أخبار

لبنان والعراق وفلسطين: مثلث الأزمات المتشابكة

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك


إيلي الحاج من بيروت: يتنامى قلق عربي ودولي على الوضع الداخلي في لبنان، قلق بدأ يلامس حدود الذعر والهلع بعد حصول حوادث أمنية ترتدي الطابع المذهبي في شوارع بيروت ، ما يدفع المثلث السعودي- المصري- الاردني خصوصاً إلى إطلاق تحذير تلو تحذير من تفجر لبنان وتحوّله "عراقاً آخر" مخففاً .

ولا تتوقع التقارير الغربية انفجار حرب أهلية في لبنان على غرار حرب عام١٩٧٥ ، إذا طال الوضع الحالي وتعذر التوصل إلى حل سياسي، بل تشير إلى احتمال وقوع صدامات مختلفة الأشكال والأحجام بين الطوائف او داخل الطائفة الواحدة.

كما تعكس تخوفا من وقوع عمليات ارهابية يمكن ان تقدم عليها مجموعات عربية واسلامية وصلت الى لبنان وتغلغلت في مخيمات فلسطينية، وتتضمن عناصر مشابهة في تكوينها التنظيمي والعقائدي لتلك التي تعبر الى العراق، كما أن هناك "تحسباً" لاحتمال حصول تدخل سوري أكثر بروزاً عبر الحدود بأشكال واضحة او مموهة.

ومجمل هذه الأخطار والاحتمالات يدفع الى التلويح ب "الفصل السابع" في ميثاق الأمم المتحدة، ان على صعيد مشروع المحكمة الدولية التي اصطدمت بمعوقات داخلية تحول دون وصولها الى البرلمان، او على صعيد توسيع مهمات القوات الدولية ونطاق عملها في حال طلبت حكومة الرئيس فؤاد السنيورة ذلك لمؤازرة الجيش اللبناني طبقا للقرار ١٧٠١ الذي يلحظ هذه الحالة بما في ذلك مشاركة القوات الدولية في مراقبة الحدود اللبنانية مع سورية.

ويأتي اندفاع التأزم في لبنان في حركة "صعود الى الهاوية"، في ظل وضع اقليمي بالغ الدقة والخطورة و الضبابية، فمشروع حكومة الوحدة الوطنية في فلسطين يصل الى طريق مسدود أيضا. وحكومة المالكي في بغداد تواجه ضغوطا أمنية وسياسية كبيرة. والاستراتيجية الاميركية في العراق تمر في مرحلة انتقالية والقرار في شأنها مؤجل.

وبعدما كان الاتجاه الغالب هو الى طلب مساعدة ايران وسورية في ترتيب الوضع، بما يفسر حركة رئيس الحكومة التركية رجب طيب أردوغان بين طهران ودمشق وبيروت، بدا أن الاميركيين يأخذون نصائح ، ومصالح حلفائهم في المنطقة في الاعتبار، وهم الذين يرون ان أي تراجع اميركي الى الوراء وأي انفراط لإحدى حلقات المشروع الاميركي في المثلث العراقي الفلسطيني اللبناني سيقود الى زعزعة الاستقرار في المنطقة، وتقويض السياسة الاميركية وإلحاق الضرر الأكيد بحلفاء اميركا في المنطقة.

وما يواجهه الرئيس الاميركي جورج بوش اليوم من تحديات في المنطقة العربية لا يقتصر على الشكوك فيه من المعسكر المعادي للولايات المتحدة، فالشكوك تأتي أيضا من المعسكر الحليف الخائف من ارتداد الوعود الاميركية باسم" الواقعية". لذلك كان على الرئيس الاميركي، بعد لقاءاته في العاصمة الاردنية ان يضع آليات تنفيذ للتعهدات التي قطعها على نفسه في فلسطين ولبنان والعراق، لا سيما انه أعلن رفضه السماح لإيران بأن تسيّر الملفات الثلاثة، ورفضه الخضوع أمام املاءاتها واملاءات التطرف في البقع الثلاث ، بمعنى أن على الرئيس بوش ان يقرن استيعابه للأوضاع السائدة في المنطقة باجراءات فاعلة وفعالة، قبل فوات الأوان. فالمنطقة غير قادرة على تحمّل أخطاء اميركية جديدة، أو تلقي وعود تلتهمها رياح التغيير والواقعية.

على المستوى العراقي ، يبدو واضحا الآن ان الرئيس بوش لن يسرع الى التقهقر من العراق، ولم يتخذ قرار التخلي عن دعم حكومة المالكي، وليس متأهبا لاستدعاء المساعدة الايرانية والسورية حتى لو أوصت بها لجنة بيكر- هاملتون. والرجل أوضح انه ليس في وارد مقايضة لبنان، كما انه غير مستعد لإعادة تأهيل هيمنة سورية عليه، لا مقابل مساعدتها في العراق، ولا تلبية لاستقتالها على ان تكون حليفة لأميركا في أي شيء ما دامت تحتفظ بلبنان. وما أفادت به المصادر بعد محادثات بوش في عمان ان الكلام على الحوار مع سورية يدخل خانة الأوهام، وان الاستياء الدولي من الدور السوري في لبنان يتعاظم، وان لبنان ليس سلعة في سلة المقايضات.

وساهم ابراز العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني أخطار الحروب الأهلية في فلسطين ولبنان والعراق في توسيع التفكير الاميركي وتعميقه في المتطلبات الضرورية لمعالجة ما يجري الآن في المنطقة ، علماً أن التحذيرات العربية من أخطاء أميركية محتملة في التعامل مع أزمات المنطقة تكتسب بعدا كبير الأهمية، لأنها تجيء في خضم إعلان لجنة بيكر- هاملتون توصيتها للإدارة الاميركية باللجوء الى ايران وسورية طلبا لمساعدتهما في العراق في "مقابل ما" من نوع او آخر.
والرسالة العربية التي تلقاها الرئيس الاميركي هي التالية: ان ارتكاب الأخطاء الآن في العراق
ولبنان وفلسطين سيدمر المنطقة والمصالح الاميركية في المنطقة. ان صفوف الاعتدال، الحكومة منها والشعبية، ستنهار ولن تجد مكانا لها أينما كان اذا خضعت الادارة الاميركية لإملاءات التطرف الآتي من طهران الى الساحة العربية وعلى حسابها . وإن عدم السيطرة على الأمور اليوم في فلسطين ولبنان والعراق سيُفقد المنطقة توازنها بخطورة فادحة لا عودة عنها. وإن القضية الفلسطينية هي مفتاح التعاطي مع قضايا المنطقة الأوسع ومفتاح انقاذ فلسطين من مهاترات التطرف على حساب الفلسطينيين. وإن لبنان ساحة فائقة الأهمية حالياً لاختبار العزم الدولي وحسن السياسات، وانه الساحة التي من خلالها تبعث ايران وسورية رسائل مفخخة، فيما تبعثان رسائل ادعاء الود في العراق.

رؤية أوروبية

ويقول دبلوماسي أوروبي في بيروت التي يزورها في إطار جولة شملت غزة وعمان: "على عكس الوضع في العراق حيث تقوم حكومة شرعية قريبة من ايران وصلت الى الحكم بانتخابات معترف بها دوليا، وعلى نقيض الوضع في فلسطين حيث تقوم حكومة شرعية قريبة من الخط الايراني السوري وصلت الى الحكم بانتخابات معترف بها دوليا... تقوم في لبنان حكومة شرعية وصلت الى الحكم هي أيضا بانتخابات معترف بها دوليا، ولكن هذه الحكومة تقف في الخط المناهض لهذا الاتجاه، وبالتالي لدينا كل السبل لدعمها. أضف إلى ذلك ان تناقضات الوضع في لبنان وعدم وجود هيمنة عددية
فيه لطرف واحد يجعل من المستحيل على المحور الإيراني السيطرة على الوضع في هذا البلد".

وفي اختصار، يعتبر المسؤولون في العواصم الغربية ان الحكومة التي يرأسها فؤاد السنيورة هي التي تمثل الشرعية اللبنانية لأنها تتمتع بتأييد الغالبية النيابية المنبثقة من انتخابات ربيع ٢٠٠٥ ، فضلاً عن أن هذه الحكومة تتمتع بتأييد غالبية السكان في لبنان، وبتأييد عربي من جميع الدول العربية - باستثناء سورية- وبتعاطف دولي شامل ، بما فيه موسكو وبكين، لأن أداءها منذ تشكيلها يتوافق مع القوانين الدولية، ولأنها لم تقم بأي ممارسة لاقت انتقادا دوليا، لا من الأمم المتحدة ولا حتى من الجمعيات غير الحكومية.

حتى انه يمكن القول ان حكومة السنيورة هي اليوم الحكومة العربية ذات الصيت الأفضل في العالم. لذا، ليس واردا ترك هذه الحكومة تسقط، لا بل إن كل شيء وارد للدفاع عنها . ولن يقدم لبنان هدية الى ايران وسورية، ولن يتراجع العالم العربي ولا المجتمع الدولي عن فعل أي شيء لحماية "ثورة الأرز"

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف