فضاء الرأي

مَكامن مَحرقة حلبجة

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

من المعلوم للجميع، ان النظام العراقي البائد(1968-2003م) أرتكب قبل واحد وثلاثين عاماً، وتحديداً في يوم(16/3/1988م)، جريمة كبيرة عندما قصف مدينة حلبجة الكُردية بالغازات السامة، وقَتَل أكثر من(5) الآف من المدنيين الأبرياء فيها فضلاً أصابةنحو(10) آلاف بجروح ونزح عشرات الآلاف من سكانها.

ونعلم ان هذه الجريمة وفواجع الأنفال، التي راحت ضحيتها، هي الأخرى وفي العام ذاته!، حوالي(200) ألف كُردي آخر، هي، كلها، في النهاية، بمثابة إعادة تراجيدية للتاريخ الحديث والمعاصر وحلقة أخرى قاتمة من حلقات العنف والتمييز العنصري ولكن ربما في أجزاء مختلفة من هذا العالم. والمجازر التي لحقت بالكُرد، من قبيل حلبجة والأنفال، لا تندرج سوى ضمن هذه الدوامة البشرية المتواصلة، وهي من الجرائم المُماثلة، نوعاً ما، لما حدثت في "الهولوكوست/Holocaust" مثلاً، لاسيما من حيث البشاعة والمنهجية، لا من حيث الكم والعدد طبعاً، بإعتبار ان هذه الأخيرة كانت إبادة جماعية مروعة للغاية وتطهير عرقي تام وقعت خلال الحرب العالمية الثانية (1939-1945م) وقٌتِل فيها ما يقرب من ستة ملايين يهودي أوروبي على يد النظام النازي لـ "أدولفهتلر"(1889-1945م) والمتعاونين معه.

ومن هذا المنطلق لا غرابة ان يُشبه بعض من المفكرين العرب الكبار، مجازر حلبجة والأنفال أيضاً، بـ"الهولوكوست البعثي"!، فَهُم يدركون تماماً وجوه التشابه في العنف الدموي والمبرمج للآيديولوجيات الشمولية المختلفة، لاسيما آيديولوجيتي النازية والبعثية، وكيفية إنتهاج هذه الأخيرة لتقنيات نظيرتها "النازية"ومثيلاتها في الإبادة الجماعية.

وقد كتب في هذا الخصوص، المفكر الليبرالي الراحل، د.شاكر النابلسي (1940-2014م)، مقاربات رائعة للبرهنة على تلك المُماثلة، أو التمييز الجزئي بين التجارب الدموية، إذ يقول في إحدى مقالاته: "ان مجزرة حلبجة كانت بمثابة هولوكوست مرعبوفظيع في تاريخ العرب والكُرد على السواء، فلم يفتك العرببغيرهم كما فتكوا بالكرد في (1988م). لقد فتك العرب المسلمونباليهود في المدينة المنورة، فيما عُرف بنكبة اليهود، ولكن هذا الفتكلم يصل الى الحد الذي وصل اليه في 1988 في حلبجة وغيرهامن المناطق الكُردية"(1).

ومن البديهي طبعاً ان يُشار الى النظام البعثي عندما يكون الحديث عن جرائم الإبادة الجماعية في العراق، فالأمر كان من صميم إختصاصه، ومن صناعة زمرته الإنقلابية المتسلطة، التيلم تجلب للبلاد والعباد سوى الحروب والدمار والمحن، ولم تُنجز شيئاً سوى مشاريع بربرية عادلة في القتل وسفك الدماء بحق العراقيين جميعاً، ربما فقط بإستثناء اولئك الذين انخرطوا،باللحم والعظم، في صفوف البعث، وبايعوا منهجيته القائمة علىممارسة ثلاثية القمع والعنف والإستبداد.

كما ليست ثمة أدنى شك ان هوية المُقترف لجريمة حلبجة، أصبحت اليوم واضحة للجميع وضوح العيان ولاحاجة للبحث عنهاحتى على المستوى القانوني، لاسيما بعد القبض على مجرمي هذه المجزرة البشرية ومحاكمتهم من قبل المحكمة الجنائية العراقية الخاصة، وعلى رأسهم، مُحاكمة المقبور، علي حسن المجيد(1941-2010م)، الملقب بـ"علي الكيماوي" الذي كانمسؤولاً مطلقاً عن وقوع جرائم الأنفال وحلبجة، والذي حُكم عليه، أخيراً، بالإعدام شنقًا وذلك في (24 يونيو 2007م) بعد أن أدين بتهمة الإبادة الجماعية بحق الكُرد.

ورغم معرفتنا بهوية المُقترف للجريمة ومصيره الجهنمي، إلا أنه ينيغي ان لانتوقف أبداً، لاسيما نحن الكُتاب والمعنيين بملفات الإبادة الجماعية، عند هذا الحد من الأمر، ونذهب الى ما هو أبعد من هذا البُعد للقضية ولا نؤمن ان مقترفي مثل هذه الجرائم الوحشية هُم من كوكب آخر، أو لا صلة لهم بتاتاً بالبنى الإجتماعية والسياسية للمجتمعات التي جاءوا منها، أو البيئاتالثقافية التي ساهمت في تنشئة عقليات آثمة كهذه، ترتكب أمام أنظار العالم كل هذه المآثم والجنايات دون أدنى شعور بالذنب، أو الخشية من القيم الإنسانية والسماوية!.

بمعنى آخر، أن التفكير السليم عن المجازر الإنسانية وأسبابهااليوم، هو ان نتشبث دوماً برؤية أوسع ونظرة متعمقة أكثر للأمور،بحيث نتجاوز بها ومنها المنظور النمطي في تفسير الأحداث والأشياء، وأن لا نحلل الأمور فقط بأسبابها الظرفية وبالفاعليين الإجتماعيين وحسب، وانما نسير على منهجية جديدة متعمقة،تشتغل على مكامن الإحداث وخبايا الظواهر، وذلك لا لشيء آخر سوى تجنيب انفسنا وأجيالنا القادمة من الجهل بما هو محتمل ومفتوح، أي وقوع مجازر أخرى مستقبلية وتكرار ما كُنا نُتفقدوماً على إعتبارها جرائم حرب وأبادة بحق الإنسانية.

وفي هذا الصدد، تستحضرني مقولة للمفكر العربي اللبنانيالمعروف "د.علي حرب" حينما يقول: (أنا لا أقول إن بن لادن، أو صدام، وديعة أو صنيعة أمريكا، انهم آتون من بيئتنا الثقافية/الدينية)(2)، والسؤال هو: ماذا يعني لنا هذا بالضبط؟ ألا يعني،وبكل بساطة، ان للأحداث، أو الظواهر، بُنىً تتحكم بها، أو تصدر عنها ولا تأتي من الفراغ، أو من تلقاء نفسها، وإنما تُعبر تماماً عما يشكل بنيتها التحتية ومصدرها الرئيس ويجعلها تقع وتتجسد على هذه الشاكلة الشنيعة والهمجية؟، وخير برهانعلى ذلك، ربما هو إحساس بعض من المثقفين العرب الشرفاء، بالوصم والعار في كل حديث عن مجازر حلبجة والأنفال،وشعورهم بالذنب إزاء هذه المذابح، في حين أنهم لم يكونوا، أساساً، على علم بكل ما كان يجرى في العراق وما كان يمارسهالنظام البعثي من سياسات قمعية وجرائم وحشية، والدليل هو، عندما علموا ببعض المجازر، لاسيما باحداث حلبجة وعمليات الأنفال السيئة الصيت، لم يسكتوا عنها، بل سرعان ما سجلوا لأنفسهم أنبل المواقف الإنسانية وأنجبها من خلال رفضهم التام للجرائم المُرتَكَبة بحق الكُرد وإستنكار جميع ممارسات نظام البعث في أوج عهده، غطرسةً وهيمنة.

بمعنى آخر، ينبغي أن نعلم بأن ثمة دوماً علاقة عضوية وطيدة بين الجرائم الوحشية والبنى الإجتماعية والسياسية والثقافية التي تفرزها. واولئك المثقفين العرب، يعلمون بأنهم يتحملون جزءاً من مسوؤلية طغيان تلك البنى وهيمنتها على العقول والسلوك البشري في العالم العربي والإسلامي، ذلك لأن عدم علمهم بالأحداث الداخلية للبلدان العربية، لأي سبب كان، لاسيما بفعل سيطرة الإعلام الرسمي على الرأي العام، أو صمت بعضهم تجاه جرائم الأنظمة العربية، أو تأييد أغلبهم لتلك الأنظمة وسياساتها الإستبدادية بذريعة الدفاع عن العروبة، أو الإسلام، أو مواجهة الصهيونية، لا يعني، في النهاية، كله، سوى نوع من أنواع الوقوف مع الجلاد، أو المشاركة في تشييد وتعزيز البنى السياسية والمجتمعية والثقافية لتلك المجازر التي استهدفت مكونات وشعوب عريقة في المنطقة من قبيل الشعب الكُردي، وأن أي إستسلام لتلك البنى وعدم تغييرها، أو الحد منها، هو، بحد ذاته،بمثابة جريمة معرفية وفكرية، بل يشكل سبباً حقيقياً من أسباب التمهيد لوقوع المزيد من الجرائم والمذابح في العالم العربي والإسلامي مستقبلاً.

ولا مراء من أن الشعور بهذه المسؤولية لدى بعض من المثقفين العرب، هو ناتج، في المقام الأول، عن مبدأ الإلتزام بالحد الأدنى من هوية المثقف ودوره المحوري في الدفاع عن قيم الحقوق والحريات والعدل من جهة، ومن ضرورة القيام بالتنوير والتحديث الفكري في المجتمعات من جهة أخرى، فضلاً عن مواجهة الظلم والتسلط والإستبداد السياسي.

كما وان إنعدام القيام بالواجب الثقافي والمعرفي المطلوب،المتمثل في مواجهة كل تلك الظواهر والأحداث الكارثية وتعرية الأسباب البنيوية لوقعها وتوعية المجتمعات العربية والإسلامية من عواقبها وتداعياتها على أمن المنطقة وأستقرار بلدانها الداخلي، أمر في غاية الخطورة وثمنه غالٍ جداً على مصائر الشعوب، خصوصاً ان بعض من المثقفين العرب- أقول البعض وليس الجميع!- يدركون ان المكارث والمجازر الدموية، أو الفتن والحروب الأهلية، لا تتوقف أبداً عند ظروف و مراحل ما فقط دون سواهاحينما تتغذي مباشرةً من بنى سياسية وإجتماعية وثقافية داعمة لها، وإنما، على العكس تماماً، ستمد عبر التاريخ وتستمر وتُنتج نفسها مجدداً فور ما تجد اللحظات المناسبة للإيقاض والتربع على أرضها الخصبة والتفشي في هناك أو هناك، أو من بلد لآخر!، وما الأمواج الواحدة بعد الأخرى، من دوامات العنف والإرهاب- إرهاب الدولة والجماعات المتطرفة-، أو الصراعاتوالفتن، أو الإقتتال والحروب، سوى تعابير واضحة عن مكارثية تلكالبنى السياسية والإجتماعية والثقافية السائدة في العالم العربي والإسلامي ومسؤوليتها عن إبقاء أحوال البلدان في لا استقرارية مميتة والمزيد من العنف والإرهاب، أو الحروب والإبادات الفردية والجماعية.

الهوامش:

1- شاكر النابلسي، (شهر التهجير والتحرير)، موقع الحوارالمتمدن، 13/4/2007م، الرابط:

http://m.ahewar.org/s.asp?aid=93877

2- هذا ما قاله (د.على حرب) في إحدى حلقات برنامج (الاتجاهالمعاكس) لقناة الجزيرة.

• كاتب وأكاديمي &- من كُردستان العراق

adalatwala@gmail.com

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
الإبادة العامة والعقاب الجماعي ليست من الاسلام
في شيء انها في تاريخ إلحادكم او صليبيتكم فتشوا عنها -

يبدو ان هذا المقال سيفتح شهية الشعوبيين القوميين الكرد والمسيحيين الانعزاليين لشتم الاسلام وسب العرب المسلمين ؟! للعلم البعث منكم وفيكم ملحد وقومي مثلكم وأنشأه واحد نصراني ، المقارنة بين إيقاع العقوبة بالخونة من يهود بني قريضة ومذابح اخوانكم في البعث مقارنة خبيثة ، كان يحاول الهالك النابلسي ان يتقرب بها الى اليهود ليحصل على نوبل ربما ، اليهود خانوا عهودهم. وعقوبة كل خائن الإعدام في كل دين وملة الم تعدم الثورة الفرنسية ستة الاف فرنسي خانوا وتعاونوا مع النازي ضد بلادهم ستة آلاف وليس سبعون ولا سبعمائة من يهود بني قريضة الذين طبقت عليهم عقوبة في شريعتهم ، ان العقاب الجماعي ليس من الاسلام في شيء هذه ممارسات مدانة وان صدرت من مسلم ، الإبادة العامة والعقاب الجماعي ليست من الاسلام انها في تاريخ الحادكم او قوميتكم او صليبيتكم و كثيرا ما مارستها بينكم و بالمناسبة هناك تشكيك في رقم ضحايا محارق النازي ولكن هناك ارهاب فكري حيث تحول الرقم الى تابو مقدس ممنوع التشكيك يتعرض ناقدة للسجن مدى الحياة الامر الذي يدفعنا الى التشكيك في ارقام ضحايا الكورد دون ان يخل ذلك من طرفنا بإدانة الجريمة ولو ضد شخص معيارنا في ذلك ان من قتل نفسا بغير حق كمن قتل الناس جميعا بالنهاية الكورد اخواننا في الاسلام و حتي الملاحدة منهم اخواننا في الانسانية ، والنظم التي قتلت الكورد قتلت العرب المسلمين من شعوبها وقمعتهم وافقرتهم ولا زالت فكلنا في القمع والقتل شرقُ .

العالم المنافق
ابو تارا -

هذه المذابح والمجازر وبالاحرى المحارق ارتكبه نظام صدام الدموى بدم بارد وامام مرأى ومسمع من العالم الساكت والمتواطىء والمنافق في انتهاك صارخ لكل قوانين وشرائع الأرض والسماء تحية للكاتب

تحت شعار جعلناكم شعوبا
Rizgar -

تحت شعار جعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا! العرب سرقوا أبواب وشبابيك المنازل وتراكتورات الفلاحين الكورد في عفرين، بل ومواشيهم ودجاجاتهم بسفالة لامثيل لها وهم يصيحون "الله أكبر" أو "تكبيييير". نفس اعمال الشيعة في خورماتو وكركوك ,الفرق البسيط ان الشيعة في خورماتو وكركوك يصيحون "لبيك يا حسين" و "يا حسين" ..وكان الكورد شاركوا في قتل الحسين !!! ماذا كانوا يفعلون بالكورد لو شارك كوردي واحد في الكوفة في قتل الحسين ؟ البعث حاول تحقيق النزوات العربية للعرب العراقين , اعمال الشيعة اشرس من البعث ضد كوردستان, لا فرق بين داعش و حكام عاصمة الانفال .