زيارة بري للسعودية: المحضر والخلفية
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
خوف من الشارع يدفعه إلى طهران ودمشق بعد الرياض
زيارة بري للسعودية: المحضر والخلفية
وفي "جردة" لنتائج الزيارة عرضها قريبون من رئيس البرلمان اللبناني أنه أشار الى استحقاق رئاسة الجمهورية بعد انتهاء ولاية الرئيس إميل لحود الممددة خلال سنة، وقال بضرورة البدء بالبحث في هذا الموضوع من اليوم وصولا الى مواعيد الانتخاب في اطار من التوافق الوطني الشامل. وأبلغ بري القيادة السعودية إنه يخشى الوصول الى فراغ في الرئاسة لعدم انعقاد جلسة انتخاب اذا تعذر التوصل الى حل وسط بين الغالبية النيابية والأقلية التي يمكنها الحؤول دون اكتمال النصاب.
وعند تناول الموضوع السوري شرح الملك عبدالله بن عبد العزيز لضيفه اللبناني طبيعة العلاقة الأخوية الخاصة التي كانت تربطه بالرئيس الراحل حافظ الاسد، وحرصه شخصيا وحرص المملكة على سورية وسلامتها. ولم يتطرق اللقاء بعمق الى العلاقات السعودية - الايرانية "لأن العلاقة بين الرياض وطهران لا بأس بها رغم الحديث الكبير في الصالونات الدبلوماسية الخليجية عن الملف النووي الإيراني" على ما روى قريبون من بري.
هذا في محضر القريبين. في الخلفيات أن أنظار السياسيين تتجه مرة أخرى إلى الرجل منذ مدة باعتبار أن على عاتقه مهمة نزع فتيل الانفجار ومنع انتقال الأزمة الى الشارع. حدث مثل هذا التعويل مطلع هذا العام، ويتكرر اليوم مع اقتراب نهايته، ولكن مع فارق ملحوظ في الظروف والمعطيات ناجم عن تداعيات الحر، مما يجعل المهمة أكثر صعوبة وتعقيدا. فبعدما لوح تحالف" قوى ١٤ آذار/ مارس" بورقة الشارع في المرة الأولى في معركة عنوانها اسقاط لحود تحت شعر "فلّ" ( إرحل)، يلوّح حالياً بالورقة نفسها التحالف المضاد ل"قوى ١٤ آذار/ مارس"، ونواته" حزب الله و"التيار العوني"، في معركة عنوانها اسقاط الحكومة او تغييرها، مما يضع الرئيس بري في موقع أكثر احراجا في أداء دوره المتوازن والدقيق، إذ عليه ان يراعي موجبات تحالفه مع الحزب الشيعي من دون ان يخسر ثقة الأكثرية به وعلاقتها بها. ففي المرة الماضية صبّت مبادرة بري بالدعوة إلى مؤتمر الحوار الوطني في تهدئة الشارع ولكن في خدمة "حزب الله" بانتزاعها زمام المبادرة الهجومية من يد "قوى ١٤ آذار/ مارس" التي تستفيد اليوم من تحرك رئيس المجلس الحواري بعدما تحولت الى موقع "الدفاع ورد الفعل".
ولا شك أن الرئيس بري نجح حتى اليوم، وإن بصعوبة في الاحتفاظ بهامش حركة وفي ان يختط لنفسه خطا سياسيا خاصا به ومتمايزا عن" حزب الله" والأكثرية في آن واحد. ففي موضوع الحكومة مثلا لا يجاري بري" حزب الله" في مسعاه إلى تغيير قسري في الحكومة واسقاطها في الشارع وان كان يؤيد مبدأ "حكومة وحدة وطنية" لا تقوم الا من خلال توافق مسبق على الحكومة الجديدة تحاشياً للسقوط في الفراغ . وفي موضوع القوات الدولية يبدو بري أقل حذرا من "حزب الله" تجاهها وأكثر ترحيبا بها. وفي موضوع سلاح" حزب الله" يأخذ الرجل مسافة بعيدة عن قوى الغالبية منتقدا الطريقة والتوقيت اللذين اعتمدتهما في فتح هذا الملف. وفي موضوع اعادة الاعمار يتبنى ملاحظات "حزب الله" على أداء الحكومة وآليات الدفع والتعويض التي اعتمدها.
وواضح أي تطور سلبي يسلك معه الوضع منحى تصعيديا خطرا وفق الاحتمالات والسيناريوهات المتداولة لمرحلة ما بعد "هدنة رمضان"، سوف يلغي ليس فقط هامش "الحركة والتمايز" المتاح للرئيس بري الذي سيكون مضطرا الى الانخراط في لعبة الفرز والاصطفاف السياسي، وانما أيضا مقومات الحوار والتهدئة تحت وطأة المواجهة وأخطار الانزلاق الى الفوضى والفراغ والمجهول. ويدرك بري ان عامل الوقت يلعب لمصلحة المواجهة اذا تركت الأمور على حالها، وان انتقال الأزمة الى الشارع يجعلها خارج السيطرة وأكبر منه، لذلك قرر القيام بتحرك استباقي لاحتواء التوتر السياسي الطائفي وتحويل مساره ليصب في "حوار متنور" وليس في "شارع متفجر"، ولاستباق عاصفة آتية تأخذ في دربها كل شيء،" انجازات ١٤ آذار/ مارس" و"انتصارات" حزب الله" على حد سواء.
أسباب إقليمية ومحلية لتباعد سني- شيعي
وعزز هذا التباعد المحلي تبدل واقع العلاقة بين "حزب الله" والمملكة العربية السعودية التي كانت قبل أشهر أطلقت اشارات واحتضان في اتجاه الحزب ورعت اتفاقا لم يكتب له النجاح بينه وبين زعيم "المستقبل" النائب سعد الحريري سمي ب" اتفاق الرياض". ولكن هذه الأجواء تبددت بسبب "حرب تموز/ يوليو" التي كان للسعودية في أيامها الأولى انتقاد صريح لها ولدور او مسؤولية "حزب الله" عنها ، وكان للحزب الشيعي بعدها انتقاد صريح للحكام العرب واتهامات ب "التخاذل والتواطؤ"....
وفوق ذلك توترت العلاقة بين السعودية وإيران في الأشهر الثلاثة الأخيرة بسبب حرب لبنان التي خاضها "حزب الله" مدعوما من طهران ، معطوفة على طموحات إيران النووية والمواجهة المفتوحة بينها وبين المجتمع الدولي والتي أيقظت الهواجس والمخاوف السعودية بإزاء تنامي نفوذ ايران ودورها في المنطقة مع امتلاكها امتدادات ومراكز قوى متقدمة في العمق العربي بما في ذلك حجز موقع أمامي لها على جبهة الصراع مع اسرائيل في الجنوب اللبناني من خلال "حزب الله." ولما كانت السعودية واقعة تحت وطأة خسارتها للعراق الذي حققت فيه إيران تغلغلا ونفوذا مستفيدة من أخطاء السياسة الاميركية وتخبطها ، فإنها ليست مستعدة لرؤية خسارة ثانية في لبنان حيث مركز ثقل أساسي لها في المنطقة من خلال "السنّة" وحكومةالرئيس فؤاد السنيورة و"تيار المستقبل" وعائلة الحريري. وقد ساءها ان تشهد أخطارا محدقة بلبنان عامة وحلفائها ومرتكزاتها خاصةو بمصالحها الاستراتيجية أيضاً.
وفي المقابل ترقب ايران بقلق الخطط الاميركية في المنطقة لبناء "محور المعتدلين" الموجه ضدها أساسا في اطار سياسة العزل والحصار والعقوبات التي تلوح في الأفق، وتبرز ثنائية السعودية - مصر كنواة صلبة في هذا المحور الذي يستهدف ايران وامتداداتها الاقليمية في فلسطين ( حماس) وفي لبنان (حزب الله) .
من هذه الرؤية كانت زيارة الرئيس بري للسعودية من أجل ستكشاف امكانية قيامه بدور وساطة وترطيب أجواء بين السعودية وايران وسورية اللتين سيزورهما في الأسابيع الآتية ، وهو سعى بقوة لدى السعودية لاعادة وصل ما انقطع بينها وبين "حزب الله"، وكذلك للمساعدة في ترميم جسور العلاقة بين "حزب الله" و"تيار المستقبل"، ومهمته في كل ذلك صعبة وسقف طموحاته فيها مرتفع.
وإلى هذا المحور يبرز تبدل لا بل تحوّل في مجرى العلاقات بين السعودية وسورية. قبل أشهر عندما هندس بري طاولة الحوار، استند الى هذه العلاقة والى ضغوط كانت تمارسها السعودیة على "قوى ١٤ آذار/مارس" لتحسين العلاقة بسورية وفصل ملف علاقة لبنان بها عن ملف التحقيق الدولي في اغتيال الرئيس رفيق الحريري. وحالياً تعاني العلاقة بين السعودية وسورية برودة وجفاء وانقطاع تواصل في أعقاب تطورين جعلا السعودية تكف عن دعم نظام الرئيس بشار الاسد وتوفير الحماية له: الأول هو هجوم الأسد على الحكام العرب في خطاب ما بعد الحرب والمزايدة عليهم ووصفهم بأنهم "أنصاف رجال" . والثاني هو ذهاب دمشق بعيدا في تحالفها مع طهران الى حد ان ثمة اقتناعاً تولد لدى المصريين والسعوديين بأن فك سورية لتحالفها مع ايران لم يعد ممكنا، وان دمشق غير راغبة او غير قادرة على فك الارتباط هذا ، وأنها تحوّلت من دور جسر في العلاقة بين ايران والعرب الى دور "أداة في يد إيران" في مواجهة العرب.
في المقابل تشكو سورية من الانخراط العربي في المشروع الاميركي الرامي الى عزلها عربيا ودوليا، والذي تمثل في قيام محور6 + 2 المتمظهر أخيراً في اجتماع وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس مع وزراء خارجية دول الخليج ومصر والأردن، وذلك على أنقاض محور السعودية- مصر - سورية. كما أن دمشق منزعجة من ضغوط أميركية وغربية عديدة تلاحقها بذرائع شتى ، منها المسؤولية عن اغتيال الرئيس الحريري وجرائم سياسية أخرى بعد خروجها القسري من لبنان.
ويمكن القول باختصار إن مبادرة بري الحوارية في الداخل ستكون صعبة في حال لم تستند الى بيئة عربية مساندة، من شروطها اعادة العلاقة بين سورية وكل من السعودية ومصر الى وضعها الطبيعي بما يفتح الطريق مجددا أمام تطبيع العلاقات اللبنانية - السورية، وزيارة الرئيس السنيورة لدمشق ومعاودة الحوار اللبناني، وتهيئة مناخات ملائمة لتفكيك الألغام على طريق الاستحقاقات القريبة، وأبرزها استحقاق رئاسة الجمهورية الذي ستكون لكل من السعودية وسورية كلمة فيه، وللرئيس بري دور محوري على صعيد "الإدارة والإخراج" بصفته رئيسا للمجلس، وكذلك في مهمة ترتيب توافق سني - شيعي بصفته صلة الوصل والتواصل بين النائب الحريري والسيد حسن نصرالله.