الملك عبدالله: العروبة عائدة
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
تحدث إلى غسان تويني للمرة الأولى منذ بيعة العرش
الملك عبدالله بن عبد العزيز: العروبة عائدة
إيلاف – بيروت: خصَّ خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبد العزيز رئيس تحرير جريدة "النهار" البيروتية غسان تويني بحديثه الصحافي الأول بعد مبايعته على عرش المملكة السعودية،
وضمّنه لمحات لتطلعاته إلى عروبة تقوم مجدداً على أساس قيم السماحة والانفتاح وتتصدى لأطماع إسرائيل وتوسعاتها العالمية على حساب ضمور الحضور العربي ، عروبة تواجه ما ليس منها من تعصب يوصل إلى الإرهاب ويخرجها من الحضارة الكونية .
"النهار" نشرت الحديث اليوم تحت عنوان "مع أول حديث للملك عبد اللـه آل سعود /عودة العروبة في وجه البعثرة الفيدرالية".وهنا نصه الحرفي:
"من يوم واحد طويل في "ديوان" الملك عبد الله بن عبد العزيز، تعود بانطباع أساسي تتفرع منه انطباعات ثانوية كلها ايجابية.
الانطباع الاساسي هو ان المملكة، بسببٍ من اطمئنانها المشروع الى اسلاميتها، مدعوّة الى ان تقوم بدور عربي "قومي"، متوافرة لها ظروفه الموضوعية، على الصعيد الجيواستراتيجي، كما هي غير متوافرة لسواها: من حيث الحجم السياسي والوزن الاقتصادي الحالي والمستقبلي فضلاً عن التطلّع الطبيعي والمركز الاقليمي والتحرر بمناعة نظامها السياسي من مثل ما تتعرض له سائر الدول العربية الكبرى... كالعراق الغارق في الحرب التي تمزّقه، ومصر التي تمزّقها أو تكاد أول انتخابات رئاسية تشهدها بالقدر الممكن من الديمقراطية، وأخيراً سوريا المتسربلة بأشلاء عقائديتها التي تحوّلت من العسكريتارية التي كانت لا تخلو من الشهامة، الى الحكم المخابراتي المستنقع في المافياوية.
وغني عن القول ان بعض تميّز السعودية يعود الى استقرار علاقاتها الخارجية غير المتأثرة بأي ابتزاز وغير المضطرة الى ممارسته، مع كل مواقع القرار، من واشنطن الى ... الهند والسند، مروراً بأوروبا كلها.
"الدور العربي القومي" الذي نتحدث عنه هو مواجهة ما صار يسمى "الثقافة الفيدرالية" التي يصارحونك هنا، من الملك عبد الله الى ولي العهد الامير سلطان بن عبد العزيز الى وزير الخارجية الامير سعود الفيصل، بأنه الواجب القومي الأول لأن المباحثات "الدستورية" (الملك عبد الله يشير صراحة الى بعض العبارات في المساجلات الكردية السنية والشيعية التي دخلت القاموس وكانت حتى اليوم موضع استغراب واستهجان) ... ثم يتركك الملك تفكّر في المخاوف من "القاموس الجديد" على أكثر من جبهة ونظام، وصولاً الى تركيا، ومروراً حتماً باختبارات الخليج ومخاوف سوريا...
لكن الملك لا يقول شيئاً صريحاً عن ذلك كله، ولا عن أحد...
يتركك أنت تفكّر... واذا سألته، اجاب بلغته الملوكية المألوفة: "انظر الى السبات العميق الذي يسود العالم العربي اليوم، كان العرب حتى الأمس، حين كنا متحدين او على الأقل متآلفين، نخيف العالم الخارجي ونرهب الدول. أيننا الآن، في فرقتنا، من ذلك الزمان؟".
الكلام "الملوكي" هذا يعطيه وزير الخارجية العريق في العلاقات الدولية (أحد عربيين اثنين هما أقدم وزراء خارجية في العالم، وثالثهما، أبو ناصر، صار رئيس وزراء الكويت) أبعاده العملية وكأنه يبوح بسرّ، ولعله كان يتعمّد ذلك: "الملك عبد الله ينوي تعزيز العلاقات مع الشرق الأقصى، وهو سيزور الهند قريباً زيارة رسمية، وربما اتبعها بزيارة للصين".
ويسكت ابن الملك فيصل ويتطلّع الى بعيد، ثم يبدو كمن يتساءل: "أوَليس التفاوض الاقتصادي مع الشرق الأقصى أسهل بكثير من التفاوض مع أوروبا المعقّدة حيث قال له أحدهم قال ان المفاوضات تشبه تسلّق جبال "الألب"، كلما وصلتَ الى قمة تظن أنك أنجزت التسلّق، فتنظر الى أمام وترى ان وراء القمة جبالاً تنتظرك، متكاثرة القمم متزايدة الصعوبة لشموخها".
هل تظن السعودية انها ستكون وحدها وسائر العرب في التوجه الى الشرق الأقصى؟... وماذا عن توثيق العلاقة مع الهند بالذات في الوقت الذي تفاجئنا باكستان، وفي رعاية تركية، بتدشين علاقات مميزة مع اسرائيل؟
لا أحد مستعد بعد للاجابة عن أسئلة تفصيلية أو افتراضها معك... كل ما يقال لك، وبالاشارة، ان اسرائيل، كمثل ايران، كثيرة الطموحات في الشرق الأقصى... ويجب ألا يظلّ العرب في سباتهم قابعين.
من هنا الوجه الآخر للرسالة السعودية المستمدة من اطمئنانها الى اسلاميتها: مقاومة الارهاب. وهو أمر تلمسه تلقائياً ولو في قراءة الصحف التي تخصّص بعضها صفحات معنونة "ارهاب"، تحفل بالأنباء والآراء، وكلها سلبية، تجاه الخطر الداهم الذي سبقت المملكة سائر العرب الى التصدي له بالعنف.
أما وجه التصدّي الآخر، وجه مواجهة الجذور والمسببات (من الفقر الى الغضب من الظلم الأميركي، مروراً بالتأخّر الثقافي والحضاري) فلا حاجة بك الى ما يدلّك عليه: العمران في كل مكان والزهو به، الانماء المستمر بفخر بل ابتهاج، الحريات والجهود التربوية والتثقيفية، وصولاً الى التطلّع الى دور مؤثّر على السياسة الدولية وعواصم العالم المتعددة البعد، كما وحدها المملكة تقدر.
هنا تلمس في كلام الملك ما هو بمثابة الحنين الى مبادرة السلام التي كان قد تقدّم بها الى قمة بيروت فأقرّت، ثم "ذهبت أدراج الرياح بسبب السبات العربي". ولا تلمس في حديث الملك عبد الله بن عبد العزيز كثير اطمئنان الى "خريطة الطريق التي يحدثونك عنها، أينها وأين الطريق؟".
ومع ذلك، الملك "يعرف ذلك الاخوان الفلسطينيون" يضع كل ثقل المملكة مع السلطة الفلسطينية ولن يتأخّر في تلبية أي طلب تتقدم به.
... ويحين وقت الكلام عن لبنان، فتبرق عيون كل من تحدّث، ثم يسكتون قليلاً، ويتقطّب الجبين عندما يسألونك الى أين وصل "التحقيق"، وهل يمكن حقاً أن يكشف "الحقيقة"؟
لا أحد، مهما كان صحافياً عتيقاً، يقع في شرك الأسئلة المحرجة ولو بدت بريئة. لا أحد يريد اتهام "أحد" ولو كنت "تحس" أكثر مما "تدرك" أنهم يعرفون أكثر مما يقولون، او يعترفون!!!
ويمضي الحديث عن "البلد"، فتفاجئ، مثلاً، بولي العهد يمسك بيدك ويشدّها قائلاً: "هذا بلدنا، نراهن عليه، على نهضته وعلى يقظته... لا تخافوا... سنعمل كل شيء".
ويتجاوز هذا التأكيد صفة التعبير عن الصداقة الى صفة الوعد الرسمي عندما يكرر "خادم الحرمين" تأكيداً قاطعاً لا لبس فيه... ويستشهدك: "أنت شخصياً تعرف، وكل اصحابنا يعرفون... اطلبوا تجدوا".
ويمضي جلالته، وهو خارج من مجلسه الاسبوعي الذي تجاورت خلاله ساعات إعلاناتُ البيعة التي تستمر، وأحلاها تلك التي تقال بالشعر العامي وصوت متهدّج وطلبات الناس العاديين (يتقدم واحدهم ليجلس على كرسي قريب من الملك، يضع يده في يده وهو يودعه مفكرة او عريضة، أو هو يربت على ركبته، وفي أرقى الحالات يطبع قبلة الولاء على كتفه، أو جبينه بحسب القبيلة التي ينتسب اليها).
بعد "المجلس" ينتقل الملك الى مكتبه حيث يتحلق أمراء ووزراء وكبار المعاونين. بينهم تحسّ أنك، كوريث تقليد "الديمقراطية المباشرة"، ابن عشيرة، فلا تستبعد ان يردد لك كل مَن سمع الكلام الملكي: "والله لبنان بلدنا".
وتدرك ان السعودية مرتاحة، بسببٍ من عروبتها وإسلامها، الى واجبها في صون وحدة لبنان كما هو، بتركيبته الفريدة... وتكاد تظنّ انهم يرددون قول ميشال شيحا: "بتعددية عائلاته الروحية"!... ولا يحتاج واحدنا الى كثير فلسفة، بل بالأحرى فقط الى بساطة كيانية، ليدرك ان أشدهم اخلاصاً لهذا المفهوم هم الأقرب الى الروح في الدين، لا الى التعصّب للطائفة.
في السعودية إسلام عميق التجذّر في النفس الانسانية الحميمة، غير مكابر ولا مرهِب... ولا مرتهب.
غسان تويني".