روسيا ومصر: مشروع شراكة إستراتيجية
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
مبارك يبحث في موسكو ملفي الاسلحة والتعاون النووي
موسكو، القاهرة: شهد تاريخ العلاقات السياسية والاقتصادية بين روسيا ومصر في العقود الأربعة الأخيرة تقريبا الكثير من النجاحات الباهرة والإخفاقات المثيرة. وكانت مصر أول بلد إفريقي وقعت معه موسكو اتفاقية للتعاون الاقتصادي والتقني في عام 1958. ومثل توقيع هذه الاتفاقية مرحلة مثمرة جدا في العلاقات التجارية والاقتصادية بين البلدين.
وفي هذا السياق نفذت في مصر في إطار الاتفاقيات الحكومية المعقودة بين الدولتين 97 من مشاريع الطاقة والصناعة والزراعة التي شكلت أساس الصناعات الوطنية في هذا البلد. ويجب القول إن موسكو لم تسهم في بناء مثل هذا العدد من المنشآت المهمة في أي بلد آخر من بلدان العالم العربي وإفريقيا.
ويعد سد أسوان العالي الذي بني بمساعدة الخبراء الروس من أبرز منشآت الطاقة الكهرومائية في إفريقيا. وأصبحت تلك المنشآت كمجمع التعدين في حلوان ومصنع الألمنيوم في نجع حمادي قاعدة متينة لمسيرة التصنيع في مصر.
وبدأت مصر بدعم من الجانب الروسي بإنتاج الألمنيوم وماكنات تقطيع الفولاذ ودهون التشحيم، وغيرها من المواد. كما تم في إطار التعاون توسيع طاقات البلد في إنتاج الكهرباء والمعادن الحديدية، وتكرير النفط، وتحويل المعادن، وبناء السفن.
ويرى الكثير من الخبراء، وخاصة العسكريون منهم أن العلاقات التجارية والاقتصادية بين روسيا ومصر بنيت لأهداف سياسية حيث تميزت بطابع إيديولوجي، وحملت القليل جدا من خصائص علاقات السوق والمصالح الاقتصادية الصرفة. لكن منذ أوائل التسعينات بدأت موجهات تطور روسيا ومصر الداخلي تتطابق أكثر فأكثر مما وفر مقدمات لبناء علاقات تجارية اقتصادية بين البلدين تستند إلى أساس جديد مثمر للطرفين.
ووقع الطرفان الروسي والمصري في ختام محادثات جرت في عامي 1992 و1993 اتفاقية "حول التجارة، والتعاون الاقتصادي والعلمي التقني"، واتفاقية أخرى حول إمكانية إجراء الحسابات المتبادلة سواء في العملات الصعبة القابلة للتحويل أو العملتين الوطنيتين الروسية والمصرية. ونصت هذه الاتفاقية على إنشاء لجنة روسية مصرية مشتركة لشؤون التعاون الاقتصادي والعلمي التقني.
كما وقع البلدان في عام 1994 اتفاقية للتعاون الاقتصادي والتقني تضمنت اتجاهات ومشاريع محددة للتعاون، واتفاقية أخرى حول الخط الجوي بين البلدين، واتفاقية ثالثة للتعاون في مجال السياحة. كما وقعت الغرفة التجارية الصناعية لروسيا الاتحادية اتفاقية للتعاون مع اتحاد الغرف التجارية لمصر.
وقام الرئيس المصري حسني مبارك في الفترة من الثاني والعشرين ولغاية الرابع والعشرين من سبتمبر 1997 بأول زيارة رسمية لروسيا الاتحادية. ووقع الجانبان في ختام هذه الزيارة اتفاقيات لتشجيع وحماية الاستثمارات، وتفادي الازدواج الضريبي، والملاحة البحرية، والتعاون العلمي التقني، وغيرها من الاتفاقيات.
ووقت روسيا ومصر في إبريل 2001 برنامجا طويل الأمد لتطوير التجارة والتعاون الاقتصادي والصناعي والعلمي التقني يثبت الاتجاهات الأساسية للتعاون التجاري الخارجي بين البلدين على المدى البعيد.
كما وقع الجانبان الروسي والمصري في أثناء زيارة رئيس الوزراء الروسي ميخائيل فرادكوف إلى القاهرة في شهر نوفمبر 2004 اتفاقيتين حول اعتراف مصر بالاقتصاد الروسي اقتصاد سوق، والتعاون في مجال البيطرة، ومذكرة للتعاون بين وزارتي الزراعة في البلدين في مجال حماية النباتات والحجر الصحي.
وشهدت الجلسة الخامسة للجنة الروسية المصرية المشتركة لشؤون التعاون التجاري والاقتصادي والعلمي التقني التي عقدت في شهر نوفمبر 2005 توقيع مذكرة حكومية للتفاهم في مجال الصحة والطب وصناعات الأدوية. وسجل في روسيا في أوائل هذا العام أكثر من 20 مستحضرا طبيا مصري المنشأ.
وازداد حجم التبادل التجاري بين روسيا ومصر نتيجة لنمو اقتصاد البلدين وبفضل الاتفاقيات والوثائق الحكومية بينهما في الفترة الممتدة بين عامي 2003 و2005 من 416 مليون دولار إلى 1125 مليون دولار.
وتشكل صفائح الفولاذ والمدلفنات والحبوب والأخشاب ومشتقات النفط والورق والكارتون والمنتجات الكيميائية والمكنات والمعدات والأنابيب أغلب صادرات روسيا إلى مصر. ومما لا شك فيه أن صادرات روسيا إلى مصر تتنوع ويختلف حجم مكوناتها حسب حاجات السوق المصرية.
وتستورد روسيا من مصر المنتجات الزراعية كالحمضيات والبطاطس والرز والبصل والثوم والشاي، وبعض السلع الاستهلاكية.
ويتطور التعاون بين البلدين في مجال السياحة في السنوات الأخيرة بوتائر عالية جدا. ويزداد عدد السياح الذين يزورون مصر بشكل مستمر حيث يتجاوز حاليا 800 ألف سائح سنويا. وإذا كانت إيرادات مصر من السياحة تبلغ نحو 5ر4 مليار دولار في السنة فإن أكثر من 500 مليون دولار منها تأتي من السائحين الروس. ويتيح ذلك تعويض عدم التوازن في التبادل التجاري بين البلدين من وجهة نظر تجارة السلع والخدمات.
ويعتقد الكثير من الخبراء الروس أن القاعدة القانونية المتطورة جدا للعلاقات بين البلدين، والاتصالات النشطة بين الشركات ورجال الأعمال الروس والمصريين تؤثر بشكل إيجابي على النزعة التصاعدية في تطوير التبادل التجاري بين روسيا مصر، والمحافظة على استقرار العلاقات بين الدولتين بشكل عام. كما يساعد على ذلك اهتمام رجال الأعمال في تأمين الظروف المناسبة لتوسيع عمليات التصدير والاستيراد بين البلدين، وتطوير الأشكال الأخرى للتعاون الاقتصادي.
ولا بد أن نشير في أثناء الحديث عن التعاون التقني بين المؤسسات والشركات الروسية والمصرية الحكومية والخاصة إلى أن العمل في السوق المصرية يجري وفق الظروف الجديدة وفي ظل تنافس قوي مع شركات البلدان الأخرى. وغالبا ما تفوز الشركات الروسية في تلك المنافسة مما يتيح لقيادتي البلدين الحديث عن الشراكة الإستراتيجية.
ووقع الكونسورتيوم الروسي الألماني "سيلوفيه ماشيني"- "فويت سيمينس هايدرو باور جينيرايشن" بعد فوزه في مناقصة دولية عقدا مع الجانب المصري بقيمة 72 مليون يورو لتحديث 12 مولدا في محطة السد العالي الكهرومائية حتى عام 2010. وقد تم إلى حد الآن تحديث أول مولدين في المحطة المذكورة.
ويتمتع التعاون الاستثماري بين البلدين في قطاع النفط والغاز بآفاق رحبة. ووقعت شركة "لوك أويل اوفيرسيز ايجبت لتد" (بنت شركة "لوك أويل") التي تقوم بأعمال تنقيب عن النفط وإنتاجه في مصر في عام 2003 اتفاقيتين للتنقيب عن النفط وإنتاجه في خليج السويس.
وذكر مصدر في "لوك أويل اوفيرسيز" أن الشركة الروسية تقوم حاليا بإنتاج وتصدير حوالي 650 ألف طن من النفط المصري. كما شغلت الشركة في عام 2003 أنبوبا لنقل النفط بطول 100 كلم وبطاقة 24 ألف برميل يوميا. ويثمن رجال النفط الروس مستوى التفاهم المتبادل مع الزملاء المصريين، وآفاق عمل الشركات الروسية في مصر تثمينا عاليا .
ووقعت شركة "غازبروم" الروسية وشركة الغاز الوطنية المصرية مذكرة للتفاهم. كما يجري الطرفان مباحثات حول التعاون في مجال إنتاج الغاز وبيعه في أسواق أوروبا وتركيا وبلدان أخرى. وتتوفر حاليا إمكانية لاستثمار حقل "أبو قير" للغاز في مصر.
وجرت في شهر فبراير 2006 مراسم افتتاح مؤسسة لتجميع سيارات "فاز" الروسية من مختلف الطرازات في القاهرة. وبدأ تجميع سيارات "فاز-2110" الروسية في مصر منذ شهر ديسمبر 2005. وتعتبر المؤسسة المذكورة المؤسسة الوحيدة في الخارج لتجميع سيارات "فاز" الروسية. وتجدر الإشارة إلى أن الشركات المحلية المصرية تقوم بتصنيع الكثير من أجزاء تلك السيارات حاليا.
وتبدأ شركة "جويتمينت اوتوموتيف كو" المصرية حسب العقد الذي وقعته مع معمل غوركي لصناعة السيارات (غاز) في عام 2006 بتجميع حافلات نقل الركاب الصغيرة "غازيل" و"سوبول" في مصر. كما تعمل شركة "كاماز" الروسية على تنظيم تجميع شاحناتها في مصر. ويجري الجانبان الروسي والمصري محادثات حول تجميع سيارات "غاز" و"واز" الروسية.
وأصبح المشروع الروسي المصري في مجال تصنيع الطائرات خطوة جديدة على طريق التعاون التقني بين البلدين حيث وقعت شركة "سيروكو آيروستار انترناشنل" المصرية وعدد من الشركات الروسية برئاسة معمل "آفياستار" في اوليانوفسك عقدا لتصنيع طائرات "تو-204-120". ويجري تزويد الطائرات بمحركات وتقنيات جوية غربية على حساب الجانب المصري. وقد تم إنتاج 5 طائرات من هذا الطراز تعمل 3 منها حاليا في مصر و2 في بلجيكا. كما وقعت بين مصر والصين الشعبية اتفاقية لتصدير 5 من هذه الطائرات إلى الصين مع إمكانية زيادتها إلى 10 طائرات. ويعد مشروع تصنيع طائرات "تو-204-120" المشروع الأساسي في التعاون الاستثماري بين روسيا ومصر. كما وقعت اتفاقية مع البنك الأوروبي للتعمير والتنمية حول المساهمة في تمويل أنشطة هذا المشروع.
ورغم كل الإنجازات التي تحققت في العلاقات الروسية المصرية إلا أنه يتعين على الطرفين حل الكثير من المشاكل التي تواجه تعاونهما التجاري الاقتصادي، ولهذا فإن الزيارة الجديدة التي سيقوم بها الرئيس المصري حسني مبارك إلى روسيا تتيح إمكانية حل تلك المشاكل. وترى أوساط الأعمال الروسية والمصرية أن مباحثات الرئيس حسني مبارك مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين في موسكو ستفتح آفاقا جديدة لتطوير التعاون التجاري الاقتصادي بين روسيا ومصر.
أبو الغيط: التعاون المصري الروسي يتمتع بآفاق رحبة في جميع المجالات
من جهتهأكد وزير الخارجية المصري أحمد أبو الغيط على وجود آفاق رحبة للتعاون المصري الروسي في جميع المجالات، بما في ذلك مجال استخدام الطاقة الذرية للأغراض السلمية. وقال أبو الغيط في حديث لوكالة نوفوستي قبيل زيارة الرئيس المصري حسني مبارك إلى موسكو إن العلاقات الروسية المصرية علاقات رائعة لأن كل طرف محتاج للطرف الآخر. وأضاف أن العلاقات الاقتصادية بين البلدين تتطور بوتيرة سريعة جدا في حين يوجد تفاهم مشترك بين القاهرة وموسكو في المجال السياسي.
وأكد أبو الغيط على تقارب أو تطابق مواقف ووجهات نظر مصر وروسيا تجاه الكثير من مسائل السياسة الخارجية. وشدد على أن مصر تدرك دور روسيا في العالم، وخاصة في منطقة الشرق الأوسط. وأشار الوزير المصري إلى أن روسيا تتمتع بوجود إمكانيات صناعية واقتصادية كبيرة.
وذكر أبو الغيط أن روسيا تولي اهتماما مستمرا بالمنطقة. وأضاف أن مصر التي أعلنت عن عزمها على تطوير قطاع الطاقة الذرية منفتحة للتعاون مع روسيا في هذا المجال.
كما دعا وزير الخارجية المصري إلى تحديد هدف نهائي لعملية التسوية السلمية في الشرق الأوسط. وأوضح أبو الغيط قائلا: "إذا تم تحديد هدف العملية السلمية والمصادقة عليه من قبل المجتمع الدولي فسيكون من السهل جمع أطراف النزاع حول طاولة المفاوضات". وأضاف أن المشكلة الرئيسية تتمثل في توقف العملية السلمية بالكامل بسبب الصعوبات التي ظهرت لدى الفلسطينيين والإسرائيليين.
ولم يستبعد الوزير المصري احتمال بروز ضرورة لعقد مؤتمر دولي جديد للتسوية في الشرق الأوسط. كما لم يستبعد أبو الغيط مناقشة موضوع العراق في محادثات الرئيس المصري حسني مبارك في موسكو، ومباحثات وزيري الخارجية المصري والروسي.