المغرب: الحكومة لا تحارب الرشوة وتشجع على استفحالها
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
عيسى العلي من الدار البيضاء: "الحلاوة والقهوة والكميلة"، تسميات أضحت تحيل بشكل مباشر على الرشوة التي تضع سنة بعد أخرى، المغرب في تصنيف عالمي غير مشرف. ففي ندوة صحافية عقدت أمس الخميس في الرباط، أعلنت الجمعية المغربية لمحاربة الرشوة عن نتائج بحث حول الظاهرة لسنة 2006، كانت من خلاصاته أن المغرب يوجد ضمن مجموعة الدول الأكثر تضررا بخصوص التعامل بالرشوة، إذ أقر 60 في المائة من المستجوبين، الذين شملهم البحث، أنهم دفعوا بشكل شخصي أو أحد أفراد أسرتهم مقابل مالي خلال 12 شهرا، قبل إجراء البحث من طرف مؤسسة غالوب إنترنا شيونال".
وبما أنها تعمي المبصرين وتنخر كافة الهياكل، كما يفعل السرطان بالجسد، فإن البحث، الذي شمل 561 شخصا بشكل مباشر وشخصي في أهم المدن المغربية، أكد أن القطاعات الحيوية هي الأكثر تضررا من الرشوة، إذ حصلت الأحزاب السياسية والبرلمانيون على نقطة 3.5 في سلم يتراوح ما بين نقطة واحدة (غير متضررة كليا من الرشوة) إلى 5 نقاط (أكثر تضررا)، فيما حصلت قطاعات أخرى على نقطة تساوي أو تتجاوز 4 وهي: الشرطة، والعدل، والخدمات الصحية، والمصالح الإدارية العمومية. كما أشار إلى أن المغرب يوجد ضمن مجموعة الدول التي أجاب فيها المستجوبون بنسبة 31 في المائة إلى 50 في المائة على أن الرشوة تمس حياتهم المهنية والعائلية.
ورغم أنها تتخذ شكل وحش خرافي تزداد قوته سنة بعد أخرى، إلا أن المواطنين مازالوا يعقدون الآمال لإيجاد حلول للقضاء على الظاهرة، إذ اعتبر أغلب المستجوبين أن الحكومة ينتظرها عمل كثير، وأن ورش محاربة الرشوة ربما لم يبدأ بعد. وحسب البحث فإن 3 في المائة فقط من الأجوبة تعتبر أن الحكومة جد فعالة في محاربة الظاهرة، في حين تعتقد 17 في المائة أن عملها فعال.
وفيما تتدارس الحكومة مشروع يتعلق بإحداث الهيئة المركزية للوقاية من الرشوة، التي من المقرر أن تضطلع بمهام استشارية وسيكون الهدف من إنشائها رصد وجمع المعلومات وإنجاز دراسات حول الرشوة، إلى جانب قيامها بأعمال تحسيسية وتواصلية واقتراح التدابير اللازم اتخاذها للتقليص من الظاهرة في المجتمع، فإن البحث يبرز أن 39 في المائة من المستجوبين يرون أن الحكومة لا تحارب الظاهرة، في حين تعتبر 23 في المائة أنه لا وجود لمحاربة الرشوة.
ولم يقف تضارب الآراء عند هذا الحد، بل تجاوزه إلى حد اتهام 15 في المائة من المستجوبين الحكومة بالوقوف وراء تشجيع الرشوة.
صعوبة محاربة الظاهرة بسبب استمراريتها على مستويات تثير القلق، خاصة أنها أضحت جزءا من ممارسة وثقافة شريحة واسعة تلامسها يوميا في الإدارات العمومية، جعل البعض يقترح تدريس انعكاساتها وسبل مكافحتها في المدارس، بالإضافة إلى "إحداث مرصد وطني لمحاربة الرشوة"، وإيجاد الظروف الجيدة للقيام بعمله على أفضل وجه.
وكان مشروع إحداث الهيئة المركزية للوقاية من الرشوة واجه انتقادات شديدة من قبل ترانسبارانسي المغرب، إذ قال عز الدين أقصبي، رئيس الجمعية، "توصلنا بنص المشروع وقمنا بتحليله، واعتبرناه لا يتوفر على الشروط الدنيا، التي من شأنها إنجاح عمل هذه الهيئة". وأكد أقصبي، في تصريحات صحافية سابقة، أن "الحكومة والرأي العام على علم بموقفنا، واشترطنا لنجاح هذه الهيئة أن تتوفر فيها الاستقلالية اللازمة، والنجاعة الكاملة لمباشرة أعمالها بكل حرية ومن دون قيود". وبخصوص هيكلة الجهاز المزمع تأسيسه، أشار أقصبي إلى أن مسألة العضوية بالنسبة إلى الجمعية المغربية لمحاربة الرشوة تتوقف على مدى احترام شروط الاستقلالية والنجاعة، مضيفا أن "المهم بالنسبة إلينا هو إيجاد استراتيجية متكاملة تمكن الجهاز من آليات العمل الضرورية، إذ أن الإجراءات المنعزلة لا تكفي لحل المشكلة".
يذكر البحث، أي تقرير "الباروميتر" العام، يقوم بقياس حجم الرشوة والطريقة التي تؤثر بها على الحياة العادية للناس والسكان. وهم البحث المنجز هذه السنة 62 دولة، وشمل عينة عالمية من 59 ألفا و661 أسرة. ويقوم الباروميتر باستكشاف التجربة المعاشة للفرد المستجوب مع الظاهرة، ولا يقف عند حد الإدراك فقط. فالأفراد موضوع البحث يسألون عن عدد المرات التي قام بها الشخص خلال سنة بدفع رشوة وعن ثمنها، فهي بمثابة دراسة عميقة لوضعية الرشوة وأشكالها والقطاعات الأكثر تضررا.ا وتمكن نتائج "البارومتر" من مساعدة السلطات العمومية والأطراف المعنية من إيجاد الحلول الملائمة لمحاربة الظاهرة.