المغرب 2006: ثورة على الجينرالات وتحرك بطيئ في الصحراء
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
الدار البيضاء أحمد نجيم: شهدت السنة التي نودعها، 2006، في المغرب أحداثا كثيرة ومختلفة. على الصعيد الاجتماعي سميت هذه السنة عام الثورة ضد غلاء المعيشة، إذ شهدت أكثر من مدينة مغربية ما يشبه الانتفاضات ضد غلاء الأسعار، وتكونت تنسيقيات محلية وأخرى وطنية للتصدي لغلاء المعيشة.
أصوات للاحتجاج وإيصال فكرة أن "أصوات الجماهير لا تصلح فقط للانتخابات، ولا ينبغي تعليبها لتوظف في المحطات الانتخابية فقط. ولكن يمكن تأطير هذه الأصوات كتعبيرات عن الرفض والممانعة.. للاحتجاج ضد غلاء المعيشة ـ القهر ـ الاستغلال والتهميش ... ومن أجل الحياة الكريمة"، كما أوضحت التنسيقية الوطنية لمناهضة غلاء المعيشة والأسعار. كان آخر شوط من معركة هذه التنسيقية مسيرة احتجاجية يوم الأحد الماضي في العاصمة الرباط. ما ميز هذه المسيرة هو غياب الحركات الأصولية بكافة أطيافها والحضور القوي لقوى اليسار الراديكالي. الدولة لبت جزءا من مطالب المحتجين، فوافقت على تخصيص غلاف مالي لدعم المواد الأساسية في ميزانية 2007. وتيرة الاحتجاجات في المغرب شملت غلاء المواد الأساسية وفواتير الماء والكهرباء في الدار البيضاء وطنجة والرباط، هشاشة الوضع الاجتماعي تنذر بأخطار كثيرة في السنوات المقبلة.
خيبة أمل الحقوقيين
على المستوى الحقوقي، شهدت سنة 2006 خيبة أمل كبيرة لجميعات حقوقية، خاصة منتدى الحقيقة والإنصاف والجمعية المغربية لحقوق الإنسان، إذ كان الحقوقيون المغاربة ينتظرون أن تسفر أعمال هيئة "الإنصاف والمصالحة" على نتائج كبيرة، لكن الملفات العالقة، خاصة ملف المناضل اليساري المهدي بنبركة وملف "المانوزي" وملفات أخرى ظلت غائبة عن أعمال هذه المنتدى. بداية السنة كان القصر الملكي شهد استقبال العاهل المغربي الملك محمد السادس لعائلات فقدت أفرادها خلال سنوات الرصاص، إبان الاحتقان السياسي بين نظام الحسن الثاني الراحل والمعارضة اليسارية، واعتقد الحقوقيون أن العناق الحار بين الملك وبعض النساء ضحايا تلك السنوات، سيفضي بالدولة المغربية إلى الاعتذار ثم تحل جميع الملفات العالقة، غير أن عمل المنتدى سيستمر بطريقة بطيئة ومحتشمة، حسب الحقوقيين. وخلال السنة التي نودعها، أعلنت الهيئة عن اكتشاف جثتين لمحمد بنونة ومولاي سليمان العلوي قرب مدينة الراشيدية، وكان المرحومين قتلها بالرصاص في أحداث مارس 1973 قرب الراشيدية.
من مميزات السنة الحالية على المستوى الحقوقي، هو انخراط منظمات، كالجمعية المغربية لحقوق الإنسان، في مواضيع أخرى بعيدة عن حقوق الإنسان، كمناهضة غلاء الأسعار، وهو ما جعل بعض الصحافيين المغاربة ينتقدون هذا التوجه الجديد.
على المستوى السياسي، كانت جمعية العدل والإحسان المحظورة حاضرة بثقلها هذه السنة، فقد أعلن زعيمها في العام 2005 أن السنة التي سنودعها ستعرف قومة المغاربة وطبعا أعضاء جماعته ضد الحكم بالمغرب، هذه الرؤية أخذت على مأخذ الجد من قبل الدولة، فهذه الجماعة تعد التنظيم الأصولي الأول في المغرب، معروفة بنشاط أعضائها وحركيتهم واستعدادهم لتنفيذ ما يقوله شيخهم عبد السلام ياسين. وقد لجأت الدولة المغربية إلى تعيين مدير جديد للمخابرات المغربية متخصص في الحركات الأصولية. لم تنجح نبوءة الزعيم الروحي والفعلي للعدل والإحسان لكنها أربكت الكثير من الحسابات.
تميزت هذه السنة، كذلك، بإعلان نجلة زعيم العدل والإحسان نادية ياسين رغبتها في قيام جمهورية في المغرب، وكررت رغبتها تلك أكثر من مرة، ورغم بداية محاكمتها، فإن ياسين لم تتراجع عن تصريحاتها.
