أخبار

فضيحة الاستخبارات السورية المرعبة في لبنان

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك


إيلي الحاج من بيروت: وجد المنقبون في المدافن الجماعية المُكتشفة في بلدة عنجر، قرب المقر المركزي السابق لاستخبارات القوات السورية في لبنان، جثة لم يمضِ على وفاة صاحبها سوى أشهر، بدت مختلفة إذ لم تتحلل أجزاؤها كلياً في حين لم يتبق من رفات الضحايا ال 29 الأخرى إلا هياكل عظمية أو أجزاء منها. هل تكون لأحمد أبو عدس الذي تبنى في شريط فيديو باسم منظمة وهمية اغتيال الرئيس رفيق الحريري؟ لجنة التحقيق الدولية في قضية اغتيال الرئيس الراحل رفيق الحريري سألت سلطات التحقيق اللبناني عن هذه الجثة ، وإذا كان جواب فحوص الحمض النووي "نعم، إنها لأحمد أبو عدس"، فستكون ورطة النظام السوري أمام القاضي الألماني ديتليف ميليس أكبر مما كان يتصور . وطبعاً لن يعدم من ينبري من وسطه للزعم أن أبا عدس ربما ذهب إلى هناك لينتحر أو أن المتآمرين اللبنانيين والدوليين دفنوه هناك ليوقعوا بسورية ويلفقوا الأدلة ضدها.

ولكن بصرف النظر عن هذا الاحتمال غير المستبعد، ينم ترك رجال الاستخبارات السوريين المدافن الجماعية خلفهم عن قلة تبصر لافتة أو ارتباك لا مثيل له، سبق أن عبّروا عنه بكميات من الوثائق خلفوها وراءهم في "فيلا جبر" الواقعة في ضهور الشوير التي كانوا يستخدمونها كمركز إقليمي لمراقبة كل ما كان يجري في منطقة المتن الشمالي. ومن الوثائق التي تركوها ما استعمله ميليس ضدهم ليبرهن عمق تدخلهم في الحياة السياسية اللبنانية، ومنها ما تسبب بخلافات بين بعض أبناء المنطقة إذ كشف أسماء وشاة سريين دأبواعلى الإيقاع بمواطنين لهم في مشكلات عويصة مع استخبارات السوريين ، على غرار ما حصل في ألمانيا الشرقية بعد الكشف عن وثائق استخبارات النظام الشيوعي السابق .

ويتناقض بعض المعلومات عن الرفات المكتشف ، ففي حين يقول الطبيب الشرعي الدكتور فيصل دلول الذي فحص بقايا الجثث، أنها تعود إلى نحو15 سنة أو أكثر، يفيد الطبيب الشرعي الدكتور فؤاد أيوب أن بعض هؤلاء الضحايا قتلوا في أوقات قد تصل إلى عشرين عاماً مما يعني أن الدفن في المقبرة بدأ منذ مرحلة قديمة. علماً أن مركز الاستخبارات السورية أقيم في تلك المحلة قبل 29 عاماً .

وفي حين لا يزال أهالي عنجر، والبقاع وعكار عموماً، يرتعبون من احتمال عودة الاستخبارات السورية يوماً إلى لبنان، تثير السخرية في أوساط اللبنانيين ذريعة المسؤول السوري الذي صرّح أول ما تسرب الكلام على اكتشاف المقابر بأنها من بقايا "حرب الإلغاء" بين وحدات الجيش اللبناني التي كانت موالية للعماد ميشال عون و"القوات اللبنانية" بقيادة سمير جعجع أول تسعينات القرن الماضي ، فلا وحدات عون ولا "قوات" جعجع كان في إمكانها الوصول يوماً إلى قرب المقر الرئيس للاستخبارات السورية في عنجر، وما حاجة أي منهما إلى تكبد هذه المشقة أصلاً؟ الأمر نفسه ينطبق على رمي مسؤول سوري آخر تهمة القتل الجماعي على ميت هو "أبو نضال" و"مجلسه الثوري". سخرية مرة دفعت النائب أكرم شهيب القريب من جنبلاط إلى عدم الاستغراب في حال رد النظام السوري الجثث التي خلّفها إلى المعركة الشهيرة أواسط القرن السابع عشر بين رجال أمير جبل لبنان فخر الدين المعني الثاني وولاة المنطقة العثمانيين، والتي دارت في عنجر!

والأكيد في أي حال أن غالبية الجثث قتل أصحابها قبل 15 عاماً تقريباً أي في المرحلة التي أعقبت دخول القوات السورية المناطق التي كانت تسيطر عليها وحدات الجيش اللبناني الموالية آنذاك للعماد عون. وثمة عشرات من ضباطها وجنودها لا يزالون مجهولي المصير، ما تسبب بمشكلة إدارية وإنسانية كبيرة. إذ أن قوانين الجيش اللبناني تنص على اعتبار الضابط أو الجندي المفقود شهيداً بعد مرور عشرة أعوام على اختفائه ، لكن عددا كبيراً من أهالي هؤلاء رفضوا التعامل معهم كأهالي شهداء وأصروا على أن أبناءهم لا يزالون أحياء في المعتقلات السورية، حيث أفاد شهود أنهم رأوهم، وما انفك الأهالي طوال كل هذه السنوات على المطالبة بإطلاقهم أو كشف مصيرهم أقله .

ويشارك جميع الأهالي في الاعتصامات المفتوحة أمام مقر الأمم المتحدة الأسكوا في وسط بيروت، وتنضم إليهم بين وقت وآخر جمعيات تعنى بحقوق الإنسان وتنظيمات وأحزاب سياسية . ووعدهم الأمين العام المساعد للأمم المتحدة ابرهيم غمباري لدى زيارته إلى بيروت بالنظر جدياً في طلبهم بتشكيل لجنة تحقيق دولية للنظر في قضيتهم.
ولم تمض ثلاثة أسابيع على هذا الوعد حتى انفجرت قضية مقابر عنجر الجماعية التي يُنتظر أن تكبر مع الوقت على المستوى الدولي. وكان توقيتها بعد فصول الشاهد هسام طاهر هسام ، دافعاً إلى اعتبار بعضهم أن إخراج جثث ضحايا القمع البعثي إلى الضوء هي الرد اللبناني - الدولي على العبث الذي استهلك ساعات من البث التلفزيوني السوري.

حقيقة معركة ضهر الوحش

وقد سألت "إيلاف" ضابطاً متقاعداً رأيه في احتمال أن تكون الجثث المكتشفة لضباط وجنود قتلوا بعد الاجتياح السوري في 13 تشرين الأول( أكتوبر) 1990، فحرص أولاً على التوضيح أن الرواية التي رددها موالون لدمشقعلىمدى سنوات عن واقعة معركة ضهر الوحش قرب عاليه غير صحيحة. فلم يحصل أن ضابطاً من اللواء العاشر في ذلك الموقع وذلك الوقت أوعز لجنوده برفع العلم الأبيض وعندما تقدم الجنود السوريون وباتوا مكشوفين أمر بفتح النار عليهم، ما أدى إلى إيقاع عدد كبير من الإصابات بين قتلى وجرحى في صفوفهم. فانتقم الجنود السوريون على الأثر لرفاقهم بارتكاب مجزرة جماعية.

وقال الضابط السابق : السابعة إلا عشر دقائق صباحاً قصفت طائرة حربية سورية من نوع "سوخوي" قصر بعبدا فانتقل منه العماد عون إلى مقر السفارة الفرنسية وأصدر أمرا بتسليم قيادة الجيش إلى العماد إميل لحود ووقف إطلاق النار.

لم تصل الأوامر بوقف النار إلى الجبهات في ضهر الوحش وبسابا والحدث ودير القلعة في بيت مري وضهر الصوان بسبب التشويش على أجهزة اللاسلكي، فواصل الجنود القتال وفقاً للأوامر المعطاة لهم سابقاً. في الثامنة والنصف أرسلت القيادة في اليرزة الأمر في برقية مكتوبة إلى قائد موقع ضهر الوحش تولى إيصاله درّاج ( جندي على دراجة نارية). لكن السوريين اعتقلوه في محلة الجمهور بين اليرزة وضهر الوحش ولم يدعوه يوصل برقية الأوامر إلى المواقع التي ظل رجالها حتى الرمق الأخير.

وشاهد بعض سكان الجوار إثر انجلاء المعركة جنودا سوريين من الوحدات الخاصة يقودون ضباطاً وجنودا لبنانيين من اللواء العاشر كانوا يمشون حفاة وعراة إلا من ثيابهم الداخلية السفلى، وبعد وصولهم إلى تل مجاور اختفت آثارهم.
لكن بعض الأمهات المعتصمات في وسط بيروت يقدمن إثباتات على أنهن قابلن أبناءهن بعد تلك المعركة في سجون سورية . وقد أطلق سراح بعضهم بالفعل بينهم ضباط . وأكد أكثر من شاهد لبناني وفلسطيني كانوا معتقلين أواخر عام 1990 في سجن التعذيب المركزي في عنجر، قبل نقلهم إلى معتقلات سورية، أنهم شاهدوا ضباطاً وجنوداً لبنانيين في مركز قيادة العميد في ذلك الوقت غازي كنعان.

وتفاقم المشهد المخيف روايات يتناقلها متابعون لهذا الملف نقلاً عن سكان عنجر مفادها أن جرافات ملأت شاحنات بأتربة من بقاع محيطة بمركز رجال الاستخبارات السوريين قبل انسحابهم. هل كانوا يخشون انكشاف أمر تلك المقابر فأخذوها معهم ؟

الثابت أن سيرة الحكّام السوريين انفتحت في العالم مع فتح القبور، وسيتعذر طمر هذه السيرة. فقبل أشهر حكي عن اكتشاف مقبرة جماعية في البوسنة تضم رفات سبعة مسلمين وقامت ثورة في المنتديات العالمية ووسائل الإعلام لم تهدأ بعد. بعضها يتحدث عن أوشفيتز المكررة، وبعضها عن ضرورة إحياء محاكم نورمبرغ لجرائم الضباط النازيين ضد الإنسانية . ماذا لوكان ميلوسيفيتش لا يزال ممسكاً بالسلطة ورجاله يواصلون الاستخفاف بالمجتمع الدولي؟

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف