فضاء الرأي

هل حقاً هناك ليبرالية عربية؟

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

في الوقت الذي تناقش فيه مراكز العالم البحثية وجامعاته ومطبوعاته الرصينة تراجع القيم الليبرالية، وتطلق الدعوات من أجل الدفاع عنها والمساهمة في تأصيلها وتجديدها، مازالت الليبرالية في العالم العربي بحاجة لشرح مفاهيمها وقيمها ليس للقارئ العادي بل لخريجي الجامعات والنخب الثقافية والسياسية أيضاً.
إذ عانت الليبرالية العربية من منتسبيها، أو الذين يحسبون أنفسهم عليها، أكثر مما عانت من خصومها الذين يخاصمونها -أيضاً- دون فهم لجوهرها الذي يعلي من قيمة الإنسان، ويجعل من صون حريته وسبل عيشه وحقه في الاختيار هدفاً للإنسانية. بل إن القوانين التي جاءت انعكاسا للقيم الليبرالية جعلت هذه القيم حدودا لا تقترب منها السلطات، لا تنتهك ولا ولا تمس ويحميها القانون.
إن الحرية التي تعتبر أحد قيم الليبرالية الأصيلة، بل هي أحد أسسها الفلسفية، كانت دوما النقطة التي يفشل في اجتيازها الجميع في العالم العربي. وإذ لا أتحدث عن أعداء الليبرالية من الأنظمة الشمولية التي جعلت الحرية شعاراً وحولت مدلول المفردة في ذهن عامة الناس إلى شيء ترتكب باسمه الجرائم، بل أتحدث عن الليبراليين العرب إذا كان لهم وجود.
وإذا كانت الممارسة السياسية مقفلة أمام الجميع، منذ الانقلاب على محمد نجيب الذي شكل ملامح مشروع ليبرالية اجتماعية وئد في مهده، من جناح الثوريين الانقلابين الذين فرخوا نماذج مطابقة لهم على امتداد العالم العربي، فإن ما يمكن التوقف عنده هو الممارسة الليبرالية في الوسط الثقافي-الصحافي العربي الذي نقل هذا المفهوم وروج له ونما في محيطه.
عند حرية التعبير يتلعثم الجميع، ليس السلطات وحدها من تفشل في هذا الامتحان، بل ضحاياها أيضاً، الذين يقعون ضحية هذه السلطات نتيجة تعبيرهم عن رأيهم الذي يخالفها أو ينتقدها. لم ينتج هؤلاء الضحايا أدبيات سلوكية تكرس حرية التعبير وتدافع عنها وتجعلها خطاً لا يمكن المساس به. وإذ من السهل فهم سلوك السلطات التي ترى في حرية التعبير خطراً على استمرار حكمها، الذي ينتهك حقا أساسيا للإنسان باختيار من يحكمه، فإن من الصعب فهم سلوك ضحايا هذه السلطات في النقطة ذاتها!
لم يكرس الحقل الثقافي العربي &- ناهيك عن السياسي- سلوكيات جماعية ولا حتى فردية تدافع عن قيمة حرية الفكر والتعبير، وسترى دون حاجة كبيرة للبحث أن هذه القيمة نمت في كتاباته لا في سلوكه. إذ يندر أن تجد مثقفا ليبرالياً مارس اعتقاده الذهني بحرية التعبير سلوكاً، ليس خلال ممارسة السلطة التي تحصل عليها بعضهم حتى وإن كانت سلطة رئيس تحرير لمجلة، بل من خلال قبوله مجرد نقد أعماله الكتابية. ففي الوقت الذي يطالبون فيه السلطات دائما بقبول الرأي المختلف تحت يافطة حرية التعبير عن هذا الرأي التي تكفلها الدساتير الشكلية عادة، فإنهم كانوا على الدوام وبالعموم وباستثناءات قد لا نجدها إلا بعد بحثٍ مضني، يمارسون آليات السلطات نفسها في مواجهة الرأي المختلف. وقد لفت انتباهي فقرة في ميثاق الشرف المهني للصحفيين السويديين تقول "إن هؤلاء الذين يضعون المجتمع تحت الرقابة والفحص عليهم أن يكونوا قادرين ومستعدين لتحمل الرقابة والفحص أيضا." إذن فالليبراليون العرب كانوا يضيقون بالرأي المختلف في حدوده المهنية، قبل أن نطالبهم بانعكاس القيم الليبرالية التي يتبنوها في سلوكها، والتي تعلي من قيمة الحرية.
وإذا كانت الحرية عصب الليبرالية، فإنه لا معنى للحرية دون حرية الفكر والتعبير، وعند هذه النقطة في العالم العربي تتساوى السلطات التي لا تؤمن بالليبرالية في شقها السياسي والفكري والليبراليون الذي يعارضون تلك السلطات. فقد شهد التاريخ السلوكي للكتاب الليبراليين العرب تحريض للسلطات ضد جماعة أو تيار أو فرد بمبرراتٍ شتى لأنهم يخالفونهم الرأي.
السجال الدائم بين الليبراليين العرب وخصومهم يكاد يتركز في نقطة واحدة تتعلق بالمرأة! فالليبراليون ينادون بحقها في السفور، بينما ينادي خصومهم بحقها في التحجب! ويجادلون بأن الليبراليين يدعون للانحلال، فيرد أولئك بأن هؤلاء يريدون تحجيب العقل. لا أناقش هنا أفكار ممن يحسبون خلطا على الليبرالية من قوميين ويساريين وعلمانيين وملحدين لا ليبراليين، فهؤلاء في عالمنا العربي كانوا بعمومهم إما نتاج الأنظمة أو منضوين تحت جناحها أو حالمين بسلطتها لممارسة التنكيل ذاته بكل من يخالفهم.
يمكن القول أنه لم يكن هناك جدل حقيقي حول حرية التعبير. حرية التعبير تعني المختلف، فالمتشابه مع سياق السلطة أيّأً كانت هذه السلطة حتى في الحيز الاجتماعي، لا يحتاج تدخلا حمائيا، لا من حكومة ولا من فرد ولا من جماعة.
ويمكن القول أيضاً أن حرية التعبير وجدت أنصاراً بالتبني في أوساط الليبراليين العرب، لكنها لم تجد أنصاراُ في السلوك. فالتحريض على الجماعات السياسية المختلفة مع سلطة الدولة أمر شائع، والتحريض على صاحب رأي كسر تقليداً أو عرفاً اجتماعياً أمر شائع، والتحريض على من يمارسون حرياتهم الفردية بما لا يخالف القانون أمر شائع! ودعوة السلطات للتضيق على حرية التعبير أمر شائع. بل إن هذه المبررات التحريضية تستند على تمثل السلطة، تمثل دورها في حماية المجتمع.
والحال هذه يصبح مفهوماً تضاءل التضامن مع الذين يفقدن حريتهم بسبب آرائهم، ليس فقط لأن الليبراليين العرب لم يشكلوا قوة مؤثرة، حتى في تنظيم أي مستوى من الاحتجاج، وليس فقط لأن التضامن نفسه مجرم من السلطات، بل أساساً لعدم مركزية فكرة حرية التعبير في الممارسة الليبرالية العربية، فما بالك إذا كان من فقد حريته بسبب رأيه مخالفا لهم بالرأي أيضاً.
في الوقت الذي صار فيه من لا يؤيد زواج المثليين في الغرب يحسب على الليبرالية المحافظة، فإن الليبراليين العرب مازالوا بحاجة لمزيد من الوقت والنقاش لتكريس قيمة أساسية من قيم الليبرالية هي حرية التعبير.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
أسئلة للسيد الكاتب .
فول على طول -

هل توفق على حرية المعتقد أو حرية الأديان بدون شروط وفى كل الاتجاهات ؟ وهل توافق على حرية المرأة فى السفور أو فى ارتداء ما تشاء ؟ وقبل التعليق فان كلمة " السفور " كلمة بذيئة جدا وتحريض مقصود ضد التى لا ترتدى الحجاب أو النقاب ويجب التوقف عن استخدام هذة الكلمة . .أم سوف يمتعض وجهك ويتغير رأيك مجرد طرح هذين السؤالين ؟ سيدى الكاتب : أقدس الحريات هى الحرية الدينية وأيضا حرية المرأة فى التساوى تماما مع الرجل وفيما تلبس والمجتمع الذى يمنح هاتين الحريتين فهو مجتمع صحى وسليم ويعرف الحرية الحقيقية وما عدا ذلك تهريج . نعود للمربع صفر بسبب الاسلام الذى لا يمنح حرية الاعتقاد ولا حرية المرأة اذن الكلام عن الحرية لا طائل منة ...وسوف تكون حريات منقوصة ومجرد ديكور . الذين أمنوا دائما يصفون الحرية بالشذوذ و الاباحية و الانحلال والسفور الخ الخ ثم يتباكون على حرية التعبير والفكر . الاسلام والحرية لا يجتمعان .. انتهى .

لماذا كل هذا الحقد و الكره
لدين أظهر لكم كل هذا الود و الإحترام -

لماذا يكرهون الإسلام والمسلمين ؟! و الأولى أن يحبوه و يوقروه لعدة أسباب: ١- ظهر الإسلام في زمن انهيار الكنيسة المسيحية و تفاقم الصراع بين أبناء الدين المسيحي و الذي كان على وشك التحول إلى حروب دينية عظمى (مثل تلك التي شهدتها أوروبا لاحقا) تهلك الحرث و النسل. و لكن ظهور الإسلام ساهم بشكل مباشر في وأد ذلك الصراع بعزل المذاهب المتناحرة جغرافيا و قلل من فرص تقاتلها. التسامح الديني الذي علمه رسول الإسلام كان كفيلا بحماية الأقليات المذهبية المسيحية من بطش الأغلبيات المخالفة لها في المذهب (مثل حماية الأورثودوكس في مصر من بطش الكاثوليك الرومان). و لولاه لاندثر المذهب الارثوذوكسي كما اندثرت الكثير من المذاهب تحت بطش سيوف الرومان..فلماذا يكرهه الأرثوذوكس ؟؟؟؟ و قد أنقذ مذهبهم و أنقذ أرواحهم من الهلاك؟3. تحرير البشرجميعا من عقدة الذنب التي أغرقتهم فيها اليهودية و مسيحية القرون الوسطى. حيث افترضت تلك الديانات أن خطيئة أدم قد انتقلت إلى ذريته و أننا جميعا بحاجة لمن يخلصنا من تلك الخطيئة. و أن الخلاص من تلك الخطيئة لا يكون إلا بالتضحية بالدم. و لكن الإسلام قضى على كل السخافات بعودته للفلسفة الطبيعية البسيطة (و التي كان يسميها بالفطرة)....و هذه الفلسفة منتشرة في الأديان السابقة على اليهومسيحية، و تؤكد على أن الإنسان يولد طيبا مبرأ من كل إثم و خطيئة و أنه لا يحمل وزرا (إلا ما جنت يداه). و قد كان لتلك الفلسفة دورا رئيسيا في دفع البشرية للتقدم بعد تحريرهم من عقدة الذنب اليهومسيحية. 4. المفترض أن المسيحية هي دين الحب بين كل البشر. و المسيح يدعو إلى حب الجميع بلا تفرقة (أحبوا مبغضيكم..باركوا لاعنيكم).فلماذا لا يطبق فول المسطول تعاليم ربه تجاه الإسلام الذي أظهر كل الإحترام للمسيح و أمه. بل و أظهر الإحترام للمسيحين من معاصريه (ذلك بأن منهم قسيسين و رهبانا و أنهم لا يستكبرون) فلماذا كل هذا الحقد و الكره لدين أظهر لكم كل هذا الود و الإحترام؟!

اصلا معسكرات النازيين الالمان سياحة وفنادق ٥ نجوم
Rizgar -

العوائل الكوردية في معسكرات العرب العراقيين في الديوانية , يتحدثون عن ليبريالية معسكرات الجيشي العربي العراقي . اصلا معسكرات النازيين الالمان سياحة وفنادق ٥ نجوم مقارنة مع معسكرات الكيان .

امرهم وآمرهم شورى بينهم
Omar -

لا طغيان للفرد على الجماعه ..

ان كنتوا
صالح -

في فلم عادل امام المتسول بعد العشاء قال له خاله: حسنين انت مش اتعشيت...ما تكوم اتنام بكا ورد حسنين على خاله :(((ان كنتوا عاوزين اتسموا الاكل ده عشا فيبكا انا اتعشيت)))) انكنتوا عاوزين اتسموا بعض الممارسات المنفتحة ليبرالية فنحن ليبراليين

What Liberalism
Observer -

Liberalism in Tribal Society . You Joking . Even many of the political parties have a construction of a clans