من يفوز في انتحابات 2007؟
قبل سنة من الانتخابات، بدأت حرب التوقعات في المغرب، وهكذا أعلن مركز تابع للجمهوريين الأميركيين عن نتائج استطلاع للرأي يعطي تقدم الإسلاميين، ممثلا في حزب العدالة والتنمية الأصولي، في الانتخابات التشريعية المزمع تنظيمها في المغرب أيلول من العام 2007، وحسب النتائج فإن الحزب الأصولي سيفوز ب37 في المائة من الأصوات. هذه النتائج أغضبت الأحزاب المغربية الأخرى، خاصة اليسارية، وانتقدت بشدة نتائج المعهد الأميركي، بل إن الوزير الأول المغربي إدريس جطو طمأن رجال الأعمال الفرنسيين في زيارته الأخيرة إلى باريس، وأخبرهم أن وصول الإسلاميين إلى الحكومة مستبعد، حسب ما نقلته صحف مغربية.
وعاشت الأحزاب السياسية الصغيرة هذه السنة حربا كبيرة ضد الأحزاب الكبرى. المناسبة، القانون الانتخابي الجديد الذي يحدد سلفا نسبا كي تشارك الأحزاب في الانتخابات وتستفيد من دعم الدولة المادي..وكادت تلك الحرب أن تخلق تصدعا في الائتلاف الحكومي الحالي، قبل أن تتراجع الأحزاب الكبيرة على مواقفها السابقة. لم يتابع المغاربة كثيرا هذا النقاش، فالناخب المغربي لا يؤمن كثيرا بصناديق الاقتراع، فآخر انتخابات لم يشارك فيها سوى 37 في المائة.
موضوع آخر شهد تحولات كبيرة هذه السنة، وهو ملف الصحراء المغربية، إذ شكل العاهل المغربي الملك محمد السادس المجلس الملكي الاستشاري للشؤون الصحراوية، وقدم هذا المجلس آخر أيام السنة مقترحا حول الحكم الذاتي للصحراء الغربية. رئيس المجلس الاستشاري خليهن ولد الرشيد شدد في حواراته على ضرورة مشاركة جميع الصحراويين في تدبير الشأن المحلي الصحراوي. ساند المشروع المغربي عددا كبيرا من الدول، خاصة أميركا وفرنسا وإسبانيا وإنكلترا، تبدو سنة 2007 حاسمة لحل نزاع الصحراء الذي بدأ منذ 1975.
حروب اقتصادية وثروات مالية
اقتصاديا شهدت السنة التي نودعها دخول مجموعة من الشركات إلى البورصة، كما شهدت حربا كبيرة بين شركات مغربية وأخرى أجنبية عربية، كما حدث بخصوص الزيوت، بين "لوسيور" التابعة لمجموعة "أونا" و"صافولا" السعودية، كما نشبت حرب بين ميلود الشعبي رئيس "هولدينغ يينا" والصفريوي أنس، رئيس الضحى" العقارية، واتهم الأول الثاني بالاستفادة من الأراضي من قبل الدولة، تصريحات أثرت بشكل كبير على بورصة الدار البيضاء.
سنة 2006 شهدت ظهور مجموعة جديدة من الأغنياء، راكموا ثروتهم من البورصة، أكبر مثال على ذلك، الصفريوي، رئيس "الضحى" الذي أضحى أغنى مغربي، حسب مجلة "لوجورنال" إذ يملك 24 مليار درهما، كل دولار يساوي تقريبا 8،5 درهما.
وشهدت السنة في الميدان الاقتصادي تدفق استثمارات كبيرة من الدول العربية، خاصة الإمارات العربية المتحدة، إذ فاق حجم استثمارها هذه السنة في المغرب 12 مليار دولار، كما تدفقت استثمارات كويتية وقطرية وبحرينية وسعودية. ولأول مرة في تاريخ الاستثمار في المغرب تصبح الإمارات العربية المتحدة في قائمة المستثمرين بالمغرب، لتتقدم على المستثمر التاريخي فرنسا.
إذا كانت 2006 شهدت تحديات كثيرة، فإن التحديات الأمنية كانت حاضرة بقوة، فهذه السنة اعتقلت السلطات المغربية خلية "أنصار المهدي" تورط فيها أفراد من الدرك الملكي والجيش والأمن، كانوا يتدربون للقيام لأعمال إرهابية، كما ارتفعت وثيرة الإجرام في المدن المغربية، وزاد حدف الفرقة الحضرية للأمن، بعد إقالة صاحب الفكرة الجينرال حميدوا لعنيكري، في متاعب الأمن بالمدن المغربية.
هذه السنة كانت فألا سيئا على جينرالات كثر في الجيش المغربي، إذ أقيل الجينرال حميدو لعنيكري من الأمن الوطني، كما أبعد الجينرال أحمد الحرشي، وأبعد الجينرال بلبشير من الأمن العسكري، بالإضافة إلى الجينرال بلحسن، الحامية العسكرية للدار البيضاء، كما تحدثت أخبار عن إمكانية إقالة الجنرال حسني بنسليمان، الرجل القوي في الدرك الملكي، خاصة بعد مبادرة من الجميعات الحقوقية لرفع دعوى قضائية ضد رجال الدولة المتهمين في قضايا حقوقية في سنوات الرصاص.
najim@elaph.com