بقاء لحود يضعف موارنة لبنان
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
الطائفة الباقية بزعامات متنوعة أمام استحقاق صعب
بقاء لحود يضعف دور الموارنة في مستقبل لبنان
من نافل القول ان تورط القريبين من رئيس الجمهورية والاشتباه فيهم بالمشاركة في تنفيذ الجريمة، امر بالغ الخطورة على موقع الرئيس وقدرته على الصمود فيه. ويلاحظ بعض المهتمين بالشؤون اللبنانية من المراقبين الغربيين ان التقرير جاء ايضاً ليضيف إلى قائمة القريبين المتورطين من رئيس الجمهورية التي جعلت موقعه مهتزاً، علاقات اخرى كشف عنها التقرير، تجعل موقفه أشد صعوبة وموقعه أكثر اهتزازاً. وفي احوال عادية يمكن الافتراض ان علاقة الرئيس اللبناني ببعض مسؤولي جماعة "الاحباش" تهز مقام الرئاسة بعض الشيء، لكن اتصال هذه العلاقة بشؤون التحقيق الدولي في جريمة سياسية بامتياز، تجعل كل الاصابع تشير إلى الرئيس من دون ان يستطيع الدفاع عن نفسه. في أي حال، سرعان ما ردت دوائر القصر الرئاسي رداً واهناً، على واقعة ان اتصالات هاتفية سجلت بين مسؤول الأمن في جمعية المشاريع الخيرية الإسلامية وهاتف الرئيس الشخصي. مما جعل الدفاع عن موقف الرئيس صعباً وشائكاً.
هذا لا يفترض في طبيعة الحال، ان الرئيس اللبناني واحداً من المشتبه فيهم في تنفيذ الجريمة، وهذا ما اعلنه القاضي الألماني ديتليف ميليس صراحة بعد يومين من صدور التقرير. لكن الاشتباه السياسي ليس قليل الأهمية في هذا المجال. فالرئيس ليس شخصاً عادياً، وهو على أي حال لا يحاكم بوصفه نفذ او أمر بتنفيذ الجريمة. ففحوى الاشتباه السياسي تتعلق باتجاهات حكمه، والأرجح ان الحكم صدر في هذا السياق، ولا ينتظر اثبات التورط من عدمه جنائياً وجزائياً.
يمكن القول ان بقاء الرئيس اللبناني في سدة السلطة اليوم لا يعود في اسبابه إلى قوة الرئيس ومتانة موقفه وموقعه. فهذا أمر يبدو محسوماً من قبل ان تتم مناقشته. لذا يبحث المحللون والمراقبون عن اسباب اخرى تكمن خلف التريث في موضوع إقالته. والحق أن نواباً كثيرين من الطوائف المسيحية ورجال سياسة صرحوا بوجوب إقالة الرئيس. لكن المسألة تتعدى التصريحات العلنية العابرة، إلى ما هو أشد تعقيداً في موضوع انتخاب رئيس جديد للبنان.
وفي الكواليس السياسية تدور أحاديث عن أن بطريرك الموارنة طلب من "لقاء قرنة شهوان" سابقاً والقادة المسيحيين عموماً ان يطلقوا حملة إقالة رئيس الجمهورية مترافقة مع إعلان ترشيح بضعة مرشحين من القادة الموارنة، بحيث يترك الحسم في النتيجة لمجلس النواب في نهاية الأمر، على ان تكون بكركي على مسافة واحدة من الجميع. لكن ما حدث أن القادة الموارنة الذين ابدوا رغبتهم علناً وسراً في ترشيح انفسهم فاق عددهم التصور الممكن. والحال، لم تجد بكركي مفراً من تأجيل بت الموضوع إلى حين ترتيب البيت الداخلي.
سواء صحت هذه الرواية المنقولة عن أوساط البطريركية المارونية ام لم تصح. إلا ان ما تشير إليه ليس امراً خافياً على اللبنانيين عموماً. والحق ان تعامل القادة الموارنة مع موضوع الانتخابات الرئاسية كان ولا يزال في لبنان عنصراً اساسياً من عناصر إرباك الصف الماروني عموماً. وفي كثير من الاحيان أدى هذا الإرباك إلى خسارات صافية لم يتسن للموارنة في ما بعد تعويضها.
عند انتهاء ولاية الرئيس الأسبق امين الجميل، اختلف الموارنة على الرئيس التالي. وأظهرت أوساطهم ارتباكاً ملحوظاً أدى إلى استغلاله على خير وجه من القوى الخارجية، خصوصاً الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد والإدارة الاميركية التي كانت يومذاك في عز شهر عسلها مع الإدارة السورية، التي كانت تحث السير حثيثاً للإمساك بناصية الوضع اللبناني. ولا يستطيع اليوم أي مراقب لما حدث في ذلك الوقت، ان يفهم سر الحكمة التي حدت موارنة لبنان إلى أن يحولوا يومذاك دون انتخاب رئيس، اي رئيس، للبنان. الأمر الذي سمح لأهل الضفة الثانية من الإنقسام الأهلي اللبناني ان يطعنوا في شرعية حكومة ميشال عون العسكرية.
مما أدى إلى ازدواج في السلطة انتهى بعد لأي وعذابات لبنانية طويلة ومريرة، بنفي ميشال عون إلى فرنسا بعد طرده من قصر بعبدا وتشتيت قوته العسكرية.
اليوم يتكرر السيناريو نفسه لدى الطائفة المارونية. فليس ثمة مصلحة للموارنة، على ما يسرُّ النائب السابق وعضو "لقاء قرنة شهوان" فارس سعيد لبعض اصدقائه، من تعويد اللبنانيين العيش في ظل سلطة يبدو فيها موقع رئاسة الجمهورية مهملاً وضعيفاً إلى الحد الذي يجعل قصر بعبدا مهجوراً في بعض الأوقات، من دون زائرين من اي نوع. ففي مثل هذا التعود ما يجعل الحكم في لبنان حكراً على الضفة الثانية من ضفاف الاصطفاف الأهلي. الأمر الذي يمكن اعتباره تنازلاً من الموارنة لم يطلبه أحد منهم، ولم يكن يحلم بمثله احد من الاطراف الآخرين.
الموارنة على جاري عادتهم في مثل هذه المناسبات، يتحولون على ما يقال في لبنان منذ زمن الاستقلال الاول، مرشحين جميعاً. مما يجعلهم متفرقين أيدي سبأ. وتذر رياح الصراعات قرنها في ما بينهم. فتتكشف اللحمة الطائفية عن تذرر وتشتت في مواجهة عصبيات ناجزة وفاعلة في الجهات الاخرى، لا تتورع عن وراثة ما يمكن وراثته من إرث الموارنة ومكانتهم في لبنان. والحق أن بقاء رئيس الجمهورية في منصبه الحالي بعدما جرى كل ما جرى، وبعد إضعاف موقعه إلى هذا الحد، يبدو مثابة الخسارة الصافية للطائفة المارونية. فلا يختلف عاقلان على ان بقاء الرئيس لحود في موقعه طويلاً سيدعم السلطة الموكولة إلى الطائفة السنية بزعامة سعد الحريري، وسيجعل من الطائفة الشيعية ناخباً مقرراً ومؤثراً في انتخابات الرئيس المقبل للبنان. وحدهم الموارنة اللبنانيون يخسرون من كيسهم ما يعجزون عن تعويضه إذا ما استمرت الحال على ما هي عليه من التردد وسوء الفطن.
الغداء في منزله في الأرز أمس (البلد)في طبيعة الحال ثمة معوقات كثيرة تحول دون ان يتفق القادة الموارنة على رأي واحد في لبنان. أبرزها على الإطلاق، ان الطائفة المارونية هي الطائفة الوحيدة المتبقية في لبنان التي تشهد تنوعاً لافتاً في قادتها وزعمائها. وهذا مما يجدر باللبنانيين المحافظة عليه وتشجيع شيوعه بين الطوائف الأخرى. وربما يكون ثاني أبرز المعوقات، أن الزعيمين المارونيين الأقوى شكيمة والأوسع حشداً بين زعامات الموارنة السياسيين، هما بطلا حروب من الحروب الأهلية اللبنانية التي طال أمدها. بطلا حروب أضعفت الطائفة المارونية على مذبح الانتخابات الرئاسية في العام 1988. وقد يكرران السيناريو نفسه من دون أي تعديل اليوم. فالقائدان اللذان يحظيان بأوسع قاعدة شعبية في صفوف الموارنة هما الجنرال ميشال عون والدكتور سمير جعجع، اللذان كانا بطلي حروب ضروس في وسط الطائفة الواحدة. ولم يُعرف عن الاثنين نشاط سياسي حر وفاعل منذ ذلك الحين، فميشال عون نفي إلى باريس طوال زمن الحقبة السورية في لبنان، وسمير جعجع سجن في وزارة الدفاع من 1994 حتى 2005. واللبنانيون لم يختبروهما في السلم مثلما اختبروهما في الحرب، وربما لسان حال الموارنة واللبنانيين يقول اليوم: انه اذا لم يعض مايك تايسون احداً منذ مباراته الأخيرة مع هولدفيلد فذلك لا يعني أنه أحجم عن العض أو أنه شفي من عادته.