محكمة الأنفال: مشتك يروي كيفية نجاته من مقبرة جماعية
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
أسامة مهدي من لندن: روى مشتك كردي قصة نجاته من مقبرة جماعية وهروبه منها وفقدان خمسة من اشقائه وذلك قبل رفع المحكمة الجنائية العراقية العليا جلستها العشرين اليوم للاستراحة حيث ستعود بعد ساعة وربع لاستئناف الاستماع الى اقوال بقية الشهود في القضية المتهم فيها الرئيس السابق صدام حسين وستة من مساعديه السابقين المتهمين بارتكاب جرائم ابادة جماعية ضد الاكراد في حملة الانفال خلال عامي 1987 و1988 بعد ان استمعت الى 67 مشتكيا منذ بدء جلساتها في الحادي والعشرين من اب (اغسطس) الماضي .
وحضر الجلسة جميع المتهمين بغياب فريق الدفاع الاصلي المنسحب وبحضور فريق الدفاع الذي عينته المحكمة بدلا عن المنسحبين . وطلب صدام قراءة مذكرة فابلغه القاضي محمد الخليفة العريبي انه سيستمع اليها لاحقا لكنه لم يعرف محتواها بعد . وكان الرئيس السابق وجه امس الاول رسالة الى رئيس محكمة الدجيل التي تستعد لاصدار احكامها في القضية المتهم فيها مع سبعة من مساعديه السابقين باعدام 148 من ابنائها عام 1981 قريبا طالبه فيها بتاجيل اصدار الحكم المقرر الاحد المقبل لان ذلك سيكون لصالح حملة الرئيس الاميركي جورج بوش في الانتخابات النصفية للكونغرس التي ستجري الثلاثاء المقبل .
وقد جرى جدل بين المتهم حسين التكريتي حول ما اسماه بمنع فريق الدفاع الاصلي من ممارسة مهمتهم في الدفاع عن المتهمين واشتكى مما اسماء بتصرفات الادعاء العام ضدهم ووصف المدعي العام بانه خصم غير شريف مما اثار احتجاج المدعي . واوضح القاضي انه لم يمنع المحاميم وانهم يمكنهم الحضور الى المحكمة في أي وقت لكنه يرفض اسلوبهم في التعامل وسعيهم الى فرض شروط على المحكمة .
المشتكي الاول في جلسة اليوم
وباشرت المحكمة اليوم الاستماع الى مشتك جديد من وراء ستار حيث اكد ان الطائرات العراقية قصفت قريته الشمالية ربيع عام 1988 مما دفع السكان الى تسليم انفسهم الى القوات التي قامت بنهب بيوتهم. واشار الى ان القوات قامت بعدها بنقلهم الى قضاء جمجمال و سجلت اسماءهم وعناوينهم ومنها اقتيدوا الى معتقل طوبزاوة ومنها الى منطقة قريبة من مدينة الرمادي غرب العراق حيث تمت عمليات فصل بينهم ووضع هو مع اخرين في قاعة شاهد فيها اثار دم وعندما سال اخرين معه عن ذلك ابلغوه انها نتيجة تعذيب المعتقلين قبله . واشار الى انه سمع اصوات اطلاق رصاص كانت تطلق على اخرين لقتلهم ثم قام جنود باقتياده مع اخرين بينهم ابن عم له وشد وثاقهم وتعصيب اعينهم واطلقوا الرصاص باتجاههم حيث قتل عدد وافتعل هو انه ميت .
واكد ان الجنود كانوا يحضرون كل اثنين من المعتقلين ويقتلونهم ويرمونهم بحفرة صغيرة واوضح انه زحف بغياب الجنود الى الحفرة التي كانت مليئة بجثث قتلى ومصابين لم يتوفوا بعد مما دعا احد الحراس الى النزول الى الحفرة واطلاق الرصاص على رؤوس الاشخاص الذين كان يعتقد انهم لم يموتوا وادلى المشتكي باسماء عدد منهم . وضاف انه بحلول الظلام استطاع الزحف والخروج من الحفرة مهرولا واكد انه يستطيع الان التعرف على مكان هذه المقبرة الجماعية . واوضح انه ظل يسير على قدميه حتى الصباح حتى دخل مزرعة شعير فاكل كمية منه نتيجة جوعه .. وقال انه وصل الى مشارف مدينة والتقى هناك مع راع فلما ساله عنها ابلغه ان هذه المدينة هي الرمادي وقال له ايضا انه كردي رحلته الحكومة مع اخرين الى المدينة عام 1975 .
واضاف انه انتقل بعد ذلك بسيارة اجرة الى بغداد والتقى كرديا اخر فيها فابلغه ان ايضا هرب من المعتقل بعد ان نجا من اطلاق الرصاص على المعتقلين . ومن بغداد قال انه انتقل الى مدينة كركوك الشمالية . واشار الى ان خمسة من اشقائه قد قتلوا خلال عمليات الانفال مطالبا بنقل رفاتهم واقارب اخرين له الى قريتهم .
ولدى مناقشة رئيس الادعاء منقذ ال فرعون للمشتكي طلب قطع الصوت لورود اسماء خلال ذلك ولم يعرف محتوى النقاش لكن المدعي العام اكد ان لديه وثائق تثبت صحة اقوال المشتكي الذي اوضح انه عاد الى قريته عام 1989 بعد صدور عفو حكومي عام فوجدها محروقة ومدمرة . ووصف نجاته من الموت وعودته الى كردستان بانه معجزة الهية مكنته من الحضور بعدها الى هذه المحكمة ليفضح جرائم الابادة الجماعية ضد الاكراد . وقال انه يشكر الحكومة الاميركية التي خلصت الاكراد من الطاغية صدام .
المشتكي الثاني
وقال المشتكي الذي تكلم من وراء ستار ايضا انه من سكنة منطقة قادركرم فاشار الى ان القوات العراقية هاجمت قريته في نيسان (ابريل) عام 1988 وتطلب عبر مكبرات الصوت بالعفو عن السكان فسلموا انفسهم الي الشرطة التي نقلتهم بسيارات الى مدينة جمجمال ومنها الى معتقل طوبزاوة وبعد يومين نقلوا في باصات الى منطقة لم يعرفوا اين تقع لكنه اشار الى انها قد تكون الرمادي . وقال انه لدى وصولهم الى هذه المنطقة مساء وبسبب اهانات الحارسل لهم فقد هجموا عليه وجردوه من سلاحه مما دفع جنودا اخرين خارج الباص الى اطلاق الرصاص عليهم . واضاف انه استطاع الهرب ليلا وظل يسير على قدميه حتى شروق الشمس حين وصل الى نهر كبير قرب مدينة اقدم على طرق احد ابواب بيوتها فادخله الساكنون واطعموه ومن هناك غادر الى بغداد ثم الى كركوك .
جلسة امس الاثنين
وقد طالبت مشتكية كردية خلال جلسة امس التي تم خلالها الاستماع لخمسة مشتكين بتسميم الرئيس السابق مثلما سمم اقارب لها بالاسلحة الكيمياوية كما قالت بينما اكد مشتكيان ان الطائرات العراقية قتلت العشرات من ابناء قريتيهما بالسلاح الكيمياوي ربيع عام 1988 كما نهبت القوات منازل القريتين والقرى المحيطة بهما واحرقتهما . ثم خاطب مشتك اخر صدام قائلا "هل القرآن الذي تحمله بيدك يختلف عن الذي أحرقته في كردستان؟." فقاطعه القاضي بالقول انه لا يجوز للمشتكي توجيه الحديث للمتهم بشكل مباشر.
كما شهدت المحكمة امس انسحاب ئيس هيئة الدفاع عن المتهمين خليل الدليمي واثنين اخرين من المحامين احتجاجا على عدم تلبية مطالب قدمها حين حضر الجلسة بعد مقاطعة استمرت خمسة اسابيع حيث اصر على مناداة صدام بالرئيس برغم معارضة القاضي . كما تقدم الدليمي بجملة مطالب دعا فيها الى الغاء قرارها السابق بمنع المحامين العرب والاجانب من الدفاع عن المتهمين واقتصار دورهم على الاستشارات .. وطلب نسخة من تخويل الرئيس جلال طالباني لنائبه عادل عبد المهدي بتوقيع قرارات الاعدام نيابة عنه . كما دعا الى التحقيق بالاعتداء على مقر فريق الدفاع لدى غيابهم والاستيلاء على وثائق تخص قصية الانفال . واحتج على انتداب المحكمة لمحامين يتولون المرافعات في قضايا اخرى موضحا ان هذا مخالف للقانون .. كما اعترض على قطع البث عندما يتحدث أي واحد من المتهمين دفاعا عن النفس .
واشار الى ان ملف قضية الانفال يضم عشرة الاف صفحة لم يسنح الوقت للدفاع الاطلاع عليها .. وتطلب جمعها مبلغ 200 مليون دولار وهو مالم يتوفر للدفاع وبذلك فقدت المحكمة العدالة المطلوبة منها كما قال . واوضح لن الوقت لم يكفي الدفاع لدراسة جميع اوراق ومستندات التحقيق واشتكى من كثرة جلسات المحكمة . ثم دار جدل بين الدليمي والقاضي محمد العريبي الخليفة الذي اعترض على مناداة الدفاع لصدام حسين بالرئيس فقد تمسك الدليمي باضفاء لقب الرئيس على صدام قائلا انه الرئيس الشرعي للعراق ولذلك فهو مصر على مناداته به .. لكن القاضي حذره من استخدام هذا اللقب وطلب مناداة صدام بالمتهم . ولعدم استجابة القاضي لجميع مطالب الدفاع فقد اعلن الدليمي اسنحابه وتعليق حضوره لجلسات المحكمة من جديد .
وقد تدخل صدام موضحا ان القانون لايلزم المتهمين بقبول توكيل محامين لهم رغما عنهم ولكنه يلزم المحكمة بتوكيل محامي عن المتهم الذي لايستطيع ذلك رافضا المحامي الذي اوكلته له المحكمة بديلا عن الدليمي الذي انسحب من المحكمة .
المتهمون والتهم في قضية الانفال
والمتهمون الستة الاخرين بالاضافة الى صدام حسين هم علي حسن المجيد الملقب بعلي كيمياوي وكان مسؤولا عن المنطقة الشمالية وسلطان هاشم احمد وزير الدفاع السابق وصابر عبد العزيز الدوري رئيس المخابرات العسكرية وحسين رشيد التكريتي رئيس هيئة الاركان للجيش العراقي السابق وطاهر توفيق العضو القيادي في حزب البعث المنحل والسكرتير العام للجنة الشمال وفرحان مطلك الجبوري الذي كان يشغل منصب مسؤول الاستخبارات العسكرية للمنطقة الشمالية. ويواجه صدام والمجيد تهمة ارتكاب إبادة جماعية فيما يواجه المتهمون الآخرون تهما بارتكاب جرائم حرب ويدفع هؤلاء بأن حملة الانفال رد شرعي على قتال الأكراد العراقيين الى جانب إيران ضد بلدهم في الحرب بين الدولتين بين عامي 1980 و1988 .
ويتهم الاكراد القوات العراقية بشن هجمات بغاز الخردل وغاز الاعصاب في الحملة التي استمرت سبعة أشهر والتي يقولون ان اكثر من 180 الف شخص قتلوا خلالها فيما نزح عشرات الالاف. وتركزت إفادات شهود العيان الستة خلال الجلسات السابقة على حجم المعاناة التي خلفها استخدام الجيش العراقي لأسلحة "كيمائية" على المدنيين خلال حملة الانفال العسكرية حيث أبلغ قرويون أكراد المحكمة كيف أن عائلات قضت نحبها بعد ان قامت طائرات بقصف القرى الجبلية بأسلحة كيماوية.
وقد سميت الحملة " الأنفال" نسبة للسورة رقم 8 من القرآن الكريم . و(الأنفال) تعني الغنائم أو الأسلاب ، والسورة الكريمة تتحدث عن تقسيم الغنائم بين المسلمين بعد معركة بدر في العام الثاني من الهجرة . استخدمت البيانات العسكرية خلال الحملة الآية رقم 11 من السورة: " إذ يوحي ربك إلى الملائكة أنى معكم فثبتوا الذين آمنوا سألقي في قلوب الذين كفروا الرعب فاضربوا فوق الأعناق واضربوا منهم كل بنان ".