أخبار

أبناء الأسد: وتخطي الصعاب

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

سورية بين الأمس واليوم (6 من 9)
أبناء الأسد: هل يمكنهم تخطي الصعاب؟

إقرأ أيضا

سورية بين الأمس واليوم:
*من عهد الأسد المؤسس إلى زمن الوصاية الدولية (1 من9)
*حافظ الأسد قائد جيش الطائفة... محكوما (2من9)
من الساحة إلى صناعة الدور الاقليمي (3من9)
*بداية النهاية: تقليم الأظافر وانسداد الشرايين (4 من9)
*رفعت الأسد... شوكة في خاصرة الخلف (5 من 9)

بلال خبيز، بيروت: تختلف التقديرات كثيراً في السبب الذي حدا بالرئيس حافظ الاسد إلى اقصاء اخيه رفعت عن دائرة القرار. الأرجح ان رفعت لم يكن يفكر قبل العام 1983 بموضوع خلافة اخيه في السلطة. ولم يعرف عنه ميلاً إلى الظهور بمظهر رجل الدولة الذي يملك مشروعاً يسعى إلى تنفيذه وتحقيقه. كان رفعت، على ما تشير المصادر المختلفة التي تناولت سيرة آل الأسد، رجلاً يحب الحياة، بخلاف اخيه الذي كان زاهداً في معنى من المعاني. وكان يبدو انه يتمتع بالسلطات الممنوحة له والثروة التي حققها على خير وجه. ولم يكن يظهر انه واحد من الذين يريدون أكثر من ذلك. ربما تسارعت الاحداث إلى حد لم يعد يمكن للأسد الأكبر ايقافها فجرى ما جرى. لكن الأرجح ان صفات رفعت الشخصية التي لم تكن تروق للأسد الكبير، كانت واحداً من الأسباب التي دعت الأسد الكبير إلى التفكير جدياً في شخص آخر غير اخيه رفعت لخلافته.

علينا ان نسلم ان مثل هذا القرار الذي اتخذه الاسد الرئيس بإقصاء اخيه لا يمكن ان يكون قراراً قد اتخذ لسبب واحد فقط، من قبيل انه يريد توريث السلطة لأبنائه. على كل حال لم يكن اي من ابنائه في العام 1983 قد بدأ يظهر كشخصية محورية في سوريا. كان باسل الابن البكر في بداية عشريناته يومذاك، ولم يكن ممكناً الحديث عن خلافته لأبيه. اما بشار فلم يكن قد تجاوز العشرين بعد. والحال فإن اللجنة السداسية التي شكلها حافظ الاسد لإدارة شؤون سوريا لم تتضمن اي علوي.

ويشير نيقولاس فان دام في كتابه "الصراع على السلطة" ان الجنرالات العلويين الكبار رأوا في هذا التدبير ما يخيفهم . فلو ان مكروهاً ألم بالرئيس وتسلم السلطة فعلياً لجنة من الشخصيات السنية، فإن احداً لن يعصمهم من المساءلة والمحاسبة. وفي بلد بني نظامه السياسي على القسوة والشدة والاستبداد، لا يأمن الضباط الكبار على انفسهم من غائلة تغير وجه السلطة وعنوانها. والثابت ان القيادة العسكرية والامنية التي كانت تتحكم بسوريا يومذاك، كانت في معظمها من الطائفة العلوية. وقد وصل الضباط العلويون إلى هذه المراكز بعد لأي وخاض الأسد الأب صراعات لا تحصى لتثبيت السلطة على النحو الذي رست عليه يوم ادخل إلى المستشفى للمعالجة. ولا شك ان ثمة ثارات لم تكن قد بارحت مخيلة السوريين كانت وراء قرار الضباط الكبار ادخال رفعت الأسد كأحد اركان النظام الأساسيين في دائرة القرار التي استثني منها. لكن الأسد شفي بعد ذلك بفترة قصيرة، وسرعان ما عمد إلى تأنيب الضباط على مخالفة اوامره. والحق انه لو حدث وتفاقم مرض الأسد في تلك الأثناء لكانت السلطة اليوم من دون ادنى شك في يدي رفعت اخيه. لكن ما جرى قد جرى، وعاد الأسد إلى سابق عهده من النشاط، وقرر تصفية الذراع التي يهدده اخوه رفعت بها كل حين .

منذ ذلك الحين اخذ اسم باسل الاسد في التداول في سوريا، وتحول الشاب الذكي والمقدام إلى واحد من الذين تنشد إليهم الانظار في سوريا التسعينات.
تتضارب المعلومات المتعلقة بشخصية باسل الأسد، فمنها ما يشير إلى انه كان محباً للعيش كعمه، ومنها ما يؤكد انه كان مبدأياً وصارماً كمثل ابيه. لكن الثابت في سيرته انه كان رياضياً بارزاً وفارساً محترفاً. وانه ايضاً كان عسكرياً مجلياً ومظلياً بارعاً. وكان اول دوراته في الكلية العسكرية وقيادة الأركان والقفز بالمظلة. لكن هذه المرتبة لا يمكن الاعتداد بصدقيتها كثيراً في ظل نظام البعث، فحدث ان كان رفعت اول دورته ويليه فيها عبدالله طلاس. لكن باسل الأسد بدا بالنسبة للسوريين يومذاك سبباً لولادة الأمل بالتغيير. واحسب ان هذا الامر في حد ذاته كان من الأمور التي فكر فيها الأسد الأب وهو يعد ابنه البكر لتولي السلطة من بعده.
المهم ان باسل الأسد تسلم بعد فترة وجيزة مهمة قيادة الحرس الرئاسي، هذا الحرس الذي سيكون منذ ذلك اليوم هو البديل الحقيقي لسرايا الدفاع. والذي سيصبح القوة الضاربة التي تحمي النظام. لذلك لم يصل إلى قيادته إلا الأقربون والذين يمتون بصلات قرابة لصيقة بآل الأسد.

قضى باسل الأسد في ريعان شبابه في حادث سيارة مروع في كانون الثاني من العام 1994. تاركاً الجمعية المعلوماتية في سورية من دون رئيس، وهي الجمعية نفسها التي ترأٍسها الرئيس الحالي بشار الأسد فيما بعد، وتاركاً حراسة النظام في عهدة خاله وابنائه.
بعد تنصيب اخيه بشار رئيساً تولى اخوه الاصغر ماهر قيادة الحرس الجمهوري. ومن نافل القول ان العقيد ماهر الاسد ايضاً تدرج في المراتب العسكرية كأخيه الرئيس بسرعة قياسية.

اليوم يقود ماهر الأسد الحرس الجمهوري، وينسب إليه ان قواته هي التي تحمي النظام اليوم. وماهر الأسد على ما يشاع عنه شجاع إلى حد التهور، وتتقاطع المعلومات عن خلافه مع زوج اخته اللواء آصف شوكت، وينسب إليه انه اطلق النار عليه في بطنه حين تمادى الاخير في مهاجمة رفعت الاسد، ونقل شوكت على أثر تلك الإصابة إلى فرنسا للمعالجة وسط تكتم شديد. وعلى جاري العادة مما يخرج من بطن النظام السوري من معلومات لا يستطيع المرء تبين صدقيتها من عدمه، يشاع اليوم ان ماهر الأسد يصرح للمقربين منه ان السبب فيما وصلت إليه سوريا من عزلة خانقة، هو الانصياع لنصائح الصهر القوي آصف شوكت. وانه آن الأوان ليسدد كل واحد حسابه بالتفصيل. على كل حال، لم يعد سراً ان ماهر الأسد كان معارضاً لزواج اخته من الضابط الطموح، وان اخاه الراحل باسل الأسد كان ايضاً ضد هذا الزواج، وقد عمد إلى سجن شوكت لمنعه من الزواج بأخته. لكن الاسد الأب وامام إصرار الاخت على الزواج، بارك هذا الزواج الذي تم من دون علمه، وعقد مصالحة بين افراد العائلة، ليصبح شوكت واحداً من اعضاء الدائرة الصغيرة التي تحيط بالرئيس بشار الأسد والتي تملك قرار سوريا وتتحكم في مقدراتها. ويشاع ان الرئيس الأسد على فراش الموت اوصى ابنه الذي خلفه في رئاسة الجمهورية بالإعتماد على شوكت، والثقة فيه.

لا شك ان الأخوة الأسد ورثوا حملاً ثقيلاً لا يستهان به. ورثوا دوراً لسوريا متضخماً صنعه والدهم. وورثوا نظاماً شديد القسوة ويزخر بمراكز القوة التي لا يمكن تجاهلها. والأرجح انه لم يكن ممكناً تكرار التجربة التي خاضها حافظ الأسد وصلاح جديد، وتكرار تجربة اعفاء الضباط الكبار من مناصبهم ليتسنى للقادة الجدد ان يقودوا من دون صعبوات وإحراجات. والحال كان لا بد من الصراع البطيء بمزيج من الحذر والشدة ليحكم قادة سوريا الشبان قبضتهم على سوريا مثلما كانت الحال مع والدهم.

هكذا وجد ابناء الأسد انفسهم محكومين بالاستعانة بأقرباء آخرين، رغم بعض الخلافات معهم. فتحول آصف شوكت زوج بشرى الاسد اقوى الرجال في النظام السوري، وعلى النحو نفسه، يبدو ان رامي مخلوف ابن خال الرئيس بشار الأسد يمسك بأعنة الاقتصاد السوري بيديه.

عندما ذكر اسم ماهر الأسد كواحد من الذين حذفت اسماءهم في تقرير ديتليف ميليس في جريمة اغتيال رفيق الحريري. بدا كما لو ان بشار الأسد محكوم بتكرار السيناريو نفسه الذي جرى بين والده وعمه رفعت. لكن ذلك لم يكن ممكناً على نحو قاطع. فالنظام الفتي لا يستطيع ان يغامر بكل اوراقه ويبقى عرضة لرياح الأرض الأربع من الداخل والخارج. والأرجح ان الأخوين سيتعاونان ما امكنهما ذلك على تجنيب النظام وسوريا فيما بعد ما يمكن ان يكون مصيراً اسوأ مما نتخيل.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف