رسالة عراقية
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
ان نقول بعدم وجود فساد في مفاصل الدولة العراقية من اقصى شمالها الى اقصى جنوبها، باعتقادي هو قول كاذب تفضحه الوقائع الظاهرة للعيان، والحقيقة ان الفساد مستشري كثيرا. ولكن الكلام عن الفساد حاليا يتصف بانه ينطبق عليه ما ردده حكام مصر قبل ثورة يناير، دعهم يتكلمون وافعل ما شئت. والحقيقة ان الفساد والدكتاتورية كانا دوما موجودان في الحياة السياسية للعراق منذ تأسيسه كبلد عام 1921. وبعد انقلاب 1958 ومع زيادة مشاكله وبدء الحرب المستمرة من ذاك التاريخ وبالتحديد منذ 11 ايلول 1961، والفلتان الامني والصراع السياسي، بداء عمليات تجاوز القانون تحدث علنا، ولكن غالبا تم اديلجة الفساد ومن اهم انواعه تجاوز القانون، دفاعا عن &العروبة والاسلام. واليوم هناك حالة لم تكن مطروقة ساباقا بسبب الدكتاتورية ، لها اوجه في الحياة ابان الحكم الملكي، من حيث حرية النقد ونشر الاتهام ضد الطبقة السياسية من ناحية، والحياة في الفترة الجمهورية والى سقوط صدام، من حيث القدرة على تجاوز القانون او تبرير الجريمة ايديولوجيا. فالتكلم او نقد مع استشراء الفساد، لن يكون هو الحل، انه تسليط الضؤ على حال، دون ان يكون هناك علاج حقيقي، او ان ما يطرح من الحلول للعلاج، سيؤدي اما الى تفتيت الدولة او حروب لا نهاية لها.
اليوم الطبقة الحاكمة، باستثناء بعض الاخوة الشيوعيين، وبعض ممثلي الاقليات مثل الكلدان السريان الاشوريين والصابئة والازيدية، متهمة بالفساد والسرقة وحسم الخلافات السياسية بالقوة او القتل او الترهيب. ولكن هذه الاتهامات التي يتم نشرها واعلانها، واحيانا مع المبالغ الطائلة التي تمكن كل سياسي من الاستيلاء عليها، وغالبا بمبالغات خيالية. لا تقدم بديلا حقيقيا عن الوضع الحالي، فعند الانتخابات سيحسم الخوف من الاخر النتيجة، فالاغلبية الشيعية ستنتخب من يدافع عن الشيعة كمكون معزول عن الاخرين وهكذا بالنسبة للسنة وللكورد. والسبب ان البلد لا يحكمه القانون، او انه اصلا بلا قوانين كثيرة تحكم الممارسة السياسية وتخضعها للقانون وليس للاجتهاد. ان الطائفية السياسية التي كثرة الحديث عنها، لا تعالج بالدعاء والمطالبة، بل بوضع العلاج الحقيقي للمخاوف من الاخر. واذا كان المحرك السياسي الاول هوالخوف، فالعلاج لحالة الاندماج الوطني لا يكون بالفرض، حينما تضع بعض الاطراف تصورا ما للوطن، وتحاول فرضه. بل بالاتفاق التام على ماهو الوطن، وماهي القوانين التي تسيره والاليات التي تتحكم في هذا التسيير. واذا قال احدهم ان الدستور موجود، نقول ان الدستور العراقي حالة حال القران الكريم حمال اوجه، يراد تفسير موحد.&
ولان التجربة القانونية فقيرة في العراق، وليس هناك مؤسسات ذات مصداقية لكي تحكم في الخلافات السياسية، فالحل كان لدى غالبية الاحزاب السياسية هو نحو التشكيك في ذمة الاخر والتسيقيط السياسي، دون الاستناد الى اي حقائق موضوعية او اثباتات دامغة. ولعل من اوائل من عمل بها سابقا وفي العهد الملكي، الحزب الشيوعي العراقي، الذي حكم بفساد الطبقة السياسية كلها، وان لا علاج الا بمجئ حزب العمال والكادحيين او تطبيق الدكتاتورية البروليتارية. ولكن حتى ذكر العلاج هنا، هو حل هلامي وليس حقيقي، وبالحقيقة ان تجربة الاحزاب الشيوعية في الدول التي طبق حكمهم فيها، اثبتت ان الحزب الشيوعي وان دعى بالديمقراطية الشعبية، ولكنه بالحقيقة حصر الحكم في يد شخص السكرتير العام للحزب الشيوعي في كل بلد، في تقليد لما مارسه ستالين. مما ساعد على انتشار الفساد بانواعه وكان التملق اهمه. و لمعالجة التجاوزات القانونية بمحتلف انواعها، وعدم هدر ثروة العراق وعدم ترك متجاوز يتمتع بما تجاوز عليه، وعدم ترك ظلم اقترف ضد احد، يجب ان يكون لدينا شعارا نعم للعراق، ولكن بوضع النقاط على الاحرف وتحديد من اقترف التجاوز وكيف وكم. وبعد ذلك معاقبته بما يستحقه. ولكن ما يجري الان حقا هو اشاعة اليأس من وجود انسان نزيه في العرق، فالكل وحسب الاعلام الرائج في الفساد سواء.
اليوم تعم المظاهرات والاضرابات في جنوب وبعض وسط العراق، والكل يطالب بانصافه، فمن يريد راتب الارامل ومن يريد راتب لانه مسجون سياسيا، والاخر لانه كان عسكريا، وغيره لانه معاق، او غير متمكن، وهناك تفاصيل في هذا ايضا، بجيث تم تخصيص رواتب لمن كان موجودا في الرفحاء في السعودية وكان لهم خصوصية اخرى. ومع تعاطفنا مع الكل، ولكن باعتقادي، ان الحلول لن تكون بما تم سلقه من قوانين مستعجلة وغير سوية وفيها مجال كبير للفساد والاثراء، على حساب &الدولة ومواطنين اخرين ليست لديهم قوة الدفاع عن الذات، اما لكونهم غير مسنودين او لانهم &من المهمشين كابناء الاقليات. والحل مرة اخرى ليس بسلق برامج او مشاريع كاذبة فقط لامتصاص النقمة او لكسب الاصوات. بل العودة الى العقل في معالجة الامور والحوار البناء، من خلال طرح البدائل التي يمكن ان تحقق للبلد تنمية مستدامة ويتم تشغيل الايدي العاملة منها ايضا. فما يطرح في هذه التظاهرات حقا ليس امرا واقعيا يمكن الاتكال عليه، بانه حل لمشكلة البلد. فبعض المظاهرات تطالب بحل مجلس النواب وحل مجلس الوزراء واستقالة رئيس الجمهورية، في دعوة غير معلنة لاعلان، عدم وجود شرعية في البلد، وفسح المجال للحرب الاهلية وحرب الاحزاب والتنظيمات المختلفة بعضها مع البعض.&
المشكلة تبدأ من الاحزاب التي يجب ان تبنى على اسس وطنية حقا، بما يعني ان يكون هناك شعور عام ان ما يمتلكه العراق يعود لكل العراقيين، وان تصاغ القوانين ليستفاد كل عراقي منها بغض النظر عن انتماءاته السياسية والمذهبية والقومية. يجب ان يتم توعية كل اعضاء الاحزاب ان بقية الاحزاب المتواجدة على ارض العراق وتعمل في الشعب، هي احزاب وطنية ولها رؤي اخرى للوطن او لتطبيق القانون او لتوزيع الدخل. وليس كل مخالف عدو مع وقف التنفيذ، اي لحين امتلاك القومة ومن ثم التهام الجميع. ندرك من التجارب الديمقراطية، ان الاحزاب بعد ان تعمل في اطار ديمقراطي وفي اجواء من الحريات الواسعة، ستجد نفسها تتقارب في البرامج السياسية، لحد ان التمايزات تبقى في توزيع الدخل من الضريبة وكيفية تطبيقها. ولكن مشكلة العراق ان احزابه لا تزال تحمل الايديولوجية الانقاذية. بمعنى ان كل حزب لا يزال يعتقد انه اتى لكي ينقذ ليس فقط الشعب العراقي، بل كل المسلمين الشيعة، وبعصهم يتوسع كل المسلمين قاطبة وغيرهم لانقاذ العروبة، وهناك من& يطرح نفسه لينقذ العالم كله. مع ان هذ الاحزاب قد اتت الى السلطة بفعل عمل سلطة قوية عالمية، قررت معاقبة النظام السابق، لكونه بؤرة عدم الاستقرار في المنطقة. ومن هنا يجب ان يضم قانون الاحزاب بعض الفقرات التي يجب ان تلتزم كل الاحزاب بها، وتتوافق مع الدستور النافذ. مثل الاقرار بالمساواة بين الجنسين، الاقرار بمالمساواة بين مختلف الافراد بغض النظر عن الدين والمذهب واللغة واللون. الاقرار بتقسيم السلطات واستقلاليتها، واحترام حرية الاعلام والحريات الفردية المختلفة. الاقرار بان الحزب هو عراقي ويعمل للعراق وابناءه فقط. وكل حزب لا تتوفر فيه مثل هذه القيم يتم سحب رخصة عمله ويعتبر غير شرعي.
من الصعوبة بمكان طرح حلول سريعة وجاهزة وكاملة للمشكلة العراقية، ولكن بالتاكيد يمكن التطرق الى بعض رؤس النقاط التي قد يؤدي النقاش حولها الى ايجاد مخارج لحلول، لها ديمومة واستمرارية، يمكن من خلالها بناء التجربة السياسية، وبنية قانونية راسخة، يتم قيادة البلدة في اطارها، نحو التطور والتقدم والاستقرار السياسي، بما يعني عدم حدوث هزات تؤثر على وحدته الوطنية.
اولا_ ما ان ينعقد المجلس النيابي الجديد، يجب ان تكون احد اولياته، هي تشكيل لجنة نيابية تمثل جميع الاطراف، تكون غايتها وضع تصور لقانون انتخابي ينصف الجميع، ويعمل به في الانتخابات القادمة او التي تليها. التصور القانوني يجب ان يطرح للشعب وان يناقش من مختلف الاطراف وان تؤخذ مختلف الاراء في الحسبان. ويجب ان ينهي العمل به على الاقل في السنتين الاوليتين من عمر المجلس الحالي، لكي لا يتم استغلاله لغايات انتخابية.
ثانيا_ على المجلس النيابي المسارعة في فتح النقاش والحوار لاجل وضع القوانين اللازمة لاقامة المؤسسات الاتحادية ومنها المجلس الاتحادي وصلاحياته ووضع ضوابط لكي لا تستشط الغالبية في المجلس النيابي، بما يخل بالتوازن القومي والديني والمناطقي في العراق.
ثالثا_ بما ان احزابنا لا تزال ايديولوجية المنشاء،وانقاذية الهدف، وبما ان هناك انقسام قومي ومذهبي في العراق ولاتزال اثار السنوات الماضية في البال، بما يعني عدم وجود ثقة من كل طرف، بالتوجهات الاخرى، فانه يجب الادراك ان العمل بالمشاركة في ادارة الدولة امر لا يزال مطلوبا. لحين استقرار القوانين الاتحادية، ويظهر فيها دور كل طرف في القرار الوطني.&
رابعا_ لا ازال مقتنعا بضرورة انشاء هيئة استشارية وطنية غير منتخبة (على الاقل لحين اقامة المجلس الاتحادي)، من شخصيات وطنية عراقية عابرة للتوجهات القومية والدينية، لحسم او لابداء الرأي في الخلافات بين مختلف الاطراف الوطنية، والعمل على صياغة مشاريع قوانين وطنية يتفق الجميع حولها. بالاقناع وبالحوار وبالنقاش.&
خامسا_ عدم المساومة حول مسألة الحريات الفردية، تحت اي حجة، لانه بدون الحريات الفردية لن نخلق الانسان الحر والقوي والمؤمن بالوطن. الوطن هو لاجل كل ابناءه وليس للدفاع عن دين او مذهب اوقومية معينة.&
سادسا_ عدم الذهاب بعيدا، وتجريد البلد من السلطات الشرعية، مما سيوقع البلد في الفراغ والنتائج الوخيمة العاقبة التي لا يمكن التنبوء بها. ان تطوير المؤسسات من داخلها وان كان بطيئا بعض الشئء، الا انه افضل حل من ترك البلد لمن هو اقوى، وبالتالي تسليم قراره للدول الجارة او الابعد.
سابعا_ يجب وضع كل من الارامل والايتام، والغير المتمكنين والمعاقين والعاطلين لاي سبب ، تحت بند قانوني واحد، وهو المعونات الاجتماعية التي يجب ان توفي الحد الادنى من متطلبات الفرد، الايجار، الاكل المشرب الماء الكهرباء وسائل المواصلات، والغاء تضارب القوانين المختلفة، بحيث ان البعض يمكن ان يتمتع باكثر من راتب ولا يزال يطالب والاخرين بلا اي مساعدة.&
ثامنا_ الغاء قرارات توزيع اراضي الدولة لاي شخص ومهما كانت مهمته او مسؤوليته او تضحياته، ان الاراض هي ملك للدولة تستفاد منها، باقامة مشاريع السكن العمومي او التي تؤجر بشكل منخفض، او لاقامة المشاريع الاقتصادية المختلفة.
تاسعا_ الادراك التام ان عملية بناء البنية التحتية لن تتحقق بين ليلة وضحاها، وهذا يجب ان يكون خطابا موجها للجميع، ولكن يجب ان تكون هناك مراقبة تامة للحكومة واجهزتها والسلطة التشريعية والقضائية ومحاسبتها على الاقل اعلاميا، حينما يشعر اي طرف بان هذه السلطات لا تقوم بواجبها على اتم الصور.&
عاشرا_ يجب سن قوانين رادعة لوقف الارهاب بكل انواعه، وتحقيق العدالة لضحاياه، لا بل الاحتفاء بهولاء الضحايا، باعتبارهم مواطنين لقوا الظلم والاضطهاد، لحملهم هوية مغايرة. والعمل بكل الطرق، لافهام الاجيال الجديدة ان غنى العراق هو في تعدد مكوناته، وان هذه المكونات قدمت الكثير للعراق، واطلاع كل العراقيين على اعتقادات ونتاجات ابناء هذه المكونات، والتأكيد على قيمة الانسان.
الحادي عشر_ لا يحق لاي طرف، اصدار احكام او فتاوي او تكفير على اي عراقي او اي انسان، لاسباب دينية اوقومية او مذهبية، يتم الادراك من انه سيعرضه لاذي جسدي او معنوي، ان السلطة القضائية هي المخولة فقط في اصدار الاحكام القضائية بما فيها العقوبات الردعية وحسب القوانين المرعية، والتي يجب ان تراعي ميثاق حقوق الانسان وتراعي الدستور الساري.