى من العودة للكتابة، بعد أن توقفت، طوعا، عن نشر ثقافة البروزاك، وقبل ذلك عن تعاطيها، فالذهان الكامل يكمن في وهم أبدي مفاده أن الإنسان يولدُ إنساناً، وأن الفن يمكن أن يكون مجديا في علاج هذه الوحشية الطاغية، وأن للإنسان عمرا يمكن حسابه من خلال إنجازاته؛ تلك التي تسقط في لحظة فاصلة وجلية ترتسم على وجه القتيل منذ انطلاق الرصاصة وحتى سقوطه ميتا.
اليوم، "ليس لي عمر"، او إنني أريدُ "أن أُنسى في داخل الموت كاملاً" كما يقول اليوناني يانيس ريتسوس.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
كيف تبيد 10 مليون إنسان
ولا يقال عنك انك ارهابي -

كيف تقتل عشرة ملايين انسان ولا احد يقول عنك ارهابي معظم الناس لا يعرفونه انه مسيحي .لكنك كان من المفترض أن تعرفه؛ وأن تشعر تجاهه بالشعور ذاته الذي تحمله تجاه طغاة مثل هتلر أو موسوليني. لا تتعجب؛ فقد قتل هذا الرجل أكثر من 10 ملايين إنسان في الكونغو.اسمه ليوبولد الثاني ملك بلجيكا.كان هذا الرجل «يملك» الكونغو خلال حكمه للمملكة البلجيكية بين عامي 1885 و1909. فبعد عدة محاولات استعمارية فاشلة في آسيا وأفريقيا، اختار الكونغو لتكون هدفًا له. أول خطوة كانت «شراء» الكونغو واستعباد أهلها.كانت مساحة الكونغو تبلغ آنذاك ضعف مساحة بلجيكا 72 مرة؛ ولم يكن سكان القبائل فيها يستطيعون القراءة والكتابة. خدعهم ليوبولد ليوقعوا عقدًا يقول:«في مقابل قطعة واحدة من الملابس في الشهر، تُقدم إلى كل من زعماء القبائل الموقعين أدناه، بالإضافة إلى هدية من الملابس لكلٍ منهم، يتخلى زعماء القبائل طوعًا ومن تلقاء أنفسهم، وورثتهم وخلفائهم للأبد… عن كافة حقوقهم في جميع أراضيهم إلى «الجمعية» (بزعامة ليوبولد)… ويلتزمون بتوفير ما يُطلب منهم من عمالة، أو غير ذلك من الأعمال أو الإصلاحات أو الحملات العسكرية التي تعلنها «الجمعية» في أي وقت، وفي أي جزء من هذه الأراضي… كل الطرق والممرات المائية التي تمر في هذا البلد، والحق في تحصيل الرسوم عنها، وجميع حقوق صيد الحيوانات والأسماك، والتعدين، والغابات، تكون ملكيةً مطلقةً للجمعية».لا نتعلم عن ليوبولد الثاني شيئًا في المدرسة. لا نسمع عنه شيئًا في الإعلام. كما أنه لا يمثل جزءًا من الروايات المتداولة عن القمع (الهولوكوست في الحرب العالمية الثانية على سبيل المثال). إنه جزءٌ من تاريخ الاستعمار، والعبودية، والمذابح الجماعية في أفريقيا، التي تتعارض مع رؤية «الرجل الأبيض» للعالم، وتفوقه التاريخي على الأعراق الأخرى.وجد ليوبولد آنذاك مصدر ثراء نادر. كان العالم في هذه الفترة مأخوذًا باختراع العجلات القابلة للنفخ وعجلات السيارات. لذا زاد الطلب بشكل كبير على المطاط. المعلومة الأولى بشأن شجر المطاط هي أنه يحتاج إلى 15 عامًا على الأقل بعد زراعته ليكون صالحًا للاستخدام. كانت أرض الكونغو خيارًا مثاليًّا؛ فبها الكثير من الغابات المطيرة وأشجار المطاط.كانت طريقة ليوبولد الثاني لكسب الثروة وحشيةً. كان جنوده يقتحمون قرى القبائل الأفريقية في الأرض التي أسماها «دولة الكونغو الحرة»،

كلام غريب جدا
فول على طول -

المقال كلة غريب وملئ بالتشاؤم ولا يتناسق مع الذى نعرفة جميعا . نعرف أن الانسان لة عمر - لا ثانية ولا مائة قرن - ويقاس عمر الانسان بانجازاتة وهذة حقيقة أكدها التاريخ من زمان وخلد العظماء ومن ساهموا فى ارتقاء البشرية باخراعاتهم وكتاباتهم ومازلنا نذكر أسماءهم وعلى أكتافهم ارتقت البشرية وهذا لا جدال فية . وما قالة رسول حمزاتوف - ليس لى عمر وعمرى ثانية وعمرى مائة قرن - كلام غريب وليس لة معنى ...والقول بأن ليس للانسان عمر أو جدوى وجودة فى هذا الكون مجرد خدعة هو كلام بائس بالتأكيد وبة اتهام للذات الالهية وكأنة لا يدرى لماذا خلق البشر ؟ وأيضا ينم عن انسان فاقد الأمل والرجاء وليس لة قيمة ولا يقدس الحياة التى منحة اياها الخالق وهى تمنح مرة واحدة وعلى الانسان العاقل أن يعمل وينتج ويكوةن انسانا ايجابيا فى مجتمعة . أما أغرب عبارة هى اتهام الكاتب للفنانين والكتاب الذين يكتبون عن انسانية الانسان بأنهم مغفلون وعجبى ؟ سيدى الكاتب : عندما تختفى انسانية البشر يتحول المجتمع الى غابة بل أشرس من الغابة وهذا لا يليق بالانسانية .