فضاء الرأي

على هوامش مقالتي في "ايلاف"حول لغتنا العربية

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

أثارت العديد من التعليقات والتعقيبات على مقالتي السابقة " اللغة العربية جسر المسلمين المتين"،& التي تفضلت "ايلاف "بنشرها في&١٤-١٠ -٢٠١٧&م ، في نفسي رغبة في مناقشة بعض الأمور و توضيح لبعضها الآخر، فقد لمست تفاعلا من السادة القراء تقبلته باهتمام ورحابة صدر وعناية ومحبة& ، لأنه أبرز مدى المكانة التي لا تزال اللغة العربية تتمتع بها في نفوسنا جميعا ، سواء أتحدثنا عن مبانيها ودلالات تراكيبها أم عن دورها وخصوصيتها وتاريخها، أم غصنا في بحرها اللجي العذب بحثا عن دررها وفرائدها.

وبغض النظر عن الحوارات الجانبية "الساخنة" التي دارت بين الإخوة القراء، والتي لا علاقة لها بموضوع المقال، وإنما "اندلعت" على خلفية علاقة الإسلام بالعربية والعربية بالإسلام زالتي سأعود إليها في حديث لاحق، فإن إضاءات جديرة بالتقدير والاحترام كتبت وحازت بدورها على تعليقات وردود ، وكلها تدخل في صلب عملية إثرائية لما كتبته اختصارا أو إشارة، لأنه بطبيعة الحال لا يمكن إضاءة الموضوع والحديث عنه بشكل شامل في مقال صحافي وهو في الأصل موضوع ينوء به كتاب بل كتب كبيرة وكثيرة .
وتعليقا عما أثير من تاريخية العربية فمن الثابت حتى الآن (وفق الآثار المادية من رُقم وبرديات..) أن لا شيء مؤكدا عن "طفولة" و"صبا" هذه اللغة بالصورة التي قد يتخيلها بعض القراء وهكذا هي طفولة اللغات لا يمكن تتبعها كالكائنات الحية. وجل ما نملكه من وثائق وحقائق ونصوص هو لها في "قمة" اكتمالها من حيث الألفاظ والتراكيب والصرف والنحو، والعائد لدينا يعود أقدمه إلى القرن الخامس الميلادي أو قبله بقليل. مع علمنا بأن لهذه اللغة لهجات بعضها باد وبعضها اندثر كليا أو جزئيا، والآخر باق يتداول جغرافيا وقرآنيا في العاميات الدارجة والقراءات القرآنية والأحاديث النبوية....ودعوى أن العربية أو أي لغة أخرى هي أقدم اللغات أو أن اللغات تفرعت منها هي دعاوى وأساطير ليس لها دليل علمي بل تقوم على أساس عاطفي واليهود يقولون مثل ذلك عن العبرية والنصارى عن السريانية وهكذا.
أما علاقتها باللغات المجاورة في منطقتنا العربية والمعاصرة قديما وحديثا؛ فإن بذرة هذا البحث وضعها على الأغلب المستشرق الألماني أغسطس لودفيج شلوزر في القرن الثامن عشر، عندما رجّح أن تكون ثمة لغة واحدة سادت من البحر الأبيض المتوسط إلى نهر الفرات، ومن بلاد ما بين النهرين إلى الجزيرة العربية، وأن السوريين والبابليين والفينيقيين والعبرانيين والعرب... في الأصل
شعب واحد تحدثوا بلغة أم ذات لهجات متعددة، سمح لنفسه أن يسميها بـ"اللغة الساميّة" اعتمادا على رواية التوراة الغيبية أن هؤلاء يرجعون نسبا الى سام بن نوح . ومع ذلك سار على درب شلوزر العشرات من الباحثين حتى يومنا هذا واضعين العديد من الفرضيات والنظريات التي تتجاذب الأصلية والتبعية لهذه اللغة أو تلك، دون أن يكون من ذلك، برأيي، طائل معرفي أو علمي إلا خلق فرصة للتعصب والتباعد في وقت العالم أحوج فيه للتسامح والتقارب والتلاقي.

وظهر لي من العديد من التعليقات الإشارة إلى أن العرب والمسلمين كانوا ومازالوا أوفياء للغتهم العربية الأم أو الشعائرية، فقد درسوها بتعمق سابقين بذلك عددا من أقرانهم في كثير من اللغات الأخرى بمئات السنين، وفيما لم نعرف عن الدراسات اللغوية "المتعمقة" في كثير من لغات الغرب حتى القرن التاسع عشر الميلادي؛ وحينذاك كانت "العربية" قد أشبعت بحثا وتحليلا على مدى أكثر من ألف عام، ولاتزال هذه الدراسات تعد نفسها واعدة، وأن ثمة كثيرا من الموضوعات والمسائل والأطروحات حول "العربية" في حاجة إلى كثير من النظر والتعمق والمقابلة مع ما تم ابتكاره من مناهج حداثية لدراسة اللغات بهدف إبراز عبقرية وشمولية هذه اللغة والتشجيع على التمسك بها تعليما ونشرا وابتكارا.
ومن النقاط الأخرى التي أثيرت، الحديث عن المجاز وهنا يحضرني سريعا ما كتبه عبد الوهاب المسيري في كتابه اللغة والمجاز، والذي ربط فيه بين اللغوي والديني والنفسي، أن اللغة ممارسة إنسانية، ويمكن الحكم عليها من خلال الممارسة ذاهبا إلى أن المجاز اللغوي جزء من التفكير الإنساني في أي جزء من نسيج اللغة التي هي جزء لا يتجزأ من عملية الإدراك، لافتا إلى أهمية احترام الخصوصية اللغوية الذاتية، كاحترام الخصوصية الغربية مثلا وكل الخصوصيات الأخرى.
مثال ذلك ما أبرزه المسيري من حديث عن اصطلاح "انتفاضة" مثلا وخصوصيته ورمزيته وأهليته للتعبير المباشر والمجازي، وكيف فرضه (أطفال فلسطين) على قواميس لغات العالم فأصبح علامة بارزة لسنوات في عناوين أخبار الصحف ووسائل الإعلام، بل دخل في صلب مواد المعاجم العالمية في كل اللغات الحية والمتداولة على نطاق يتجاوز الحدود القطرية لأهل هذا اللسان أو ذلك. وهناك غير ذلك كثير من المواد التي سبق للعربية أن أردفت بها معاجم اللغات الأخرى وأساليب تعبيراتها دون أن تتقوقع أو تجمد عن الاستيراد من اللغات الأخرى..&
وحول ما أثير من خصوصية اللفظ القرآني وتنويعاته التي وردت في سياقات متشابهة وتعابير مختلفة، أود التنويه بما جاء في كتاب "اللفظ الفريد في القرآن المجيد" لحسان المصري، الذي اهتم بحصر ودراسة المفردات "اليتيمة" في القرآن الكريم، وبيّن أن هذه الكلمات قد أحكمت في محلها، وأعطى دليلا جديدا على أن المفردة والكلمة القرآنية تمتاز& بجمال وقعها في السمع واتساقها الكامل مع المعنى المراد إيصاله واتساع دلالتها وتعددها في نفس الإطار التوجيهي والخطابي مع المكلفين، ناهيك عن سلاسة حروفها وبديع انتظامها ومراعاتها لما تنضم إليه من شقيقاتها خلال السياق. وهناك كثير من الكتب والدراسات في هذا المجال لا يعجز الباحثون والمهتمون عن الوصول إليها والإستفادة منها والاتساع بها، مع التوصية بالبعد عن الأحكام العاطفية وغير الموضوعية.

ومع الحب والتقدير لكل اللغة العربية أزد أن أؤكد على البعد عن العاطفة والمشاعر غير العلمية كالقول بأن اللغة العربية أفضل اللغات مطلقا وأنها أجملها فلكل لغة مجال وأدب وروعة وأدب وفكر يستحق الاحترام... بكل صدق.
وهنا لا أريد أن أطيل الحديث فأذكر علم الأصوات ودقائق النظامين الصرفي والنحوي التي خاض فيها أساتذة كبار وفقهاء عظماء في اللغة من القدماء&& من أمثال ابن جني وابن فارس وقبلهما إمام العربية الخليل بن أحمد الفراهيدي مرورا حتى كنابات كمال بشر وشوقي ضيف وأستاذنا عبدالصبور شاهين وتمام حسان وغيرهم من الأجلاء والفضلاء السابقين واللاحقين الذين قضوا عشرات السنين من أعمارهم في البحث والتأسيس في هذه المعارف الدقيقة المتصلة بأصول اللغة العربية وفقهها ومقارنتها باللغات الحية الأخرى، مخلفين لنا ولكل الباحثين ميراثا نفيسا من العلم يؤخذ منه ويبنى عليه الكثير والكثير مما أنصح الجميع بالاطلاع عليه.&
وأؤكد ختاما على ضرورة أن نأخذ العلم بالرفق واللين بقصد الاستفادة والإفادة، وليس بغرض إشباع النرجسية والمبالغة والاستعلاء والتفضيل، مستحضرين المبدأ القرآني ( جعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا). ومبدأ المساواة والتسامح هو ما نؤكد عليه ونلتزم به في المركز الثقافي الإسلامي في لندن لتكون اللغة العربية، التي نعنى بنشرها وتعليمها، أحد أهم اهتماماتنا ومشاريعنا مسخرين لها كل الإمكانيات المتاحة والممكنة، بالتوازي مع حرصنا على بذر وتعزيز القيم السامية كالتراحم وحب الخير لكل شخص في المجتمع والمحافظة على البيئة والموارد الطبيعية.. دون أن ننسى شكر إخوتنا وأصدقائنا جميعا.
* مدير المركز الثقافي في لندن

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
الانعزاليون يكرهون العربية
وكل ما يتصل بها بصلة -

الانعزالية الصليبية المشرقية والشعوبية الملحدة تتنفس حقداً على الاسلام والعربية .

كل التحية والتقدير لكم وبعد :
فول على طول -

كل التقدير والتحية لكم على أسلوبكم الراقى فى الحوار ونؤكد لكم أننا نبادلكم ونبادل كل القراء والكتاب نفس الشعور وغاية ما نبعى الية هو العيش الانسانى المشترك والحوار الراقى والمساواة بين البشر وبعد : أولا لا يوج لغة " مقدسة " بل اللغات من اختراع البشر ولا يوجد لغة الا وهى هجين وخليط من لغات أخرى سابقة أو حتى لاحقة لها . واللغة العربية واحدة من هذة اللغات ولا تستثنى منها وهى خليط من السريانية والنبطية والعبرية والفارسية وهذا شئ طبيعى وليس تقليلا منها وقد أضفى عليها البشر الكثير من التنقيط والتشكيل وهذا يؤكد بشريتها ةهذا ما نريد أن يعرفة المسلمون وهى ليست لغة السماء بالمرة لأن اللة يعرف كل اللغات ولا يوجد عندة لغة مميزة وأخرى مكروهه . ولا أحد يعرف اللغة التى تكلم بها أدم وحواء ولا أحد يقدس اللغة لأنها غير مقدسة ولا أحد يربط الديانة باللغة غيركم ..حتى اللة جعلتموة يتكلم أو يفهم العربية فقط وهذا غير منطقى بالمرة . ونكتفى بذلك مع وافر تحياتى .