هدنة في لبنان
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
هدنة في لبنان بين حزب الله وقوى 14 آذار
الباب مفتوح أمام إقالة رئيس الجمهورية
بلال خبيز من بيروت: تفيد المعلومات التي تسربت من دوائر القرار في بيروت بأن الأزمة الحكومية ستؤول في القريب العاجل إلى انحسار. لكن هذا الانحسار ليس اكثر من تحضير لمعركة عض الاصابع المقبلة. فالأطراف جميعاً اخذوا يعاينون نقاط ضعفهم ونقاط قوتهم في المعركة الاخيرة، وعلى الأرجح ستفتح الأيام التي تلي عطلة الأعياد أبواب معركة رئاسة الجمهورية على مصراعيها. هذه المرة لن يسمح الموارنة لحزب الله ان يقول رأياً في المسألة. حدد بطريرك الموارنة سقفاً للقضية بما يجعل لهذه المعركة عنوان وحيد اوحد، يتمثل في القوى المارونية الفاعلة على الصعيد المسيحي.
لا احد يستطيع الجزم منذ اليوم ان ثمة نتائج محسومة في هذه المعركة، لكن ما يتسرب من الكواليس يفيد بأن الخلوة بين رئيس الجمهورية والبطريرك الماروني والتي سبقت إعلان البطريرك حصر المعركة بشخص الرئيس وما يمليه عليه ضميره، بعدما حدد البطريرك في عظته مواصفات رئيس الجمهورية مفرقاً بين الموقع والشخص. ما يتسرب من هذه الكواليس، ومعظم ما يتسرب هذه الأيام يفتقد إلى الدقة، ان الرئيس عازم على الاستقالة، بعدما تم الاتفاق على مرشح مقبول لدى كافة الاطراف الفاعلين.
ويرجح البعض ان يكون ميشال عون مرشحاً قوياً يحوز معظم الأوراق اللازمة لجعله يخوض معركة رئاسة ناجحة. وسبق للرئيس الحالي اميل لحود ان اعلن انه لن يستقيل إلا لصالح ميشال عون. لكن اوراق ميشال عون لم تكن قوية بما فيه الكفاية، قبل الأزمة الاخيرة التي تصاعدت بعد اغتيال النائب والصحافي جبران تويني.
منذ ذلك الحين جرت مياه كثيرة تحت جسور القوى السياسية في لبنان. فلقد شهدت الأيام الاخيرة نوعاً من تطبيع العلاقات بين وليد جنبلاط وميشال عون, واعرب حزب الله عن ميله إلى ميشال عون بين المرشحين الموارنة الآخرين. اما تيار المستقبل الذي يتزعمه سعد الحريري فبدا اقرب إلى الحياد في هذا الموضوع منذ بداية الازمة وحتى اليوم. والحال فإن المسالك كلها باتت مفتوحة امام الجنرال ليتسلم رئاسة الجمهورية بعد استقالة الجنرال الحالي. لكن المعلومات التي تتسرب من كواليس القوى السياسية اللبنانية ليست مؤكدة على الدوام. وقد يطرأً في المقبل القليل من الأيام ما يجعل من هذا السيناريو اثراً بعد عين. وايضاً يسع القوى الطائفية بسهولة بالغة في لبنان ان تتنصل من مواقفها السابقة وان تعترض غداً على ما تطالب به اليوم من دون ان يسائلها جمهور او مؤيدين او اي قوة ضاغطة.
المسالك المفتوحة امام ميشال عون إلى قصر بعبدا لا تعني في طبيعة الحال ان المعركة قد حسمت. فثمة عواصف كثيرة تلوح في الأفق قد تمنع ما تم الاتفاق عليه او تم تسريبه للإعلام من التحقق على اي وجه من الوجوه. ليعيش البلد مرة أخرى ازمة حكم مستعصية لا نفاد منها في ما يبدو في القريب العاجل.
قد لا يتحقق ما اتفق عليه. لكن الثابت على الصعيد السياسي ان لعبة عض الأصابع الأخيرة بين حزب الله وقوى 14 آذار اسفرت عن تثبيت مقام حزب الله ومكانته في البلد، من جهة اولى، لكنها دلت الخصوم على نقاط الضعف الكثيرة التي يعانون منها والتي بالإمكان تفاديها في سهولة ويسر. لهذا يبدو ترتيب بيت 14 آذار وإعادة تجميع قواه، يهدف في الدرجة الاولى إلى تجنب الأزمة المقبلة والعجز الذي بدت عليه هذه القوى في مواجهة حزب الله الذي كان يهدد مع حركة امل الشيعية بإقالة وزرائه من الحكومة إذا لم تلب مطالبه. والحق ان الناظر في مطالب حزب الله من منظار من يريد التدقيق في أحقية مطالبه ومدى اتفاقها مع الواقع والخطاب الذي يسندها لا يجد سبباً يمكّن حزب الله من حيازة هذه القوة الهائلة التي تعطل البلد. فحزب الله يطالب قوى 14 آذار بتوضيح موقفها حيال القرار 1559، ذلك انه كما تسر اوساطه يشك في نيات الشركاء الآخرين، ويتخوف من تدويل اجتياحي قد يطيح بمقومات البلد. لكن حزب الله الشكاك هو نفسه إيراني النشأة والتمويل والمنبت والهوى، فضلاً عن علاقته بسوريا التي لا تخفى على احد. والحال فإن من يجب ان يتخوف من تدويل ما، هم قوى 14 آذار لا حزب الله، ذلك ان هذه القوى تقطع شك حزب الله بعلاقتها بالهجوم التدويلي بيقين علاقته بإيران التي لا يرقى إليها الشك. هذا من ناحية اولى، اما المطلب الثاني الأكثر إلحاحاً عند حزب الله فهو ما يتعلق بسلاحه، وبمطلب حماية المقاومة، في هذا المجال أيضاً يمكن الملاحظة من غير حاجة للتمحيص والتدقيق والبحث المضني ان حزب الله اليوم يملك مقاومة تفتش عن محتل لتقاومه. وان مهمتها مقلوبة تمامأً ففي حين يتوجب على المقاومة حماية البلد من الاخطار، يدعو حزب الله البلد إلى حماية المقاومة من الاخطار الخارجية. فعن اي مقاومة نتحدث في هذا السياق؟
يبقى ان اخطر ما برز في سلوك حزب الله في الآونة الأخيرة انه فاوض اللبنانيين الآخرين تحت خط الدم. فاوضهم وسيف الاغتيال فوق رقابهم، وفي هذا السلوك ما جعله يبدو الطرف الوحيد في البلد، خصوصاً بعد صدور قرار مجلس الأمن الرقم 1644 الذي اراح سوريا إلى حين، الطرف الوحيد الذي يملك امتدادات خارج لبنان. وان اللبنانيين الآخرين متروكين تحت رحمة هذا التدخل السافر في شؤونهم، فيما حزب الله وحده يمتن موقعه ويحسن شروطه بفعل هذه الاستعانة بالخارج التي لا لبس في وجودها. بهذا المعنى لم يكن السلوك الذي سلكه حزب الله مطمئناً للبنانيين الآخرين، والارجح ان ترتيب بيت 14 آذار بدا لقواها ملحاً وضاغطاً لأن الشريك الآخر المتمثل بحزب الله وحركة امل بدا كما لو انه مجرد شريك مضارب، لا يفاوض إلا تحت خط الدم ومستقوياً بطرف خارجي متهم بالقتل والاغتيال. ما يعني ان التحضير للمعركة المقبلة لن يكون بالضرورة في صالح حزب الله واستقوائه بسوريا ومن بعدها ايران في مواجهة اللبنانيين.
أخطأ حزب الله كثيراً في سلوكه هذا المزلق الخطر. متناسياً ان الطوائف قليلة الادب اصلاً ولا تحفظ جميلاً كائناً ما كان حجم الجميل. وان الضغط عليها قد يجعلها تنحني امام العاصفة لكن العاصفة تنحسر في نهاية المطاف ولا يبقى في البلد سوى الأشجار المعمرة. نرجو ان يكون لدى الشيعة اشجاراً معمرة اكثر مما لديهم من عواصف، لمصلحة الشيعة ولمصلحة البلد في آن.