فضاء الرأي

اهل النفاق والشقاق"السياسي!" في العراق

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

من اكثر المصطلحات السياسية المتداولة عند العراقيين هي الوطنية ، فهم مفتونين بها لدرجة انهم لا يستطيعون العيش بدونها ..ومفهوم الوطنية عند العراقيين يتنوع بتنوع اعراقهم ومذاهبهم ولا يأخذ شكلا واحدا ، فالوطنية عند الشيعةغير تلك التي يدعو اليها السني ، وقد تعني عند الشيعة حكم  الاغلبية ، وعند الكرد تعني الفيدرالية او الدولة المستقلة ، وعند السنة العرب تعني الحكم بالشريعة بقيادة"يعربية"مشابهة جدا للأنموذج الذي قدمه حزب البعث .. لااحد يتفق على وطنية واحدة ، الكل يدعو الى وطنيته الخاصة ، وفق منظاره الخاص ، هذه الخصوصية التي يتفرد بها العراقيون عن غيرهم كانت مصدر تعاستهم قديما وحديثا ، الزعيم"عبدالكريم قاسم"قاد انقلابه ضدالعائلة المالكة بدافع وطني جماهيري كما كان يرى ويعتقد ، وقُتل هو ايضا شر قتلة باسم الوطنية"البعثية"ومن ذات المنطلق قاد"عبدالسلام عارف"ومن بعده"احمدحسن البكر"انقلاباتهم الدموية ، واعدم"صدام حسين"نصف دزينة من اخوانه الوطنيين القياديين عام 1979وهو يذرف دموع التماسيح بحجة"الخيانة الوطنية !" وتحت يافطة الحفاظ على الوحدة الوطنية ؛ قصف النظام الوحشي في بغداد مدينة كاملة بالقنابل الكيمياوية وسيق مئات الالاف من ابرياء الكرد الى المقابر الجماعية وهم احياء عام 1988 ..

ولم يختلف الوطنيون الجدد عن سابقيهم كثيرا ، فقد ساروا على نفس نهجهم السياسي ولكن بطريقة اكثر ارباكا و تعقيدا ، بعد ان فشلوا فشلا ذريعا في اقامة مشاريعهم الخاصة ، الشيعي فشل في اعادة المركزية القوية الى بغداد بقيادتهم وفشل"السني" في ارجاع نفوذه القديم الواسع وفشل الكردي في دفع بغداد الى تنفيذ المادة 140 الدستورية التي تعيد اليه حقوقه المغتصبة ، وعندما يأس الجميع من تحقيق اهدافهم الخاصة لجأوا الى استراتيجية اكثر وضوحا ، الشيعي اعتمد استراتيجية "الاغلبية السياسية او الاغلبية الوطنية"وهذا الطرح يهدف في النهاية الى اخضاع السنة والكرد الى هيمنته والسيطرة الكاملة على الحكم ، وطرح السني مشروع اقامة"اقليم"خاص به تطبيقا للمادة 119 من الدستور وذهب الكرد الى ابعد من ذلك ، فقد طالبوا بالانفصال نهائيا عن العراق واقامة دولتهم المستقلة!. 

والاشكالية الحقيقية التي مازالت تعاني منها بغداد بعد مرور اكثر من خمسة عشر عاما من الحكم هي ؛ ان لا احد يعرف لحد الان ماهو شكل الحكم فيها ، هل هو فيدرالي لا مركزي ديموقراطي ام مركزي شديد، استبدادي ، هل هو برلماني ام رئاسي ، هل يسيره الدستور ام تديره الاحزاب والكتل ام هو خاضع لنفوذ الاشخاص؟ الضبابية وعدم وضوح الرؤيةالسياسية من اهم سمات السلطة الحالية ، وهما السبب في التخبط الذي تعانيه لحد الان ..

مهما قيل عن مساويء"الثورتين"التموزيتين ؛ ثورة  14 تموز عام 1958  وثورة17 ـــ 30 تموز عام 1968 فقد كانتا على قدر كبير من الوضوح في الرؤية والبساطة في الطرح السياسي ، كان الزعيم" قاسم" يريد ان ينشيء دولة ذات طابع جمهوري على غرار الجمهوريات الموجودة في العالم العربي ، يتولى رئيس الوزراء السلطة في البلاد مع فريق وزاري كفوء ، وكذلك البعثيون كانوا يجاهرون بالعروبة وتوحيد الامة العربية على رؤوس الاشهاد ولايخفون شيئا عن الاخرين ،  بخلاف  الحكم الجديد ، اهدافه غامضة وسياساته غير واضحة ، يريد شيئا ويضمر شيئا اخر ، يدعي الالتزام بالدستور ويعمل ضده ،  يمارس الطائفية سرا ويدعي الوطنية جهرا ، مجرم عتيد يقتل على الهوية ليلا ويدعي القانون وحقوق الانسان نهارا ، مفسد غارق حتى اذنيه في الفساد مع ذلك ينادي بمكافحة الفساد!

هذا النفاق السياسي الممنهج والازدواجية في السلوك والشخصية اذا لم تعالج وهي لن تعالج في ظل وجوه السلطة الحالية ، فان العراق سائر نحو التفكك المحتوم ..

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف