كفاية .. من أم العواجز إلى أم النور
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
الحركة المصرية... مظلة من لا مظلة له
"كفاية" .. من أم العواجز إلى أم النور
نبيل شرف الدين من القاهرة: بدا الفرق واضحاً بين "حجم" مظاهرة حزب التجمع اليساري المعارض، ذات الحضور المتواضع على رغم تصريح السلطات لها بالسير وسط القاهرة وصولاً إلى مقر البرلمان، وغياب رئيس الحزب عنها، وبين "أربعائية" الحركة المصرية من أجل التغيير المعروفة باسم (كفاية)، أي المظاهرة التي تعهدت الحركة بتسييرها مساء الأربعاء من كل أسبوع، للتذكير بالاعتداءات التي شهدها يوم "أربعاء الاستفتاء" في أيار (مايو) الماضي، والتي وصلت إلى حد هتك عرض بعض الصحافيات والمحاميات، في سلوك غير مسبوق.
"أربعائية كفاية"، تنتقل ـ بذكاء وتلقائية ـ من رمز مصري إلى آخر، فمن ضريح سعد باشا زغلول أحد أبرز رموز مصر الليبرالية التي غيبت وشوهت منذ وصول العسكر للسلطة عام 1952، إلى ضريح "أم العواجز"، أي السيدة زينب، التي يتفنن المصريون في إطلاق الصفات النبيلة عليها، فهي أم العواجز، وهي رئيسة الديوان، وهي نصيرة المظلومين ومقصد المكلومين، وصولاً إلى كنيسة "أم النور" في إشارة إلى السيدة مريم العذراء، التي تتجلى كلما ألمت بمصر الملمات، كما حدث حين ضربت الهزيمة مصر في مثل هذا الشهر، حزيران (يونيو) عام 1967، التي هزت المجتمع المصري بعنف .
وفضلاً عن القيمة الرمزية لمغزى التظاهر بالشموع أمام كنيسة "السيدة العذراء"، فإن هناك دلالات سياسية واجتماعية أخرى غير خافية، فبعد "كنس" ضريح السيدة زينب، تأتي خطوة جديدة لتؤكد على روح التسامح، ونبذ الطائفية، والتأكيد على أن الحركة التي ولدت خارج رحم الأحزاب والدولة، والتي تضم في عضويتها إسلاميين معرفين مثل محمد عبد القدوس وعبد المنعم أبو الفتوح، لكن منسقها العام هو القبطي جورج اسحق، وبهذه الترتيبات التي تبدو عفوية، فإنها تتجاوز بالفعل أوزان كافة أحزاب المعارضة التي تحظى بالشرعية منذ أكثر من ربع قرن، لكن هاهو حزب (الوفد) يلغي المظاهرة التي سبق وأعلن عن تسييرها، وحزب (التجمع) اليساري يخرج بمظاهرة "هزيلة" تستحق الشفقة أكثر مما تثير السخرية، بينما تحشد الحركة التي لم يتجاوز عمرها شهوراً معدودة الآلاف في سياقات ودلالات تستفز الحزب الحاكم، إلى حد التحرش بأعضائها وضربهم وهتك عرض عضواتها، أو حتى من يظن أنهن من عضواتها، بينما يتضح لاحقاً أن المصادفة وحدها هي التي قادتهن إلى مكان المظاهرة، كما حدث مع الصحافية المصرية نوال علي، ولعل هذا ما يؤكد أن انعدام الثقة الشعبية لم يعد حكراً على الحكومة وحدها، بل نافستها فيه أحزاب المعارضة، التي طالما عبر البسطاء في الشارع عن أنها "جزء من النظام"، تؤدي دوراً ما لصالح تجميله، ولكنها غير قادرة على تحديه فضلاً عن تغييره، وهي التي تعيش على عطاياه وهباته وتستمر برضاه ودعمه .
أم النور
إذن .. لبى مئات من أنصار (كفاية) التي يبدو أنها صارت "مظلة من لا مظلة له"، ونواة تجمع شعبي يتجاوز الأيديولوجيات والتنميط والتدجين، وتوجهوا إلى حيث تقع كنيسة السيدة العذراء، في حي الزيتون شرق القاهرة، وهي واحدة من أشهر كنائس مصر، واكتسبت شهرتها من إعلان البطريرك الراحل البابا كيرلس رسمياً في نيسان (أبريل) من العام 1968، أن السيدة مريم العذراء تجلت عدة مرات في الكنيسة، وخرجت صحيفة (الأهرام) الرصينة شبه الرسمية بهذه الرواية في حينها التي تقول إن "الخفراء حسن عواد، وعبد العزيز علي، ومأمون عفيفي مدرب السائقين، وياقوت علي، وهم من العاملين في جراج عام تابع لهيئة النقل العام، الذي يقع في شارع طومانباي أمام كنيسة العذراء بالزيتون، لفت نظرهم وجود ضوء باهر يخرج من القبة الرئيسية للكنيسة، وإذا بهم يشاهدون فتاة بثياب بيضاء وساجدة فوق القبة فتسمرت أقدامهم وأصيبوا بالدهشة من هول المشهد وإذا بالفتاة التي رأوها تسير على سطح الكنيسة بالقرب من حافتها، فتصور فاروق محمد عطوة أنها فتاه تريد الانتحار بإلقاء نفسها من فوق سطح الكنيسة، وكانت تقف في بعض الأحيان على القبة شديدة الانحدار فأشار إليها وصاح بأعلى صوته: " حاسبي يا ست، حاسبي ياست، حاسبي لحسن تقعي"، و"البقية معروفة"، كما علق على هذا التقرير الخبري التاريخي موقع "منال وعلاء" الذي أسسه مصري وزوجته كأحد منابر التعبير الإليكتروني عن حالة الحراك السائدة في مصر .
واللافت في سلوك قوات الأمن المصرية أنه شهد تحولات واضحة، فمن المواجهة الحادة لفض هذه المظاهرات، والتحذيرات التي أطلقها وزير الداخلية من عدم التسامح مع أي خروج على الشرعية، والنداءات التي أطلقها صحافيون وكتّاب محسوبون على دوائر الأمن بعدم التظاهر حتى لا يضرب الارتباك العاصمة المصرية المزدحمة أساساً، مروراً بتسامح قوات الأمن مع المتظاهرين المعارضين والاكتفاء بدور سلبي حيال ما قد يقع من اعتداءات من جانب من يحشدهم الحزب الوطني (الحاكم) من "جمهور مصطنع"، وصولاً إلى مرحلة "ضبط النفس"، التي تصل في بعض الأحيان إلى "حوار ودي" بين رجال الأمن ونشطاء حركة (كفاية)، مع الاكتفاء فقط بحصار المتظاهرين ضمن حيز محدود، حتى تنفض المظاهرة في سلام، ويتفرق المتظاهرون من تلقاء أنفسهم، من دون وقوع مصادمات إلا في أضيق نطاق ممكن، وهو ما عبر عنه أحد أبرز قادة (كفاية) هاني عنان بقوله إن الحركة اكتسبت حق التظاهر كأمر واقع .