أخبار

الرقص الشرقي من زمن العوالم إلى جليانا وأخواتها

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك


الحل الروسي لضعف واعتزال الراقصات المصريات
الرقص الشرقي من زمن العوالم إلى جليانا وأخواتها


الراقصة والطبال تحقيق يكتبه نبيل شـرف الدين : لعل قاهرة الأربعينات والخمسينات لم تكن تتصور يوماً أن يأتي زمن تستورد فيه مسارحها وملاهيها و"كباريهاتها" راقصات من "بلاد الفرنجة"، فعلى الرغم من أن ملاهي قاهرة تلك الأيام كانت تعج بالأجنبيات، لكن دورهن كان مقصوراً على العمل كنادلات أو مجالسة الزبائن، بينما ظل الرقص "شأناً مصرياً" خالصاً لا يمكن المساس به، فمن هي تلك الأجنبية التي يمكنها أن ترقص بالشمعدان على رأسها، أو الرقص في "زفة الكدابين"، وهي اختراع سكندري نشأ في المدينة الساحلية لكنه سرعان ما ازدهر في القاهرة، وصار مثلاً يجري على ألسنة العامة عن الزفة و"كدابينها"، والكذابون هؤلاء ـ خلافاً لما توحي به تسميتهم ـ فنانون بارعون في "الهيصة"، أما هذه الأخيرة فهي "حالة فنية" خاصة جداً يصنعها هؤلاء "الكذابون" بالتباري في ما بينهم من خلال مداخلات عنترية، كأنه اتجاه صاحبنا فيصل القاسم المعاكس، وإن كان علينا أن نعترف أن "كدابين الزفة" أخف وزناً وظلاً، إذ يزعم كل منهم بأنه "أبو السباع"، وفي سبيل إثبات ذلك يرقص بكل أداة تطالها يداه، من "السنجة" إلى "قرن الغزال"، ويلف حول وسطه حزاماً فاقع الألوان، بينما يطلق السجع والـ "الهؤ والنؤ والشخاليل" وهذه قصة شرحها يطول، بينما يزايد عليه "كذاب" آخر، وترتفع درجة المزايدات، وسخونة الأجواء فلا يحسم الموقف ويحله سوى دخول الراقصة الحلبة، وتنطلق مع لحن بديع تتغنى به "عالمة باشا"، من طراز اللحن الشهير "لأ. والنبي يا عبدو"، والتي تقول في آخر مقطع منها حكمة وعبرة لمن أراد أن يعتبر : "إن غبت مش هسأل عنك .. ويبقى ذنبك على جنبك، هو أنا مش فاضية إلا لحبك ؟، يا أخي لأ .. لأ. والنبي يا سي عبدو"، وما أدراك من هو "سي عبدو" هذا التي تتحداه "العالمة باشا" .

الأوبرا والكباريه
لكن .. وآه من لكن وأخواتها، ما حدث أن اعتزال الراقصات المصريات وإعلان كثيرات منهن "التوبة" عن هذا الفن, قد أفسح الطريق أمام راقصات أجنبيات, بما تتمتعن به من مواصفات قياسية تناسب ما استجد على الذوق المصري والعربي من جهة، ومن جهة أخرى رغبة لا تتوقف من جانب هؤلاء الأجنبيات في تعلم كل ما هو جديد ومثير من "أسرار الصنعة"، فضلاً عن تواضع أجورهن قياساً بالأسعار المبالغ بها للراقصات المصريات . إذن كان نقص عدد الراقصات المصريات وارتفاع أجورهن بصورة مبالغ فيها، سبباً كافياً لمتعهدي الحفلات ووكلاء الفنانين أضطرهم إلى تعويض الأمر بالاستعانة براقصات أجنبيات، خاصة من روسيا ودول أوروبا الشرقية، وهذا ليس جديداً على ليالي القاهرة وبيروت ودبي وغيرها من حواضر العرب، لكن الجديد هو أن المنافسة حسمت لصالح الراقصات الأجنبيات تماماً، ورفعت "بنات البلد" الراية البيضاء استسلاماً أمام هؤلاء "الغزاة الجدد"، الذين يستقبلون بالورود والدولارات وليس بمتفجرات الزرقاوي .

ويرجع تاريخ غزو الراقصات الأجنبيات لمصر تحديدًا إلى فترة انهيار الاتحاد السوفييتي، عندما بدأت بعض الفتيات الروسيات خاصة هؤلاء اللاتي تجدن فن الباليه يغزون مصر والبلدان العربية بحثًا عن عمل في المسارح أو دار الأوبرا، لكن بعض وكلاء الفنانين المصريين، وأصحاب فرق الرقص الاستعراضية، اقتنصوا هذه الفرصة، وعلموا عدداً منهن الرقص الشرقي وانطلقن في الملاهي الليلية التي تدر عليهن أرباحًا خيالية لا تقارن بالعوائد المتواضعة في المسرح ودار الأوبرا . وحسب متعهدي الحفلات فإن الراقصة "دينا" مازالت صاحبة أعلى أجر في مصر حتى الآن إذ تتقاضى ما لا يقل عن عشرة آلاف دولار في السهرة الواحدة، بينما لا تتقاضى الراقصات الروسيات أكثر من خمسمائة دولار فقط في أفضل الظروف ولأكثرهن جاذبية للزبائن .

الراقصة الأولى
الرقص بالسيف "لن أمدح نفسي، ولن احكم علي موهبتي في الرقص، بل سأترك ذلك للجمهور فهو الحكم الأول، وليس لي شأن بمن تقول إنها نجمة الرقص الشرقي الأولى، والألقاب التي يطلقنها على أنفسهن، فكل راقصة حرة، ولكن الجميع يعرف من أكون أنا ومن هن الأخريات" . هكذا تحدثت الراقصة والممثلة المصرية الشهيرة "لوسي"، في معرض ردها على سؤال لباحثة فرنسية ألمحت فيه إلى أن غريمتها فيفي عبده تؤكد أنها "راقصة مصر الأولى"، وهو الأمر الذي ترفضه بلباقة، ووفق أعراف راسخة بين "أهل الكار"، ألا تتحدث صراحة عن منافستها، بل تلجأ إلى التلميحات اعتماداً على أن "اللبيب بالإشارة يفهم"، وتذهب "لوسي" في معرض عرض مؤهلاتها لمكانة "الراقصة الأولى" التي تتنازعها الآن كل من فيفي عبده، ودينا، فضلاً عن لوسي التي تؤكد أن "إيرادات حفلاتي ابلغ دليل وبشهادة الباحثين الفرنسيين وسام علي صدري" .

غير أن ثلاثتهن، ومعهن كل راقصات الصفوف الأولى والثانية والثالثة وحتى راقصات الريف يجمعن على أن "الراقصات في طريقهن للاختفاء لعدم الاهتمام بهن من قبل الدولة، فالرقص مثل أي مهنة يحتاج إلى رعاية وعناية وتنظيم لشؤونه"، كما يتحالفن ضد الأجنبيات اللاتي كدن يكتسحن "الوسط" مؤخراً، لولا تدخل الدولة ممثلة في وزير القوى العاملة شخصياً، الذي أصدر قراراً فورياً بحظر التصريح للأجنبيات بالعمل في الرقص داخل مصر، مهما كانت المبررات، وهناك أيضاً إجماع بين الراقصات المصريات على أنه "ليست كل من هزت وسطها راقصة، لأن الرقص له قواعد وأصول، وقبل ذلك يحتاج إلى موهبة وقبول وتدريب، وذوق يتأثر بالموسيقى الشرقية". وتعليقاً على ما قالته لوسي بأنها هي التي تتربع على عرش الرقص الشرقي في مصر الآن، كما يؤكد ذلك الباحثون الفرنسيون، انفجرت فيفي عبده قائلة: "كل واحدة حرة في نفسها، وتستطيع أن تتحدث عما تشاء، وتطلق على نفسها ألقابا كما تحب"، لكنها تستدرك قائلة إن "لوسي تعرفني جيدا، ولا أحب الحديث عن نفسي، فالجمهور يعرفني وهو الذي منحني لقب نجمة مصر الاستعراضية وهذا اكبر دليل على نجوميتي" التي تؤكد فيفي أنها ليست بحاجة لشهادة "الخواجات" على فن مصري لم يعرفه الفرنسيون وغيرهم إلا من مصر .

راقصات قطاع عام
وربما كانت الحقيقة المريرة التي لا تستوعبها فيفي ولا دينا ولا لوسي أنهن جميعاً صرن في مراتب متأخرة في "بورصة الرقص" مقابل تقدم كاسح للراقصات الشقراوات القادمات من روسيا وأوكرانيا والجمهوريات المستقلة حديثاً عن الاتحاد السوفيتي، وحتى من الولايات المتحدة والأرجنتين والمكسيك والبرازيل والسويد وغيرها من أصقاع الأرض . ووفقا لإحصائيات إدارة الرقابة على المصنفات الفنية المصرية, هناك 150 راقصة أجنبية معتمدة في مصر, وإن كان عددهن الحقيقي أضعاف هذا، إلى جانب الراقصات المصريات التي يبلغ عددهن - رسميا - 382 راقصة مسجلة في سجل إدارة المصنفات الفنية ، و5000 في إحصاءات مصلحة الفنون, وأكثر من 10000 في تقديرات أخرى غير رسمية, بحساب كل الراقصات في الأفراح والملاهي الليلية .
غير أن الواقع كما يؤكد لـ (إيلاف) أحد متعهدي الأفراح المشهورين خلاف ذلك تماماً، فالراقصات المصريات اللاتي يعملن في الفرق وزارة الثقافة للرقص الشعبي لا يمكن ـ بحسب المتعهد ـ تصنيفهن ضمن الراقصات الشرقيات، بل ويسخر منهن المتعهد الخبير قائلاً إنهن "راقصات قطاع عام"، لا تلبث الواحدة منهن أن تتحول إلى "فيل" تعاني الأمراض في العمود الفقري، ولا تستطيع حتى المشي .

كاريوكا وأيام العز
ومع تنامي المد الإسلامي في المجتمع المصري، وبزوغ نجم الحركات الأصولية على نحو لا تخطؤه العين، شهد عقود السبعينات والثمانينات والتسعينات اعتزال العشرات من الراقصات المصريات كان معظمهن من الشهيرات, بسبب إعلان توبتهن, مثل سحر حمدي, وهالة الصافي, وعزة شريف, لتدخل فترة التسعينات, وهناك ما لا يزيد على ثلاثة أو أربعة فقط من الراقصات المصريات المعروفات، الأمر الذي دفع بعض معلمي الرقص المصريين من الرجال إلى السفر للخارج لتعليم الأجانب اللاتي يقبلن على هذا اللون من الرقص المثير. وعلى سبيل المثال يعيش أشهر هؤلاء المعلمين الآن في الولايات المتحدة، ويقول إن له فضل تعليم عشرات الأجانب هذه المهنة, وبعضهن تم تصديرهن لمصر لتعويض نقص الراقصات الحالي، وهكذا انتشرت الراقصات الأجنبيات حتى اكتسحن الساحة تماماً . وكانت بداية استخدام الأجنبيات في الرقص الشرقي حين أسس الممثل الاستعراضي المصري سمير صبري فرقته الغنائية الراقصة من الراقصات الروسيات, لكن سرعان ما تسربن واحدة إثر الأخرى ليتجهن إلى قاعات الرقص, ليفتح الباب بعد ذلك لقدوم راقصات من السويد وإنكلترا والبرازيل و الأرجنتين وكل مكان.

جنسيات متعددة
راقصة روسية وهناك الراقصة الرومانية "أسمهان"، التي تعتبر نفسها الثالثة في ترتيب الراقصات الأجنبيات العاملات في مصر، وهناك أيضاً البرازيلية "كاميليا"، والأوكرانية "سالي"، والروسية "دينارا" والتركية "ألمظ" والأسبانية "إيفا"، والأوزبكية "جلنار" التي صارت ممثلة إعلانات شهيرة مؤخراً، وجميعهن تمكن من تحقيق ثروات كبيرة، كما حقق الذين استقدموهن ثروات أكبر .
وكما نرى فالملاحظ أن هذه الأسماء ليست بالضرورة أسماؤهن الحقيقية، فهن ومن يدربهن أو يستقدمهن للعمل في الملاهي الليلية المصرية، يحرصون على منحهن أسماء ذات جرس شرقي، عربية كانت أو تركية أو فارسية، والملاحظ أنهن سحبن البساط من تحت أقدام الراقصات المصريات، خاصة راقصات الصف الثاني والثالث شبه المشهورات، بينما لم ينلن من راقصات الصف الأول اللاتي مازلن يتربعن على القمة بلا منازع .
أما الأكثر إثارة فهو ما كشفت عنه الراقصة "جليانا" من أنها كانت إحدى المجندات في قوات الأمم المتحدة في مصر في منطقة سيناء ثم عملت مندوبة مبيعات, وأخيراً قررت تعلم الرقص الشرقي. وتقول إن مرتبها اليومي من الرقص هو 500 دولار أميركي .
وهناك أيضاً الأرجنتينية "أسمهان", التي تعتبر نفسها الرابعة في ترتيب الراقصات في مصر، والبرازيلية "كاميليا"، والأمريكية "كيتي"، والروسية "كاتيا" والأيسلندية "سونيا" والإسبانية "إيفيتا", وكلهن جمعن ثروات ضخمة كما تؤكد ذلك عشرات المجلات الفنية المصرية .

فيفي والصحافة
وتقول الراقصة "كيتي" إنها ولدت لعائلة أميركية فقيرة تحب الفن والرقص وكانت والدتها تفصل الملابس للممثلين المغمورين، أما هي فقد أتقنت رقصات بلدان مختلفة منذ صغرها وبرعت فيها ولفتت أنظار العرب لها، فتعلمت الرقص الشرقي في الولايات المتحدة، وسرعان ما احترفت الرقص في دبي، ثم انتقلت إلى مصر حيث حققت نجاحا منقطع النظير، وأصبحت من أبرز الراقصات المطلوبات في العديد من الفنادق الفخمة وأفراح الأثرياء، ولا تنكر أنها صنعت ثروة طائلة من الرقص . ومن المعروف أن أرباح الراقصات في مصر تقدر بالملايين, وتنشر في مطلع كل عام أخبار مستقاة من مصلحة الضرائب المصرية في الصحف, تؤكد تهرب الكثيرات منهن من دفع مئات الألوف من الجنيهات, ولهذا قررت المصلحة التحرك هذه المرة والقبض على عدد من الراقصات لحين الحصول على الضرائب قبل هربهن للخارج, كما فعل غيرهن في مرات سابقة.

وأكد آخر تقرير لمصلحة الضرائب المصرية أن الراقصة المصرية "دينا" التي تعد من أشهر الراقصات المصريات الآن وصلت ثروتها إلى 58 مليون دولار, وأن رصيدها في البنوك فقط 17 مليون جنيه, بالإضافة إلى مقتنيات من الماس والذهب تقدر بنحو 20 مليون جنيه، وقد نفت الراقصة تلك الأرقام, بيد أنها لم تنكر ارتفاع حجم ثروتها. وسعت أشهر الراقصات المصريات, التي دخلت مجال السينما بقوة إلى جانب الرقص, وهي فيفي عبده لإغاظة الصحافيين, الذين ينشرون أنباء عن ثروتها قائلة إن لديها أموالا لو وقفت عليها في مصر لاستطاعت رؤية جنوب أفريقيا .

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف