على الولايات المتحدة أن تبرهن أنها قوة ثابتة
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
ترجمة سامية المصري : منذ أسبوعين عرض هيو هويت علي فكرة أن الإرهابيين قد يحاولون جر أسبانيا إلى انتخابات الولايات المتحدة. تتذكرون أنه في العام 2004 خسر مئات المسافرين حياتهم في سلسلة التفجيرات التي حدثت في قطارات مدريد. وكانت استجابة الأسبان بالخروج في مظاهرة عارمة في الشوارع تضامناً مع القتلى, حيث كانت جميع اللافتات تقول: "كفى!". ولم تكن هذه الكلمة موجهة إلى القتلة, وإنما كانت موجهة إلى حكومة رئيس الوزراء أزنار وإلى بوش وبلير والقوات في العراق. وبعد ذلك بيومين, انتخبوا حكومة اشتراكية قامت بسحب القوات الأسبانية مباشرة من الشرق الأوسط.
قال مارك ستين الكاتب في صحيفة صن تايمز أنه رد على هيو بقوله أنه لم يكن يظن حصول ذلك في هذه الفترة من الوقت. فالأعداء ليسوا زمرة من البسطاء, بل متطورين نسبياً في فهمهم لنا على الأقل. فنحن جميعاً كفار, حسب عقيدتهم, وليس كل الكفار يُحطَمون بنفس الطريقة. فإذا كانوا فجروا السيارات في أنفاق نيويورك أو نسفوا بناية إمباير ستيت لكانوا أيقظوا الغضب نفسه الذي شاع إثر أحداث 11 سبتمبر 2001. وبمجموعة أخرى من الجثث المكومة سيفزع الناخبون إلى الجمهوريين ويطالبون الولايات المتحدة بالانتقال إلى مكانٍ آخر وإلقاء القنابل على أشخاصٍ آخرين.
يعلم المجاهدون ذلك, ولذلك يعدون إستراتيجية أكثر احتيالاً. إن نظرتهم إلى أميركا تماماً كما وصفها المؤرخ البريطاني نيل فيرجسون, وهي أن الشيطان الأكبر هو القوة العظمى الأولى التي تُصاب بقلة مفرطة في الانتباه. فقد افترضوا أنه إن كان بإمكانك أن تعرض الأميركيين لحوادث قتلٍ هنا وتفجير سوقٍ هناك وحرق سيارات ودخان يتصاعد من المدينة في نشرات الأخبار يوماً بعد يوم وأن ترفع من وتيرة هذه الأحداث قبل الانتخابات بأسابيع فإنك تستطيع التأثير في الناخبين وإقناعهم بأن يصوتوا مثل ما فعل الأسبان, دون أن يلحظوا ذلك حتى. وهذا ما حصل. فيمكننا أن نبرر ما حصل يوم الثلاثاء في ضوء انتخابات السنوات الماضية - 1986, 1958, 1938... - ولكن يبدو أن العالم لم ينظر إليها كذلك. ولكي يثبت الرئيس أن يوم الثلاثاء لم يكن مجرد تكرارٍ لما حصل 1986 أو 1938 كانت استجابته بإقالة المسؤول في الوزارة واستبداله برجلٍ له علاقاتٍ بجيمس بيكر وبرنت سكوكروفت وآخرين من زمرة الواقع السياسي المصطنع.
وسواء كان ينبغي أن يُطرَح رمسفيلد من الوزارة أم لا, فلم يكن ينبغي أن يكون ذلك صباح الأربعاء. وأحد الأسباب هو أن ذلك كان تأكيداً على تسييس الحرب. كانت إقالة الرئيس لرمسفيلد تصرفاً وضيعاً وسمجاً.
إننا نعتبر أننا جميعنا أسبان في الوقت الراهن. سيقول المتحدث القادم أن العراق ليست حرباً يجب أن ننتصر فيها, وإنما مشكلة يجب أن نحلها. وقد كان أحد الصحافيين في بوسطن غلوب قال أن الشرف يقتضي أن "تقبل الولايات المتحدة بهزيمتها" كما فعلت في فيتنام.
ماذا يعني أن تقرر القوة العظمى في العالم والمسئولة عن 40% من الإنفاق العسكري على وجه الأرض عدم قدرتها على الانسحاب من حرب عصابات مع مجموعة من المتمردين المحليين والإرهابيين الأجانب؟ يمكنك أن تسمي ذلك "إعادة انتشار" أو "إستراتيجية للخروج" أو "مسالمة مع شرف", ولكن ما إن أعلنت قناة الجزيرة عن ذلك أمكنك أن تراهن وبقوة على أن محاولة التلطيف الرسمي التي اتُفق عليها في واشنطن ضاعت عبر الترجمة. والوضع نفسه عندما أُعلِن عنه في "صباح الخير بيونغيانغ" وفي شبكة الخرطوم إلى أن نصل إلى بي بي سي.
بالنسبة لبقية العالم, فإن حرب العراق لا تخص العراق بل تخص أميركا والإرادة الأميركية. وقد علمت أنه في أروقة البنتاغون يوجد إستراتيجيون يستعدون للمواجهة الكبرى مع الصين حوالي 2030/ 2040. إنه عمل مستمر كما أتوقع. ولكن كما توضح الأمور, فإنه في الوقت الذي تكون فيه الصين قادرة على تحدي الولايات المتحدة فلن تكون بحاجة لذلك. أما الآن فإن الناخبين الأميركيين يعتبرون أن الأشخاص الذين يعلنون عن تحديهم لنا, في العراق وأفغانستان وإيران وكوريا الشمالية وغيرها, يمثلون عرضاً واقعياً ملوا منه.
يتابع ستين قائلاً أنه أجرى منذ أسبوعين مقابلة مع الرئيس سأله فيها: "لقد قلت أنك تريد أن تبقى في حال الهجوم كل الوقت وبقيت في حال الهجوم. ألم تكن المشكلة في أن الشعب الأميركي كان يدعم ذلك بشدة عندما بدأت الحرب وأسقطت الطالبان ومن ثم توجهت إلى العراق وأسقطت صدام؟"
تلاشى التصويت للأمن القومي يوم الثلاثاء, وماذا بقي للحزب الجمهوري بدونه ؟ شعر جمهوريو الكونغرس بالتوتر في خوضهم الانتخابات في أسوأ الأحوال, حيث حكومة تزداد توسعاً في الداخل وعملياتها للمراقبة والتنظيم ضعيفة في الخارج. وفي كتابي الأخير عرضت عكس ذلك: حيث حكومة ضعيفة وصغيرة في الداخل بينما تتسم بالثبات والحزم في سياستها الخارجية. إن هذه الحكومة تقوم بعملٍ رائع, من ربط الحرب والسياسة الخارجية بالشؤون الداخلية. وبالتأكيد لن تكون بتلك الروعة إذا كان الانقلاب المتفكك للحزب الجمهوري هو البديل الوحيد.
إننا الآن في حقبة مظلمة من حياتنا. لقد مضى زمن طويل قبل أن تنتصر أميركا في حربٍ بشكلٍ لا يقبل الشك, وإذا اختارت أن تخسر في العراق فسيكون تصرفها ناجماً عن التساهل ضيق الأفق مع الذات لن تحتمله العزيمة الأميركية ولا تستحقه. إن أوروبا بدأت تصبح شبه إسلامية وبدأت دول العالم الثالث تسعى إلى السلاح النووي ولن تستطيع أميركا بإنفاقها 40% من حجم الإنفاق العسكري في العالم أن تستجمع إرادات الدول للقضاء على أعدائها. إننا نرى أن علينا ترك هذه اللعبة باكراً والعودة إلى بيوتنا ومشاهدة التلفزيون.
ولكن الأمور لا تسير كذلك. فبأي طريقة كانت, تمثل العراق امتحاناً للجدية الأميركية. وإذا لم يستطع الشيطان الأكبر الانتصار في فيتنام أو في العراق, فأين له أن ينتصر؟ كذلك تنظر إليه الصين وروسيا وإيران وكوريا الشمالية والسودان وفنزويلا وجمع كبير من الدول. قد يكون "هذه الألوان لا يمكنها الهرب" شعاراً جيداً يُطبع على القمصان, ولكن في الحقيقة أمضت هذه الألوان 40 عاماً تهرب من غابات جنوب شرق آسيا ومروحيات الصحراء الفارسية وشوارع مقديشو... وإضافة رمال ميسوبوتاميا (بلاد ما بين النهرين, العراق) إلى القائمة سيكون ضعفاً لن تتعافى منه الولايات المتحدة.