الاعتراف بالخطأ والاعتذار من الفضائل
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
الخطأ سمة من سمات البشر، وكل إنسان في هذه الدنيا معرض للخطأ تحت وطأة الظروف والانفعالات، وليس عيبا أن يخطئ المرء ولكن العيب أن يستمر في خطئه. والاعتذار رجوع إلى الحق، وإقرار بالخطأ وإحساس بالمسؤولية والندم، وهو وسلوك حضاري وفضيلة تدل على الثقة العالية بالنفس، وفن ومهارة شخصية واجتماعية.
الاعتذار عند الشعوب المتحضرة، أسلوب حياة ونمط سلوك اجتماعي نبيل يعطي الأمل بتجديد العلاقة بين الأطراف المختلفة، وهو التزام يساعد الانسان على تطوير ذاته وتحسين الأواصر مع الأشخاص المحيطين به، وهو استعداد لتحمل مسؤولية الأفعال من دون الحاجة الى اختلاق الاعذار والتبريرات، ولا يقوى علىممارسته إلا من امتلك الرغبة في تصحيح أخطائه، وتشبع بروح المسامحة والتعاطف مع الآخرين، وهو تقويم لسلوك سلبي يظهر من خلاله مدى شجاعة الفرد على مواجهة الواقع وتحمل المسؤولية.
الأسبوع الماضي، استقال "أندرو غريفيث – البالغ من العمر 47 عاما" وزير الدولة البرلماني البريطاني لشؤون الأعمال التجارية الصغيرة على خلفية فضائح جنسية، معترفا بأنه ارسل اكثر من 2000 رسالة تحمل "مطالب ورغبات جنسية" الى امرأتين في دائرته الانتخابية. وفي بيان الاستقالة قال "غريفيث": اشعر بالخجل الشديد لسلوكي الذي تسبب في محنة لا توصف لزوجتي وعائلتي الذين أدين لهم بكل شيء، وحرج شديد لرئيسة الوزراء وأعضاء الحكومة، ووصف نفسه بالشرير. كما قدم اعتذاره لدائرته الانتخابية الذين وضعوا ثقتهم به ولكنه خذلهم، طالبا منهم الصفح والمغفرة. وقال بوضوح "لا اسعى الى تبرير سلوكي وسأبحث عن مساعدة مهنية لضمان عدم تكرار مثل هذا السلوك مرة أخرى.
يؤكد المختصون في علم النفس أنه من الجيد الاعتراف بالخطأ وسوء التصرف، ولكن هذا ليس معناه جلد الذات والحكم علىالنفس بالفشل وعدم القدرة على النجاح، بل عليك أن تعرف ان الشخص يتعلم من الأخطاء اكثر من استفادته من التصرفات السليمة لأنه يكتشف نقاط ضعفه التي لابد أن يتعامل معها للتغلب عليها. والمهم هو مراجعة النفس للتعرف على أسباب الوقوع في الخطأ وسوء التصرف لتكون قادرا على معالجتهما، وتأكد أنك لست أول ولا آخر من يخطأ او يسيء التصرف لأنهما من الصفات البشرية التي لا يخلو منها إنسان مهما إدعى العلم والحكمة.ويضيف المختصون ان الاعتذار اعتراف بالخطأ ودليل على قوة الشخصية التي تقدر أن الوقوع فيه لا يعني ان الشخص سيئبطبعه او انه فاشل، بل هو إفصاح عن سوء الاختيار أو إخفاق في اختيار التصرف السليم، والاعتذار في هذه الحالة يكسبك احترام الآخرين ويشجعهم على التسامح معك.
المؤسف وما يحز في النفس، اننا في العالم العربي عامة (حكومات وشعوب) لا نعترف بأخطائنا فضلا عن أن نقدم الاعتذار لمن اسئنا اليهم او اخطأنا في حقهم، فما أكثر الإساءات والتجاوزات وما أقل الاعتذارات. وقلما نسمع في مجتمعاتنا العربية عن اعتذار شخص لآخر أو دولة عربية لدولة عربية أخرى أو لغيرها رغم كثرة الإساءات والتجاوزات، لأن تربيتنا وثقافتنا تعتبر الاعتذار هزيمة او ضعف او إنتقاص للشخصية والمقام. نحن العرب (حكومات وشعوب) ابرع من يقدم الأعذار بدل الاعتذار، ويشق ويصعب علينا تحمل مسؤولية تصرفاتنا، وكثيرا ما نلقي باللوم على الظروف أو على الآخرين او على أي شماعة أخرى بشرط أن لا تكون شماعتنا، فالغير هم السبب وهم المذنبون دائما وليس نحن.
نحن في العالم العربي بحاجة ماسة لنشر ثقافة الاعتذار والتسامح وتعميمها وتكريسها في مجتمعاتنا ومناهجنا الدراسية، ولن يحدث ذلك إلا حين نعمل (نحن البالغين) على تعديل سلوكنا العام، ونربي أبناءنا على الصدق والصراحة في كل الأمور كخطوة أولى، ثم نعودهم على مفردات الاعتذار والتسامح والتواضع أثناء تعاملهم مع الآخرين. وبعدها نعلمهم فن الاعتذار وكيفيته، ومتى يعتذرون؟ ولماذا يعتذرون؟ وهذا يستوجب بطبيعة الحال نوعا من الضبط الاجتماعي والأخلاقي لعلاقة الفرد بمحيطه، والتذكير بالقوانين التي تحكم تصرفاته، والإشادة بالتصرف السليم عندما يصدر من أولادنا تجاه الآخرين وتعزيزه باستمرار. وقبل هذا وذاك يجب أن نغير نحن الكبار (آباء ومعلمين ومسؤولين) من سلوكنا بإشاعة الفضيلة والعودة للحق في كل تصرفاتنا الخاصة والعامة، كدليل على التحضر والوعي، حتى يكون أولادنا قدوة للأجيال القادمة.