كتَّاب إيلاف

الملاحق الأدبية

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

مطلع العام الحالي، احتفلت جريدة"لوموند" الفرنسية المرموقة بمرور 50عاما على صدور العدد الأول من ملحقها الأدبي الأسبوعي"لوموند الكتب". وبهذه المناسبة خصصت الجريدة المذكورة جزءا من عددها الصادر يوم الجمعة الثاني من شهر فبراير-شباط 2018 لاستعراض المحطات الأساسية التي قطعها هذا الملحق الذي لا يزال يعتبر أهمّ ملحق أدبي من خلاله يتابع الفرنسيون أهم الأحداث الثقافية، وبه يهتدون لاقتناء الكتب الجديدة، والتعرف على كتاب ومفكرين وفلاسفة وشعراء من فرنسا،ومن جميع أنحاء العالم. كما أن هذا الملحق يسند سنويّا جائزة أدبية قيمة لكتاب من اختيار النقاد والصحافيين المواظبين على الكتابة فيه.

وشخصيا ظللت حريصا منذ نهاية الستينات من القرن الماضي على متابعة هذا الملحق بقطع النظر عن المكان الذي أكون فيه. فإن لم اتمكن من ذلك، تنتابني الوحشة ويغمرني الحزن. وفي تلك الفترة كانت تدير الملحق السيدة جاكلين بياتيي التي تمكنت من أن تفرض نفسها في مشهد أدبي وفكري وثقافي يسيطر عليه الرجال، وإليها يعود الفضل في اكتشاف العديد من الكتاب الفرنسيين والأجانب. وكانت اول من نوه بالرواية الأولى لشاب يدعى ج. ماري. لوكليزيو. وتحت تأثيرها أحرزت هذه الرواية التي حملت عنوان:»محضر"جائزة "غونكور" الرفيعة. كما ساهمت هذه السيدة الجليلة التي تتمتع بثقافة واسعة في التعريف بعبقرية صاموئيل بيكت الذي كانت دور النشر الكبيرة تتردد في نشر أعماله بل أن البعض منهارفض نشرها. باعتبارها "غامضة ورتيبة". وباستماتة دافعت عن عمل سيمون دو بوفوار "مذكرات فتاة رصينة"الذي لم يثر اهتمام الناقدين الكبيرين إميل هنريو وروبير كوابليه. لذلك تحولت جاكلين بياتيي إلى "سلطة أدبية"يخشساها الكبار بمن في ذلك جان بول سارتر.ورولان بارت وميشال فوكو وجيل دولوز.

وفي الثمانيات من القرن الماضي، استلم الكاتب فرانسوا بوت الذي اهتم بمن سماهم ب"المنسيين" من الشعراء والكتاب الفرنسين تحديدا. كما أنه كان أول من لفت انتباه الفرنسيين إلى روايات الكاتب المغربي الطاهر بن جلون. بل أنه لم يتردد في جعله من ضمن كتاب ونقاد الملحق. وبمساعدة الأكاديمي المرموق هكتور بيانشيوتي، كان يدعو قراء الملحق إلى اكتشاف ما كان يسميه ب"الجغرافيا السرية والعاطفية" التي تساعدهم على تجاوز الحدود للتعرف على مبدعين من آفاق أخرى مثل الإيرلندي جيمس جويس، والبريطاني مالكوم لاوري، والأمريكي ويليام فوكنر، والياباني كواباتا، والصيني شان فوو.

أما مساعدة فرانسوا بوت السيدة نيكول زاند فقد انصب اهتمامها على التعريف بمن كانوا يسمون في ذلك الوقت ب"المثقفين المنشقين " في روسيا، وفي بلدان الكتلة الشرقية. وبفضلها تعرف الفرنسيون على ميلان كونديرا، وعلى فاتيسلاف هافل، وعلى دانيبلو كيش، وعلى خروخي كونراد، وعلى امري كرتيز الذي سيحرز في ما بعد على جائزة نوبل للآداب. إلى جانب ذلك، كانت نيكول زاند اول من أشاد بروايات الأمريكية السوداء توني موريسون التي ستفوز هي أيضا بجائزة نوبل للآداب.

وفي جلّ البلدان الغربية، كما في الولايات المتحدة الأمريكية، تحرص الصحف الكبيرة على إصدار ملاحق أدبية تضيء الإصدارات الجديدة، وتعرّف بالظواهر الجديدة في مجال الفكر والفلسفة والشعر والرواية والنقد . وهذا ما يقوم به ملحق" بوكس" الذي تصدره جريدة"نيويورك تايمز" .

وفي العالم العربي لعبت الملاحق الأدبية دورا كبيرا في التعريف بجوانب مختلفة من الحياة الثقافية والفنية والأدبية.وبفضلها تعرف القراء على كتاب ومفكرين وشعراء من المشرق والمغرب.ومن أهم تلك الملاحق، يمكن أن نذكر ملحق جريدة "النهار" اللبنانية، وجريدة"الأهرام " المصرية.

وفي تونس، كان الملحق الأدبي لجريدة"العمل " الناطقة باسم الحزب الحاكم آنذاك أول ملحق يكتسب شهرة واسعة لدى القراء، ويتمكن من رصد الظواهر الجديدة في الحياة الثقافية التونسية.حدث ذلك في منتصف الستينات من القرن الماضي. وقد أ شرف على هذا الملحق الكاتب عز الدين المدني ليجعل منه منبرا للأصوات الجديدة في مجال النقد والقصة القصيرة والمسرح والشعر.لذلك لم يتردد عز الدين المدني المفتون بالحركات الطلائعية الفرنسية، والغربية عموما في نشر قصص يبدو فيها تأثير موجة "الرواية الجديدة" جليا على أصحابها. كما أنه فتح الأبواب واسعة أمام تيار من كانوا يسمون في ذلك الوقت ب" شعراء في غير العودي والحر" .

وفي مجال النقد أصدر ملحق"العمل"نصوصا تعكس تأثيرات رولان بارت ،وأيضا الواقعية الإشتراكية متمثلة بالخصوص في غيورغ لوكاتش ولوسيان غولدمان . ورغم الرقابة، نشر الملحق العديد من النصوص الشعرية والقصصية التي تنتقد بحرية وبشيء من الحدة الأوضاع السياسية والإجتماعية في البلاد التي كانت تعيش آنذاك فترة "التعاضد" الإشتراكية.وبسبب المظاهرات العارمة التي شهدتها العاصمة في أول صيف عام 1967، إثر الهزيمة العربية ، توقف الملحق عن الصدور،وظلت البلاد تعيش فراغا ثقافيا لسنوات مديدة.

في أواخر السبعينات، أصدرت جريدة "الصباح" ملحقا أدبيا أشرف عليه الناقد الراحل ابو زيان السعدي الذي كان متأثرا بالمدرسة المصرية ،وبالخصوص بكل من العقاد وطه حسين. بل أنه كان يتصرف احيانا وكأنه وريثهما الشرعي الوحيد. وكان يضيق بالتقليعات الأجنبية، ولا يعيرها أي اهتمام،معتبرا المفتونين بها مجرّد "قردة"قادريبن فقط على المحاكاة. أما الإبداع الحقيقي فلا يمتون إليه بأي صلة. ورغم كلاسيكيته المجحفة، وتمسكه برجعيته الفكرية والنقدية، لم يغلق أبو زيان السعدي أبواب ملحق "الصباح" في وجه الأصوات الجديدة المعادية لأفكاره. لذا تحول الملحق المذكور إلى منبر أسبوعي للكتابات الجديدة في مجال القصة القصيرة والشعر والنقد. وبفضله برز أدباء وشعراء سوف يحتلون في ما بعد مكانة بارزة في الأدب التونسي الحديث.

وخلال الثمانيات، استطاع الملحق الأسبوعي الذي كانت تصدره جريدة"الشعب" الناطقة باسم الإتحاد العام التونسي للشغل أن يستقطب المواهب الجديدة في مجال الفكر، والشعر، والترجمة، والقصة أمثال الشاعر أولاد احمد، والمفكر سليم دولة، و الكاتب حسن بن عثمان، والناقد أحمد الحاذق العرف،وآخرين.

أما الآن، فقد انعدمت الملاحق الثقافية الجادة ،ولم تعد الصفحات الثقافية القليلة تهتم إلا بالأخبار القصيرة عن الإصدرات الجديدة، أو عن التظارات الثقافية في العاصمة أو في مناطق البلاد.

 

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف