عون وحزب الله: خلاف وحلف
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
معركة المقعد الشاغر في بعبدا - عاليه تجمع النقيضين
عون و"حزب الله": سيرة خلاف وحلف
إيلاف من بيروت:تخرج الانتخابات الفرعية في دائرة بعبدا - عاليه، في جبل لبنان، العلاقة بين "حزب الله" و "التيار الوطني الحر" الذي يتزعمه النائب العماد ميشال عون الى مستوى متقدم لم تبلغه يوما بين الطرفين المتنافرين في الشكل والمضمون والمتوافقين تكتيكيا على مواجهة الاكثرية النيابية.
لكن السؤال هو ما مدى قدرة "التيار" على تحمل وزر هذه العلاقة والنتائج التي ستترتب عليها لدى الرأي العام المسيحي اللبناني، خصوصا ان ثمة تجارب سابقة ابرزها ما جرى مع الرئيس السابق للهيئة التنفيذية في "القوات اللبنانية" الياس حبيقة الذي ذهب الى العاصمة السورية ووقع "الاتفاق الثلاثي" فكان ان اخرجه المسيحيون بالقوة من المناطق الشرقية. ثم كانت تجربة "القوات اللبنانية" مع اتفاق الطائف الذي ادى الى انفضاض المسيحيين عنها والتفافهم حول العماد ميشال عون وموقفه الرافض للاتفاق انذاك.
يمتلك الحزب والتيار تاريخا مختلفا عن الاخر وايديولوجية متناقضة تماما ومنطلقات مغايرة، ربما كان من أبرز تجلياتها عدم عودة اي من المهجرين المسيحيين الى حارة حريك التي تهجرت قديما على ايام الحركة الوطنية اليسارية والتنظيمات الفلسطينية المسلحة. وكان يفترض بالقوة الشيعية المسيطرة حاليا على تلك الانحاء ان تبادر الى تصحيح هذا الوضع التزاما منها لما اعلن من تحالف مع التيار العوني، وخصوصا في بلدة حارة حريك مسقط رأس العماد عون وملعب طفولته، وحيث يعود زعيم التيار العوني كثيرا بالذاكرة الى احياء تلك البلدة الجميلة التي كانت قائمة في الضاحية الجنوبية لبيروت.
العلاقة بين التيار والحزب قديمة وهي بدأت مع التظاهرات التي سيرها "المكتب المركزي للتنسيق الوطني" الى المعابر المقفلة، احتجاجا على الحصار الذي فرضته القوات السورية على المناطق التي كانت مؤيدة للحكومة الانتقالية بقيادة العماد ميشال عون.
حينها نزلت تظاهرة ضخمة من بلدة الحدث في اتجاه معبر الكفاءات ووقف مناصرو العماد قرب تحصينات الحزب المواجهة للمناطق الشرقية، وهم يلوحون بالاعلام اللبنانية ويهتفون من اجل فتح المعابر وفك الحصار والحرية والسيادة والاستقلال. لكن تلك المحاولة اليتيمة انتهت بعد فترة وجيزة عندما اجتاحت القوات السورية المناطق الشرقية في 13 تشرين الاول 1990 انطلاقا من محاور عدة، ابرزها من المناطق التي يسيطر عليها الحزب في الضاحية الجنوبية وفي ذلك اليوم قام انصار النائب السابق الياس حبيقة بمواجهة عدد من المسلحين الآتين مع الدبابات السورية بقصد السلب والنهب، ودارت اشتباكات في احياء بلدة الحدث وكفرشيما بين الجانبين .
عودة الحوار
انقطع الحوار إلى ان استعيد بحكم "الجيرة"، بعدما اخذ التيار الوطني الحر ينتظم تدريجا ضمن الحد الادنى المسموح به للعمل السياسي للتيار الذي اشهر شعار "الحرية والسيادة والاستقلال" ومواجهة "الاحتلال السوري". بدايات اللقاءات كانت بين مسؤول العلاقات العامة في الحزب السيد نواف الموسوي من جهة والدكتور ابرهيم حتي ونعمان ابي انطوان عن التيار. واستمرت اللقاءات طويلا وخصوصا عندما كان الحديث يدور عن الاعداد من اجل "السينودس من اجل لبنان" وتناولت اكثر المواضيع التي كانت على جدول اعمال المجمع الكنسي، وهي امور تعني كل اللبنانيين لا المسيحيين وحدهم.
ويذكر ناشطون تلك الفترة ان الجانبين اتفقا على امور اساسية مثل التعددية والموقف من اسرائيل وانسحاب جيش احتلالها من جنوب لبنان، واختلفا ايضا على امور اساسية مثل العلاقة مع سوريا وانسحاب الجيش السوري من لبنان. ولكن سرعان ما انتكس الحوار بين الجانبين عندما اعلن العماد ميشال عون خلال عملية "عناقيد الغضب" سنة 1996 ، ان "حزب الله هو شكل من اشكال الاحتلال". ورغم هذا الكلام الثقيل العيار والذي اوحى ان الحوار بين الجانبين "طبخة بحص" لن تؤدي الى نتيجة، الا ان الامور عادت وانتظمت بين الجانبين على خلفية انخراط "الجناح اليساري" في التيار العوني في هذا الحوار وانسحاب المحاورين السابقين الذين اعتبروا من "يمين التيار" . ومع هذا التطور نسج الحزب و التيار تحالفا انتخابيا في مواجهة لوائح "تيار المستقبل" وحلفائه خلال انتخابات نقابتا المعلمين والمهندسين سنة 1996 ، ولكن حسابات التيار لم تتفق مع حسابات الحزب الالهي الذي بدل تحالفاته في منتصف الطريق وانتهى الامر بهزيمة قاسية للتيار ومرشحيه وفي مقدمهم المهندس حكمت ديب .
انتفاضة في "التيار"
لم تمر الامور بسلام اذ "انتفضت" مجموعة كبيرة من "التيار" على ما جرى وكانت تدعى "ندوة الاربعاء"، ووجهت في حينه رسالة الى العماد ميشال عون في باريس عرضت فيه لموقفها من الحوار والتحالف مع الحزب ومما جاء في المذكرة: "نتساءل عما اذا كان قراركم التحالف مع "حزب الله" أخذ في الاعتبار الحقائق الآتية: حزب الله تنظيم ديني اصولي اسلامي شيعي ينادي بجمهورية اسلامية تجري احكام الشريعة على رأسها فقيه ذو ولاية فصلها الامام الخميني . نظرية حزب الله للحكم لا تقر بالمساواة في المواطنية بل تضع هيكلية في اعلاها السياد الموسويين فالسياد الحسينيين والفقهاء فالشيعة عامة وفي اسفل السلم نجد مكاننا كذميين . ان الحزب هو امتداد لا شبهة فيه ولا ينكره ذووه للجمهورية الاسلامية في ايران . لقد اعلن الحزب تحالفه صراحة مع النظام السوري متحديا ارادة اكثرية اللبنانيين وهو يفرض على وطننا حربا لا يوافق عليها اكثرية اللبنانيين (...)" .
وخلصت المذكرة الى "أن الحزب وإن حظي بتأييد قسم من الشيعة الا أن جزءا من الشيعة يرفضونه وهو مرفوض من بقية الشعب اللبناني . كما ان مسيحيي لبنان، الذين يشكلون 45 في المئة من سكانه وهم مادة المؤتمر الوطني اللبناني (الاسم السابق للتيار) وخزانه البشري لا ينساقون وراء ما يرونه مهددا لبقائهم وحريتهم". وختمت الرسالة : "ان التحالف مع حزب الله كنصرة الدكتور سمير جعجع للطائف . لا ربح فيه . فإن نجح التحالف خسرنا وإن خسر التحالف خسرنا ، ثم انه ليس صحيحا ان عدو عدوك صديقك، عدو عدوك ربما اضمر لك عداء أشد (...)".
رد العماد ميشال عون كان اكثر قساوة ، إذ طلب من ممثله الشخصي اللواء المتقاعد نديم لطيف توجيه اللوم والتأنيب الشديد الى واضعي الوثيقة وطلب من شخصيات اخرى مستقلة كانت تنشط الى جانب التيار ان "لا تتدخل في ما لا يعنيها". وعند هذا الحد ورغم امتعاض معظم قواعد " التيار" وكوادره مما جرى، تولى اليساريون في "التيار" ومعظمهم قريب من النائب السباق نجاح واكيم، الحوار مع الحزب، الامر الذي استمر طويلا الى ان كان الخلاف على آلية استثمار الاملاك العامة في منطقة الحدث التي توالي في غالبيتها التيار، والتي بادر اهاليها الى الاعتراض على آلية الاستثمار تلك بحجة انها تمثل "اجتياحا" لمناطقهم المسيحية. ثم كان التباين مع ارتفاع حدة المناقشات حول الهجمة الشيعية على ملكية الاراضي في منطقة سقي الحدث ايضا . وكان من الطبيعي وفي ظل هذه الاجواء الطائفية المحتقنة ان يبرد الحوار بين الجانبين.
واستنادا الى مسؤول في التيار عايش تلك المرحلة، كان واضحا انه كلما صعد العونيون من نشاطهم الداعم لشعار "السيادة والحرية والاستقلال وجلاء الجيش السوري عن لبنان " كانت العلاقة بالحزب تتراجع. واصبح واضحا ان "اليساريين" في التيار لم ينجحوا في تجاوز ما فرقته الثوابت والايديولوجية وخصوصا في مواجهة قضايا مهمة مثل الانتخابات النيابية التي تشبث التيار العوني بمقاطعتها "في ظل الاحتلال السوري" وذهاب "حزب الله" الى اوسع مشاركة فيها وتاليا الى الانخراط في مسيرة الدولة التي كان يحكمها "الجهاز الأمني اللبناني - السوري" المشترك.
سبب اخر لتراجع العلاقة بين "حزب الله" والتيار كان انتخاب الرئيس أميل لحود بحيث وصلت العلاقة بينهما الى ادنى مستوى لها، وعندما كان العماد ميشال عون يعلن منفردا من باريس معارضته هذا الانتخاب كان الحزب يندفع قدما في مبايعة الرئيس، الذي وفر سندا قويا للمقاومة وغطاء لها في معركتها لاخراج جيش الاحتلال الاسرائيلي من جنوب لبنان. وهكذا افترق الجانبان كل الى خياراته .
مع انتخاب الرئيس اميل لحود وصل زخم انشطة التيار الوطني الحر من اجل تحقيق جلاء الجيش السوري عن لبنان واستعادة السيادة والاستقلال الى
اقصى مستوى وخصوصا بعد احداث السابع من آب/ أغسطس . وانتشر ناشطو التيار من باريس الى لندن والولايات المتحدة لحشد الدعم لهذه القضية التي بلغت ذروتها باصدار "قانون محاسبة سورية وتحرير لبنان" . ومع ارتفاع عدد النواب الاميركيين الذين وقعوا على مشروع القانون، كان عدد الدول المؤيدة لانسحاب الجيش السوري من لبنان يرتفع تدريجا وصولا الى القرار 1559 الذي ولد من رحم قانون الكونغرس الاميركي . وتاليا كان التيار العوني هو أبو القرار وراعيه وحاميه، وعندما ذهب العماد ميشال عون الى الولايات المتحدة لألقاء كلمته امام لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب الاميركي كان يشدد على مطلب استعادة لبنان لحريته من الاحتلال السوري حليف الحزب الرئيسي .
دعم القرار 1559 والتحالف مع "حزب الله"، مسألة فيها نظر، فهل يجد الحزب تبريرا لهذ التناقض؟ وكيف يمكن للتيار ان يبرر نفسه امام دوائر القرار وخصوصا في الولايات المتحدة حيث امتلك اللوبي اللبناني وبعد طول معاناة، مدخلا الى الادارة الاميركية وموطئ قدم فيها يمكنه من اسماع صوت اللبنانيين جميعا. خصوصا ان المعلومات الواردة من الولايات المتحدة وعلى ألسنة عدد المسؤولين تشير الى علامات استفهام تطرح حول ماذا يجري عندكم ؟ وهل اصبح تنفيذ "اتفاق الطائف" لجهة نزع سلاح الميليشيات معطوفا على القرار 1559 في خبر كان ؟ والى اي مدى يستطيع "التيار" ان يستمر في خوض غمار التحالف مع الحزب الشيعي الاكبر دون انعكاسات سلبية على حضوره في الشارع المسيحي المتوجس من كل ما يدور حوله وعنه؟ والسؤال الاخير هو الى اي مدى يستطيع "يساريو التيار" الاستمرار في سياسة تتعارض تماما مع الأكثرية المسيحية التي اوصلت 21 نائبا للتيار الى الندوة البرلمانية، وما هو الثمن الذي سيدفعه العماد ميشال عون لقاء ذلك ؟