العراق 2006: رحيل وترحيل وحرب أهلية مؤجلة
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
خيارات قد تعيد العراق للمربع الاول العام المقبل(1من2)
2006 : رحيل وترحيل وحرب أهلية مؤجلة
أسامة مهدي من لندن : دخل العراقيون العام الحالي 2006 محملين بآمال وتطلعات متفائلة وقد خاضوا لتوهم تجربة انتخابات واسعة شارك فيها 12 مليون منهم لاختيار حكومة ومجلس نواب جديدين بمشاركة قوى جديدة دخلت العملية السياسية للمرة الاولى منذ انهيار النظام السابق ربيع عام 2003.. لكن هؤلاء العراقيين لم يكونوا ليتوقعوا انهم سيغادرون عامهم هذا وقد تلاشى الكثير من تفاؤلهم مع تصاعد العنف والتهجير الطائفي والرحيل الجماعي عن بلدهم بحثا عن امان وحياة افضل افسدتها عصابات فصائل سياسية طائفية انحازت بولاءاتها الضيقة ضد انتمائها الوطني وجماعات ارهابية اخترقت الحدود فشلت في تحقيق هدفها النهائي بأشعال حرب اهلية طائفية اكد العراقيون انهم اقوى من الوقوع بفخها لصالح تلك الجماعات التي تحركها دوافع فئوية محلية واهداف عدوانية خارجية.
انتخابات عامة وتطلعات نحو الافضل
فحين حل عام 2006 كان العراقيون قد خاضوا قبل 15 يوما تجربة الانتخابات العامة متطلعين الى تشكيل حكومة ومجلس نواب جديدين يجسدان وحدتهم الوطنية ويمثلان جميع مكوناتهم وقواهم.. لكن صدمة الخلاف على شخصية السياسي الذي سيشكل حكومة الوحدة الوطنية المنتظرة داخل ائتلاف واحد فاز في تلك الانتخابات شكل اول خيبة امل ومعضلة سعى اولي الامر الى حلها بتصويت داخلي فاز فيه زعيم حزب الدعوة الاسلامية رئيس الوزراء السابق ابراهيم الجعفري.
لكن الخيبات بدأت تتوالى برفض تجربة الاختيار الديمقراطية هذه ولتستمر ازمة تشكيل حكومة جديدة اكثر من اربعة اشهر كان العراقيون يتساقطون خلالها بالعشرات يوميا بفعل ضربات الارهاب التي زادت في استهداف المواطنين الامنين بعد ان دمرت قنابل الارهابيين مرقدي الامامين العسكريين للشيعة في مدينة سامراء (100 كم شمال غرب بغداد) في 22 شباط (يناير).
ومنذ جريمة التفجير هذه التي كانت مدرجة على ما يبدو ضمن اولويات اعداء العراقيين فقد اتسعت دائرة الانتقام الطائفي بين طرفيه الشيعي والسني واخذت ابعادا خطيرة غير مسبوقة رسمت ملامح جديدة لعراق ما بعد السقوط. وبرغم موقف المرجعية الشيعية التي يتربع على قمتها المرجع الشيعي الكبير اية الله السيد علي السيستاني الداعي الى التهدئة وضبط النفس الا ان عصابات المنفلتين من الجانبين لم تذعن لنداء التروي بدفع من قوى سياسية لبست اردية طائفية مقيتة.
وعلى الرغم من تحقيق بعض المنجزات حلال العام الحالي الا ان العنف الدموي والخلافات بين الفرقاء المنخرطين في العملية السياسية قد طغت على هذه المنجزات التي عصفت بها رياح التفجيرات وضربت في كل مكان من مناطق العراق ولم تفرق في اسالتها للدم بين شيعي او سني او مسيحي.
فقد شهد العام تخصيصات مضاعفة لاعمار المحافظات العراقية وتم تشريع قانون للضمان الاجتماعي للعوائل الفقيرة اضافة الى زيادة المرتبات وارتفاع قيمة الدينار العراقي التي ينتظر ان تزيد بنسبة 17% خلال العام المقبل وتشريع قانون جديد للاستثمار وتشجيع القطاع الخاص وافتتاح مشاريع نفطية. كما شهد العام اعداد موازنة ضخمة للعام المقبل بلغت 41 مليار دولار خصص جزء كبير منها للامن ولتقديم الخدمات الاساسية وتطوير القطاعات التعليمية والصحية.
الا ان العام الحالي لم يشهد حسما لمشكلة العجز الكبير في اعادة اعمار البنى التحتية وتقديم الخدمات الاساسية الى المواطنين وخاصة في مجال تزويد المواطنين بالماء والكهرباء اللذين يستمر انقطاعهما بساعات طويلة خلال معظم ايام السنة. ويعود السبب في ذلك الى الفساد المالي الخطير الذي يضرب بقسوته مؤسسات الدولة ثم العمليات التخريبية التي يقوم بها عادة المسلحون ضد المنشآت الاساسية التي تقدم هذه الخدمات التي شملت اضافة الى ذلك تخريب انابيب ومنشآت النفط الحيوية وبشكل حرم العراق من مداخيل ضخمة تصل الى 12 مليار دولار سنويا.
وتنظر الحكومة الى العام 2007 بامل على تخفيف حدة البطالة وتحسين الخدمات من خلال الميزانية العامة الجديدة التي ستؤمن حوالي ربع مليون فرصة عمل للتخفيف من حدة البطالة التي تعتبر واحدة من مسببات الانهيار الامني من خلال انخراط الشباب في عمليات عنف وجرائم مقابل نكاسب مادية.
وفي خطوة استراتيجية وقع الزعيمان الكرديان جلال طالباني ومسعود بارزاني بداية العام الحالي في اربيل اتفاقية توحيد ادارتي اقليم كردستان تلبية لما يمليه المسار السياسي السليم للحزبين.. الاتحاد الوطني الكردستاني والديمقراطي الكردستاني. وجرى تكليف نيجيرفان بارزاني من الحزب الديمقراطي الكردستاني بتشكيل الحكومة الكردية الموحدة.
شكل تفجير مرقدي الامامين العسكريين في شباط (يناير) بمدينة سامراء اختبارا حقيقيا لمدى متانة الاوضاع الامنية والسياسية والاجتماعية التي انهارت بسرعة مع تهاوي ضريح الامامين لتؤكد ان قادة النظام الجديد لم يستطيعوا انجاز بناء قوى على الاصعدة المختلفة زاد من تخبطهم الممارسات التي قامت بها قوات الاحتلال الاجنبي على صعيد التدخل في هذه الاوضاع لصالح توسيع تعقيداتها وتداعياتها السلبية في جميع مرافق الحياة العراقية.
غير انه بدلا من استغلال الفرقاء السياسيين لحادث التفجير الذي تشير المعلومات الى انه كان بفعل قوى خارجية لتوحيد الصف والخروج من تداعياته اكثر قوة في مواجهة اعدائهم الا انهم اختاروا الطريق الخاطيء وشرعوا المحاصصة الطائفية والعرقية في توزيع المناصب السيادية وتوابعها في نيسان (ابريل) الامر الذي عمق من وما يزال من الخلافات وخلق سابقة خطيرة زجت بالعراق الى نفق مظلم لن يستطيع الخروج منه من دون تضحيات قد تستمر لسنوات مقبلة.
فقد تم اختيار مجلس لرئاسة الجمهورية برئيس كردي ونائبين سني وشيعي ومجلس للنواب برئيس سني ونائبين شيعي وكردي ورئيس شيعي للحكومة بنائبين كردي وسني وليكون الانتماء الطائفي والعرقي فوق الاخلاص الوطني والكفاءة في اداء الواجب وخدمة العراقيين.. ولذلك لم ينتج عن هذه الشرعنة غير تخبط في القرارات وتعطيل للعمليات الامنية والسياسية والخدمية والاقتصادية.
ولم تمض اشهر قليلة على انتهاء عرس تشريع المحاصصة حتى انكشف بوضوح مدى هشاشة البناء الذي كرس الفرقاء السياسيين جهودهم لصالحه فبدأوا بتبادل اتهامات التخوين وقادوا مليشيات مسلحة تخدم مصالحهم السياسية خرجت فصائل منها تحركها دوافع ضيقة حركها الاجرام المتأصل في النفوس قتلا وتدميرا وتهجيرا فلت من عقاله برغم انه اخذ يصب في صالح قوى ودول لها مصلحة في ماهو عليه العراق الان ,
وكنتيجة لذلك فقد اخذ العنف الطائفي يضرب بقسوة في عمق المجتمع العراقي وبشكل غير مسبوق تغذيه تصريحات السياسيين من الشيعة والسنة الذين دابوا على تبادل الاتهامات التي وصلت الى حد الشتائم التي اصبح معها المواطن العراقي فاقدا لارادته متطلعا لمنقذ من اوضاعه الماساوية التي يعيشها.
ففي كل يوم يتساقط حوالي مائة عراقي صرعى عمليات التفجير والاغتيال وما معدله 40 جثة مقطوعة الراس يوميا يعثر عليها في مناطق متفرقة من البلاد ليصل معدل عدد قتلى العنف الشهري اكثر من ثلاثة الاف شخص وليصل ضحايا هذا العنف المسعور خلال العام الحالي الى 40 الفا. يترافق هذا مع عمليات تهجير كانت العاصمة العراقية ضحيته الاولى من اجل تحقيق اهداف خبيثة لتجزئتها طائفيا حتى تجاوز عدد العائلات المهجرة منها الخمسين الفا زاد عدد افرادها على ربع مليون نسمة. ترافقت هذه مع عمليات استهداف للاساتذة والعلماء والمفكرين والصحافيين والشخصيات الفنية والرياضية والاجتماعية التي اغتيل اكثر من 300 منهم خلال العام الحالي وحده.
شهد العام الحالي تسليما بطيئا للمسؤوليات الامنية الى القوات العراقية حيث لم يتم بعد الا استلام للملف الامني في 3 محافظات تعتبر هادئة نسبيا هي الناصرية والسماوة والنجف برغم من الحاح المسؤولين العراقيين على ضرورة الاسراع في استكمال هذا الامر الذي لايتوقع له ان يتحقق قبل منتصف العام المقبل 2007.
ويبدو ان الاميركان الذين يسيطرون عسكريا على المحافظات العراقية بداوا يتطلعون الى تسريع عمليات التخلص من المسؤليات الامنية بعد ازدادت دائرة خسائرهم في العراق التي اقتربت في هذه الايام من الرقم 3000 اضافة الى الضغوط الداخلية التي بدات تؤججها تداعيات تصاعد هذه الخسائر التي وسعت من المطالبة بالانسحاب وحتى من اعضاء نافذين في الكونغرس الاميركي.
والحقيقة فان اداء القوات الامنية العراقية التي وصل عديدها الى حوالي ربع مليون عنصر مازال ضعيفا في مواجهة العمليات المسلحة للمتمردين لاسباب عدة في مقدمتها ضعف التسليح حيث لاتسمح القوات الاميركية بتجهيزها باسلحة ثقيلة او طائرات مقاتلة. يضاف الى ذلك تركيبة هذه القوات عقائديا حيث ان معظم فصائلها تدين بالولاء الى الاحزاب والقوى التي ينتمي اليها افرادها فغاب الولاء للوطن على حساب الولاءات الطائفية والحزبية. وقد ادى كل هذا الى اتهام قادة وفرق عسكرية بالانحياز الى طائفة بعينها ضد اخرى والتغاضي عن جرائم المليشيات المسلحة التي تنفذ في كثير من الاحيان جرائمها في الاغتيال والتفجير والاختطاف تحت سمع ومرأى القوات الامنية التي لم تحرك ساكنا في احيان كثيرة للتصدي لهذه المليشيات ومنعها من تنفيذ عملياتها التي تطورت الى عمليات تفجير مفخخات جماعية واختطافات تطال العشرات في وقت واحد.
ونظرا لوضع القوات هذه واستعدادا لتنفيذ خطة امن العاصمة خلال عشرة ايام مقبلة فان هناك اتجاها لتشكيل فرقتين عسكريتين بضوابط مشددة يتم اختيار عناصرهما بعيدا عن الولاءات الطائفية والسياسية لتكون رأس الحربة في تنفيذ هذه الخطة التي سيشارك فيها اكثر من عشرين الف عسكري.
مصالحة متواضعة.. واقاليم تثير مخاوف
تنفيذا لبرنامجه الحكومي فقد اعلن رئيس الوزراء نوري المالكي منتصف العام عن مبادرة للمصالحة الوطنية هدفها توسيع العملية السياسية والحد من العنف استثنت من اجراءاتها اعضاء حزب البعث المحظور والمسلحين الاجانب ممن تورطوا في جرائم ضد المواطنين الابرياء.
وعلى الرغم من العمل الموسع لانجاز هذه المصالحة الا ان النتائج التي خرجت منها ثلاث مؤتمرات انعقدت لهذا الغرض لحد الان ظلت متواضعة بسبب ازمة الثقة بين القوى المنخرطة في العملية السياسية وتلك التي ماتزال خارجها. ولم تنجح الاتصالات التي اجرتها الهيئة العليا للحوار والمصالحة الوطنية ولقاءاتها مع المعارضين من مختلف الاتجاهات في عدد من العواصم العربية والاجنبية في انجاح قوى مؤثرة في الاوضاع الامنية والسياسية على الانخراط في هذه المصالحة التي يزيد من تعقيدات نجاحها الوجود الاجنبي العسكري في العراق والتدخل الاقليمي في الشؤون العراقية.
وبخلاف تصريحات المسؤولين العراقيين عن النجاح في كسب قوى مسلحة وسياسية الى مشروع المصالحة الوطنية الا ان العراقيين لم يطلعوا لحد الان على اسماء هذه القوى التي قيل انها ابدت استعدادا للانخراط في العملية السياسية ولايعرفون كيف ستدخل هذه القوى في العمل السياسي وهي لاتزال لحد الان غير قادرة حتى على الظهور الى الملآ واعلان اسمائها الصريحة او تقديم برامجها الى الراي العام داخل العراق وخارجه. وقد عول الكثيرون على مؤتمر المصالحة للقوى السياسية الذي انعقد في السادس عشر من كانون الاول (ديسمبر) الحالي في الانتقال بالمصالحة الى مرحلة متطورة لكن المؤتمر لم يخرج الا بتوصيات متواضعة ولم تشارك فيه قوى مؤثرة تبعث امالا في قرب تحقيق هذه المصالحة المنشودة. لكنه يبدو ان الحكومة مصرة برغم ذلك على السير بالشوط الى نهايته وهي تستعد حاليا لعقد اربع مؤتمرات للمصالحة خلال العام المقبل لقطاعات مختلفة من الشعب العراقي.
وشهد منتصف العام الحالي اقرار مجلس النواب قانون تقسيم العراق الى اقاليم بنظام اتحادي من الفيدراليات وقفت وراء ظهوره الكتلتان الشيعية التي تتطلع لانشاء اقليم الوسط والجنوب والكردية الساعية الى تكريس اقليمها وشرعنة وجوده بالضد من موقف القوى السنية والعلمانية التي تتخوف من ان تهيء هذه الاقاليم لتقسيم العراق وتجزئته على اسس طائفية وعرقية. وترى هذه القوى ان الظروف الحالية غير مؤهلة لانشاء هذه الاقاليم خوفا من تفجر صراعات مسلحة بين مليشيات القوى السياسية على ارضها اضافة الى ان وعي المواطنين لممارسة ادارة غير مركزية لم يصل الى المرحلة التي تؤهله لتطبيق صحيح لذلك وتعتقد انه من الافضل للعراق والعراقيين تأجيل الامر الى سنوات قليلة مقبلة. ومن المنتظر ان يكون مشروع انشاء هذه الاقاليم واحدا من القضايا الخلافية في عمل لجنة تعديل مواد الدستور المشكلة من قبل مجلس النواب والتي ستباشر عملها مطلع العام المقبل.
كل هذه التداعيات الماساوية دفعت بقطاعات واسعة من العراقيين الى البحث عن ملاذات امنة لم تستطع الدولة وحكومتها واحزابها وقواها السياسية والدينية ومن حولها القوات الاميركية تأمينها لهم فعادت الهجرة العراقية الى الخارج تشهد تصاعدا خطيرا يذكر بايام هجرتهم في حقبة النظام السابق.
ويؤكد رضوان نويصر نائب مدير المكتب الإقليمي لآسيا الوسطى وجنوب غرب آسيا وشمال إفريقيا والشرق الأوسط في المفوضية السامية لشؤون اللاجئين التابعة لهيئة الأمم المتحدة ان العام الحالي 2006 يعد أكثر الأعوام نزوحاً للاجئين العراقيين بسبب أزمات الانفلات الأمني والعمليات الإجرامية التي تحصد أرواح المدنيين الأبرياء.
وقدر نويصر النازحين داخل العراق بحوالي مليون وستمائة ألف نازح داخلي تركوا قراهم ومدنهم بحثاً عن ملاذات آمنة من العمليات الإجرامية التي تحصد أرواح الكثيرين من المدنيين ناهيك عن البحث عن سبل عيش جديدة خارج العراق. ويقدر حاليا عدد اللاجئين أو النازحين العراقيين الى سوريا بحوالي 900 الف وفي الأردن 700 ألف وفي مصر 100 الفا وفي لبنان 20 ألفا وبضعة آلاف في تركيا واليمن.
كما دفعت الاوضاع الامنية المتدهورة في العراق عددا كبيرا من العراقيين الى اللجوء الي دول اوروبية حيث اكدت المفوضية ان العراقيين باتوا علي رأس الجنسيات الاربعين التي تطلب اللجوء السياسي في الدول الاوروبية مع احصاء 8100 طلب لجوء خلال النصف الاول من العام الحالي ويسجل هذا الرقم ارتفاعا نسبته 50% مقارنة مع الفترة نفسها من العام الماضي 2005.
وفي اول اعتراف رسمي بتفاقم ظاهرة الهروب من العراق اكد رئيس لجنة الهجرة والمهجرين في مجلس النواب العراقي ان ثلاثة الاف عراقي يهجرون بلادهم الى خارجها يوميا.
وقال النائب عبد الخالق زنكنة من التحالف الكردستاني في تصريح له ان الاحصاءات اليومية تشيرالى هجرة ثلاثة الاف عراقي يوميا الى دول الجوار والبلدان الاجنبية بسبب الاوضاع الامنية المتردية. وقال ان هذه المعلومات تعتمد على شركات النقل والسفارات العراقية موضحا ان الاحصاء المؤكدة تشير الى ان العدد اكبر من هذا بكثير. (يتبع)